بدأت الولاياتالمتحدة تدفع داخلياً وخارجياً ثمن العمل الإرهابي الذي عصف بها هذا الشهر. كان الاقتصاد الأميركي يترنح عندما ضُرب رمزه في نيويورك، فانزلق بسرعة، وتحاول الإدارة الآن جاهدة منعه من الانهيار، عن طريق برنامج لضخ 180 بليون دولار فيه، على شكل اعفاءات ضريبية، وإنفاق إضافي، ومع التركيز على مساعدة قطاعات معينة، فشركات الطيران خفضت 68 ألف وظيفة، يتوقع ان ترتفع الى مئة ألف، والحكومة على استعداد لمساعدتها بتقديم 15 بليون دولار أو أكثر للتغلب على أزمتها. وكان الكونغرس وافق في البداية على طلب الإدارة 40 بليون دولار لأعمال الإنقاذ ومكافحة الإرهاب، إلا أنه تبين فوراً أن المبلغ هذا على ضخامته سيكون نقطة في بحر النفقات النهائية للإرهاب المباشر، ولمضاعفاته وذيوله وللتحالف الدولي الذي يجري بناؤه لخوض حرب على الإرهاب. الإنفاق الإضافي في الداخل يعادل تقريباً فائض الميزانية الذي كان متوقعاً في السنة المالية التي تبدأ في اول الشهر القادم، ومع ذلك يبقى هذا الإنفاق محدوداً بالمقارنة مع ثمن التحالف الدولي ضد الإرهاب، وأكثر وضوحاً، لأن الإنفاق داخل الولاياتالمتحدة سيمكن حصره بدولارات تجمع لمعرفة الرقم النهائي. الإنفاق الخارجي اكثر تعقيداً بكثير، فمع النفقات العسكرية المنظورة هناك طلبات الدول المختلفة. الحلفاء الأوروبيون أيدوا الولاياتالمتحدة بحماسة، لا تشجيعاً لها، وإنما لينصحوا بالحذر، فهذه كانت رسالة فرنسا وألمانيا الى الرئيس بوش، وفي حين ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ابدى استعداداً للمساهمة العسكرية في مكافحة الإرهاب، إلا أنه اوضح ان حكومته لم تعط الرئيس بوش "شيكاً على بياض". اما اليابان فقد أعلن رئيس وزرائها جونيشيرو كويزومي ان بلاده ستقدم الى الولاياتالمتحدة كل ما تطلب في حربها على الإرهاب، غير انه أضاف مذكراً بأن الدستور الياباني ينبذ الحرب كوسيلة لحل الخلافات الدولية. وعلى الأقل، فالحلفاء الأوروبيون واليابان لا يريدون شيئاً من الولاياتالمتحدة، ولكن عندما تدخل روسيا والصين في الصورة يختلف الوضع. هما ايضاً أعلنتا معارضة الإرهاب، إلا أنهما بدأتا تطالبان في مقابل مساهمة محدودة، اكثرها تبادل معلومات استخبارات، بالدعم ضد "الإرهاب" فيهما، فروسيا تقول انها تواجه إرهاباً في بلاد الشيشان، مع انها تواجه حركة تحرر وطني، والإرهاب هناك روسي، والصين تريد مساعدتها ضد حركات انفصالية عدة في البلاد وحولها. وأهم من كل ما سبق في الحرب على الإرهاب هو دور باكستان، فهذا البلد مجاور لأفغانستان، وفيه مليون لاجئ أفغاني، ويعرف طالبان افضل من أي بلد آخر. وقد وعد الرئيس برويز مشرف ان تساعد بلاده الولاياتالمتحدة، غير انني أختار من كلمات سفيرته في واشنطن السيدة مديحة لودي فهي تطوعت بالقول ان بلادها لم تقرر مساعدة الولاياتالمتحدة "لتقبض مالاً أو للمعاملة بالمثل" وأثبتت ان هذا ما تريد باكستان فعلاً وما ستحصل عليه. وكانت باكستان حتى 11 الجاري تواجه خطرين اميركيين: واحداً على بيعها السلاح بعد نجاحها في إنجاز تفجير نووي، وآخر على القروض بسبب إطاحة الجنرال مشرف الحكومة المنتخبة ديموقراطياً وتسلم الحكم في انقلاب عسكري. وبات واضحاً الآن ان الحظر العسكري سيرفع، وستتلقى باكستان اسلحة وقطع غيار لأسلحتها الأميركية، وأهم من ذلك، ان الولاياتالمتحدة بدأت فعلاً العمل لمساعدة باكستان اقتصادياً. وخلفية سريعة، فعندما احتاجت الولاياتالمتحدة الى باكستان لمواجهة السوفيات في افغانستان بعد سنة 1979، قدمت لها قروضاً بمبلغ 2،3 بليون دولار. غير ان السوفيات هزموا وانسحبوا سنة 1989، ونضبت القروض تدريجياً في التسعينات، ثم توقفت مع تسلم مشرف الحكم. وأصبحت باكستان تواجه حظراً اميركياً، وارتفعت ديونها الخارجية الى 37 بليون دولار. واليوم تحتاج الولاياتالمتحدة الى مساعدة باكستان لذلك فالسفيرة الأميركية في اسلام اباد ويندي شامبرلين طلبت من الدول المانحة الاجتماع لمساعدة باكستان، وتخفيف ديونها الخارجية، كما ان الولاياتالمتحدة طلبت من صندوق النقد الدولي الإفراج عن قرض لباكستان بمبلغ 596 مليون دولار، كما اقترحت على الصندوق والبنك الدولي تقديم قروض اضافية. نؤيد مساعدة باكستان، بل نصرّ عليها، فهذا البلد المسلم الكبير يضم 140 مليون نسمة ثلثهم دون حد الفقر. ولكن نقول ان باكستان لم تتغير البتة، فبرنامجها النووي قائم وهناك حكومة عسكرية خلفت حكومة منتخبة ديموقراطياً، ومع ذلك فعند حاجة الولاياتالمتحدة الى باكستان، اختفت الأسباب التي تسببت في معاقبة باكستان وقدمت عليها المصالح الأميركية. الرئيس بوش يقول اليوم ان الحرب هي بين الحرية والخوف، وهذا صحيح الا ان الحرية الأميركية مطاطة، تضيق احياناً عن الحاجات الإنسانية للشعوب الفقيرة، وتتسع احياناً لنظام عسكري مع برنامج نووي إذا كان ذلك يخدم المصلحة الأميركية. والعرب ليسوا بحاجة الى مساعدات الولاياتالمتحدة، وهم طلبوا شيئاً واحداً في مقابل تعاونهم مع الحلف الدولي ضد الإرهاب، هو تدخل الولاياتالمتحدة بنشاط في النزاع العربي - الإسرائيلي لوقف الإرهاب الإسرائيلي على الفلسطينيين، فهو الإرهاب الذي أطلق كل إرهاب آخر، والنجاح في الحرب على الإرهاب الدولي ليس مجرد قتل ارهابي أو مئة، فهو يتم بمعالجة جذور الإرهاب حتى لا يعود.