السبب وراء كتابة هذا التحقيق كمفكرة هو اليوم السادس. اليوم الذي انفجرت فيه السماء صباحاً. كنا على وشك مقابلة المخرج الفرنسي جان - بيير جينو، عندما جاء الخبر. طائرتان تضربان "وورلد تريد سنتر". قلنا منذ متى والمبنى يقف في طريق حركة الطيران، وكيف حدث أن اصطدمت طائرتان بعضهما ببعض وهوتا فوق ذلك البرج؟ بعد أقل من دقيقة هرع خبر يوضح: عملية ارهابية مقصودة. الطائرة الأولى ضربت البرج الشمالي، الطائرة الثانية ضربت البرج الجنوبي. يصل المخرج مذهولاً كما كان ليلة البارحة عندما تطلع الى الصالة التي تسع نحو 1300 شخص والتي غصت بالحاضرين وقد وقفوا لتحية المخرج عقب عرض فيلمه "اميلي من مونمارتر". هذه المرة الذهول كان مختلفاً. واذ يجلس أمام عربي أراد حجبه او إخفاءه لكنه قال: "ألا زلت تريد أن تجري هذه المقابلة في هذه الظروف؟". "وسترن عثماني" من البندقية الى تورنتو. ليست المرة الأولى التي يتم فيها انتقال من مهرجان مباشرة الى آخر. تورنتو بدأ بشعار "مهرجان المهرجانات" وهو حافظ على هذا الشعار سنوات طويلة قبل أن يخلفه وراءه بعدما كبر وأصبح مهرجاناً رئيسياً. في البداية كان يكتفي بتجميع الأفلام التي عرضت في "برلين" و"كان" "والبندقية" و"لوكارنو" وسواها. الآن، الأفلام المعروضة في مهرجانات أخرى تشكل نحو 60 في المئة من برنامجه، اما الباقي فعروض دولية أولى. الشأن الوحيد الذي حافظ عليه هو أنه يستبعد الجوائز، وبالتالي ليست لديه لجنة تحكيم. وتبعاً لذلك، فإنه أكثر تحرراً. وشعور الذي يحضره، هو أنه لا قيود أمامه لمشاهدة ما يريد من دون أن يشعر بواجب مشاهدة أفلام متسابقة دون سواها. فيلم الإفتتاح للدورة الجديدة كان كندياً من المخرج بروس سويني الذي سبق له أن قدم فيلمين واعدين هما "طعم حي" 1995 و"وسخ" 1998، وهو نظرة على المشكلات الاجتماعية الحالية التي تنتج حين الإقدام على الزواج. لدى المخرج ثلاثة نماذج لستة رجال ونساء وطريقة ذكية للإنتقال بين النماذج المطروحة بخفة ومهارة من دون أن يخلف وراءه فيلماً بخفة أفلام هوليوودية مماثلة. مولي باركر هي الإضافة الرئيسية الوحيدة الى طاقم ممثلين تعامل المخرج معهم أكثر من مرة بينهم فريدا بتراني، بنجامين راتنر وتوم شولتي. فيلم كندي آخر في هذا اليوم كان شوهد هنا حين انتج للمرة الأولى سنة 1882 ويعرض الآن في تقديم خاص. انه "الثعلب الرمادي" للمخرج المغيّب فيليب بورسوس الذي يسرد فيه حكاية لص قطارات مع مطلع القرن العشرين 1901 يخرج من السجن ويكتشف السينما للمرة الأولى. اذ يشاهد "سرقة القطار الكبرى" لأدوين س. بورتر، ويخفق في ايجاد عمل، يعود الى ما كان هيّناً عليه فعله قبل دخوله السجن عندما كانت القطارات ابطأ وسرقتها أسهل. انه وسترن مفعم بالمشاعر الطيّبة بطله هو ريتشارد فارنسوورث، ذاك الذي مثل بطولة الفيلم ما قبل الأخير لديفيد لينش "قصة ستريت" ومات بعده 2000. "غبار" للمخرج المقدوني ميلشو مانشيفسكي الذي كان افتتح مهرجان "البندقية" الأخير عرض هنا في اليوم الأول. وهو ثاني أفلام المخرج الذي قدم قبل سبع سنوات فيلماً لافتاً هو "ما وراء المطر". فيه تنبأ المخرج بشقاق في العلاقة بين مسيحيي ومسلمي مقدونيا وخطر تحوّل ذلك حرباً كتلك التي شهدتها يوغوسلافيا. في فيلمه الجديد يعود الى التاريخ في محاولة لسبر غور ما وقع فيه من أحداث رصفت الحروب الدينية الأولى: ثورة المقدونيين على الإحتلال التركي. كل ذلك في قالب يصفه ربما مازحاً ب"الوسترن العثماني". أفضل أفلام اليوم "يوم التدريب" أميركي لأنطوان فوكوا: دنزل واشنطن ضابط مكلف بتدريب الشاب ايثان هوك الذي يكتشف أن مدربه لا يقل إجراماً وانتهاكاً للقانون عن أي مجرم آخر. الأحداث تقع في يوم واحد تبدأ وتنتهي من دون أن نعرف منحنياتها او نقرأ سلفاً ما سيحدث فيه. مدهم وعنيف تعيبه نهاية مُطوّلة تستنفذ من المرء أي مشاعر خاصة كانت تسربت لديه من العمل. يوم ياباني المشاركة اليابانية هذا العام في مهرجانات السينما الرئيسية لم تكن بمستوى ما اعتدناه. لكن من بين أربعة عشر فيلماً عرضت يابانية هنا، وجد المرء ما يكتب عنه بإعجاب قبل أن يغادرنا هذا العام المتسارع. "كل شيء عن ليلي تشو-تشو" لشونجي إيوا من أفضل ما أثمرت عنه السينما المذكورة هذا العام ومن مخرج سبق له أن حصد إعجاباً كبيراً بفيلميه السابقين "رسالة حب" و"قصة نيسان". بأسلوبه الذي يُحاك بتداخل عناصر وخيوط سرد تتكشف محتوياتها لاحقاً، يسرد حكاية فتاة مختفية يسعى البعض للبحث عنها. يجد المخرج ما ينتقده في عالم حديث يفتقد لغة التواصل على رغم تقدمه التكنولوجي، او بالأحرى بسببه. "فيرسوس" فيلم ياباني آخر من اخراج ريوهاي كيتامورا درس السينما في استراليا وأخرج أفلاماً قصيرة من قبل يحكي قصة سجين هارب يقع أسيراً لدى مجموعة من المحاربين الغامضين، الذين ينقلونه وفتاة الى منطقة معزولة. فيلم "أكشن" تصنيفاً، لكن المخرج ينجح في تقديم بحث حول الهوية العصرية المفقودة للياباني في الوقت ذاته. "ربيع أزرق" لتويودا توشياكي هو أضعفها لغة، على رغم أن طروحاته تلتقي والكثير من الأفلام اليابانية في السنوات الأخيرة: البحث عن الهوية المعاصرة والتحقيق في موضوع التحولات الإجتماعية وما أوصلت الشخصية اليابانية اليه. ليس أن مخرجي هذه الأفلام من الكبار سناً الذين ينتقدون التحلل الاجتماعي وضياع الهوية، بل ان كثراً منهم، ومن بينهم توشياكي نفسه، من الجيل ذاته. ايحاءات من "اذا.." لليندساي أندرسون 1971 و"البرتقال الآلي" لستانلي كوبريك 2197 موجودة في هذا الفيلم الغاضب عن شبان غاضبين. عنف الفيلم على رغم ذلك ليس مبرراً بل هو استهلاكي في مجمله. أول الأفلام الايرانية الستة التي شقت طريقها الى تورنتو هذا العام العدد نفسه في العام السابق هو "باران" لمجيد مجيدي الذي كان آخر ما قدمه قبل الفيلم الأخاذ "لون الفردوس" 1999. الفيلم الجديد يتبع الموجة الحديثة من الأفلام الايرانية التي تتحدث عن المهاجرين الأفغان والتي كانت بدأت بفيلم "جمعة" في العام الماضي، ثم احتوت على "قندهار" لمحسن مخملباف و"دلباران" لعبدالفضل جليلي هذا العام. "باران" فيلم مؤثر ايضاً ويعمل على مهل في القبض على أحاسيس متفرجيه. حكاية طفل افغاني يحل محل والده عامل البناء المهاجر والذي لا يملك رخصة عمل، وما يعانيه الصغير وهو يحاول استكمال دور والده الشاق. اذ يضع المخرج أصبعه على المعضلة الأساسية المهاجرين الأفغان الذين عليهم العمل بلا ترخيص وتحمّل تبعات ذلك، لا ينسى التعامل مع المكان بكاميرا جيدة وجميلة. مدير تصويره محمد داوودي يستطيع أن يجد جمالاً في الحجارة والغبار والواقع المثقل لشخصياته. ثاني الأفلام الايرانية هو "رأي مخفي" لباباك بايامي الذي خرج من مهرجان البندقية هذا العام بالجائزة الثانية: بانوراما لواقع المرأة الايرانية ولو أن المخرج يقول أنه واقع المرأة في أكثر من بلد من خلال يوم تقضيه مندوبة الحكومة لجمع اصوات المنتخبين في منطقة معزولة. ليس بقوة اي فيلم ايراني آخر شاهدناه في العامين الأخيرين وبالتأكيد أضعف شأناً من فيلم مجيد مجيدي لكنه يطرق باب موضوعه ولو أنه يخفق في تسجيل اصابات عالية فيه. أغنية للجميع من البلدان الاسكندنافية فيلمان مهمّان لا يمكن تفويت هذا المهرجان من دونهما. فيلم جان ترول "أبيض كالثلج" وفيلم بيل أوغوست "اغنية لمارتن"، وكلاهما في تظاهرة أطلق عليها "رؤية شمالية". كلاهما ممارسة في العمل المدروس والمتقن تجاه دفع الحال النفسية للشخصيات الرئيسية لكي تستولي على الفيلم. في "أبيض كالثلج" هذا الدفع أكثر وضوحاً. الفيلم دراما نفسية عن فتاة ولدت غاضبة وعاشت حياتها تتحدى قدرها وتخسر. وأول من تمارس غضبها واحباطها عليهم هم أهلها. أهم ما في الفيلم المعالجة المتينة للمخرج ترول، وهو أحد أفضل المخرجين السويديين الذين انطلقوا بعد الحرب العالمية الثانية. الآخران هما انغمار برغمان، أشهر الثلاثة، وبو وايدربيرغ. "أغنية لمارتن" هو ايضاً فيلم متين الصنعة ولعله أفضل أفلام الدنماركي بيل أوغوست منذ "أفضل النيات" و"بيل القاهر" كلاهما ربح مهرجان "كان" في عامين متواليين وليس فيلماً هيناً على بساطة موضوعه: عازفة الكمان التي تقع في حب قائد الأوركسترا ومن أجله تطلق زوجها وتصارح ولديها الشابين وتتزوج من حبيبها الجديد. هذا بعد حين يبدأ بفقدان الذاكرة. قليلاً وعلى موجات متباعدة في البداية ثم بكثرة وبصورة متقاربة ثم متواصلة. تجد نفسها ضحية حبها - أو هكذا نجدنا نحن على الأقل، لكنها لا تستطيع أن تتراجع فهي تعلم أن زوجها المصاب بألزهايمر بحاجة اليها وما زال يحبها. على رغم دكانة الموضوع، ما يجذب الإهتمام الى هذا الفيلم بحث المخرج الناجح عن قوة الحب في ذات بطليه. العنوان يقصد إلقاء تحية للزوج مارتن الذي يقع تحت تأثير مرضه وينسحب من العالم بقسوة، لكن الأغنية في الفعل من نصيب المرأة التي وهبت ولم تحصل على حجم بذلها كما لو أن القدر ضحك عليها. "اوتيليا" فيلم مكسيكي لدانا روتبيرغ: ميلودراما عاطفية من تلك التي كان يجب أن تتوجه الى التلفزيون طالما أنها مشابهة لما يعرض فيه من دراميات ممطوطة وتمثيل مفتعل. قصة أمرأة ذات وجه مشوّه يزوجها والدها من ضابط يصيبها بمرض الزهري لكن ذلك لا يمنعها من معاشرة رجال آخرين كإنتقام من والدها وزوجها. أحياناً يبدو الفيلم كمن يريد أن ينطق بشيء مهم. تشرئب الأعناق قليلاً، لكن الفيلم يمضي من دون شيء مفيد وتعود الأعناق الى حيث كانت تنتظر أن ينتهي فيلم طويل من 150 دقيقة. يوم أميركي طويل المخرج الاسترالي سكوت هيكس الذي قدم سنة 1996 بنجاح فيلم "بريق" حول لاعب بيانو مصاب بالشيزوفرانيا، كان عاد قبل عامين بفيلم لم يلق نجاحاً على الإطلاق بعنوان "الثلج يهبط على الأرز". هذه المرة يقتبس واحدة من روايات ستيفن كينغ المتتابعة بعنوان "قلوب في اتلانتيس" بطلها رجل انطوني هوبكنز لديه القدرة على قراءة الآخرين وهي قدرة خارقة للعادة يستطيع نقلها الى من يلمسهم بعطف. وأحد هؤلاء صبي يعيش تأثير هذه القدرة التي تفيده وفي ذات الوقت تقيّده الى مستقبل متعثر. يجدد هيكس فكرة تتكرر دوما في روايات كينغ: وجود قدرات غير طبيعية في شخص لديه القوة على استخدامها في أي شكل يريد، ولو أنه بمنأى عن استخدامها للشر الا اذا أجبر على ذلك. من "كاري" أول الأفلام التي اقتبست عن رواياته الى "الميل الأخضر" آخرها قبل هذا الفيلم الفكرة ذاتها بأطر مختلفة. "في غرفة النوم" يمكن أن يمنح جائزة أسوأ عنوان لأن لا علاقة للعنوان بفحوى الموضوع، لكن الفيلم ذاته جيد الى حد كاف: سيسي سباشك في دور ام تخسر إبنها الشاب في حادثة قتل على يدي زوج المرأة التي كان إبنها يلتقي بها. والده توم ويلكنسون يحاول المضي في حياته، لكنه يلحظ انسحاب الأم من حياتهما الزوجية وتحوّلها انسانة تعيش مرارة ما حدث. في بحثه عن خلاص لكل ذلك يقرر قتل الزوج الذي خرج من السجن بكفالة وطريقة ذلك لا تجعل الفيلم بوليسياً او تشويقياً، بل صياغة جيدة في فهم الدوافع الشخصية لأبطاله. لا يخلو فيلم تد فيلد الأول من ركاكة. نهايات المشاهد ممسرحة ونهايات بعضها مبتورة ولا تلتقي في انسياق جيد أحياناً، لكن الفيلم يبقى على خط متصاعد بفضل قوة أداء ممثليه في مقدمهم سباشك، ويلكنسون وماريسا توماي على صغر دورها. ومن ألبرت وألن هيوز فيلم جيد الحبكة بعنوان "من الجحيم" عن "جاك - ريبر"، سفاح لندن الشهير. جوني دب يلعب دور تحر نابغ يستطيع قراءة الغيب ويساعده المورفين على حال من الإنتشاء والتجلي. هيثر غراهام هي المرأة التي تهب طالبة مساعدته اذ تعتقد نفسها الضحية التالية مع إيان هولم في دور الطبيب الذي يساعد تحري سكوتلانديارد في عمله. ما فعله الأخوان هيوز وكاتبا السيناريو تيري هايز ورافايل يغلاسياس هو استعارة شخصيتي شرلوك هولمز ود. واتسون ووضعهما في إطار فيلم آخر عن سفاح لندن. النتيجة أعلى من المتوسط، متوتر ومحبوك جيداً وتمثيل جوني دب يعتمد عليه في تقديم بطل خارج عن التقليد ربما أكثر مما هو مطلوب أحياناً. أيضاً في اليوم الرابع، وخارج إطار ما تقدمت به السينما الأميركية، فيلم كندي بعنوان "خالد" عن صبي مغربي ومعاناته في عالم قاس وممزق بعد موت والدته وكيف يحاول إبقاء موتها سراً. لأيام يزاول الصبي أعمال البيت التي اعتاد عليها بوجود أمه. يحاول صد نفسه عن الإنهيار الكامل وينجح في ذلك لحين، لكن ما يحاول إخفاءه لا بد من أن ينكشف وتبقى منتظراً في الفيلم تلك اللحظة. جهد أول لمخرج ايراني مهاجر منذ منتصف الثمانينات أسمه أشقر ماسومباجي. هناك خيالات وأفلام أخرى في بال هذا المخرج، لكن اذا ما نسيتها وجدت الفيلم جديداً على أكثر من صعيد. تحفة فرنسية أفضل أفلام اليوم، ومن أفضل أفلام المسابقة، "أميلي من مونمارتر" لجان- بيير جينو. كوميديا لكن هذا هو جانب واحد من جوانب متعددة يمكن إطلاقها على الفيلم. عاطفي، لكن قصة الحب لا تتبلور كما هي العادة في قصص الحب. فيلم عن الشخصيات، لكن من الصعب تأطيرها والحديث عنها كحالات مفهومة دائماً. على رغم ذلك ليس هناك من تباين بين ما يراه المرء على الشاشة وبين ما هو مقصود. جينو صنع فيلماً رائعاً وجديداً مستعيناً بخيال جانح موظف في إطار انساني وموضوعي جميل. قصة إميلي اعتذرت البريطانية إميلي واتسون عن الدور ووجد المخرج ضالته في الوجه الفرنسي الجديد أودري توتو التي نشأت وحيدة واكتشفت كنزاً صغيراً في البيت تقرر أنه اذا ما نجحت في معرفة صاحبه الساكن السابق للشقة فإنها ستنذر حياتها لفعل الخير وحده. اذ تنجح في ذلك وتبدأ في فعل الخير، تجد أن المهمة التي تقوم بها تحتوي على حالات كثيرة. كل حالة هي خيط من المواقف والشخصيات تأخذ الفيلم في اتجاهات حدثية متعددة، قبل أن يعود الى المحور الذي انطلق منه. الدقائق العشر الأولى من الفيلم وحدها هي ذروة مبهرة من الكوميديا الراقية التي عمد فيها المخرج الى الكثير من المؤثرات الخاصة التي لا تكترث بأن تكون كبيرة، بل تكتفي بأن تكون أصلية. وباقي الفيلم نموذجي في هذا الإتجاه وشخصياته ذات جاذبية مؤكدة، بدءاً ببطلته وصولاً لأصغر الشخصيات او أكثرها ثانوية. "الفراشة" فيلم من كوريا الجنوبية تقع أحداثه في المستقبل القريب بغية تأصيل بحث آخر عن الهوية في ذلك الركن من العالم. كلما مضت كوريا الجنوبية في الحداثة كلما ارتفع السؤال عن الماضي المتلاشي، واذا ما كان من الأجدر حمايته عوض انحساره على نحو يكشف عن مدينة عارية بلا روح. المخرج مون سيونغ - ووك سينمائي جديد يستدعي الإنتباه، لديه وضوح الغاية والمضمون الناضج الذي يود ايصاله. تبعاً لسلسلة من المقابلات التي أتيحت لهذا الناقد فإن عدد الأفلام المشاهدة هبط في هذا اليوم لثلاثة، والثالث فيلم متوسط القيمة من سلوفانيا بعنوان "خبر وحليب": فيلم يحمل كل متاعب العمل الأول والنيات الطيبة للمخرج الجديد يان شفتكوفيتش يتمحور حول زوج خرج من المصحة بعد أن كان يُعالج من الإدمان على الكحول. في يوم يلتقي بصديق قديم يخبره بعلاقته مع زوجة المدمن قبل زواجه، وفي لحظات ينحدر الى قعر الزجاجة من جديد. انساني التوجه لكنه ضعيف البناء ومتواضع القدرات في نهاية المطاف. ... ولا في الأفلام! الكارثة التي عقدت ألسن الجميع. طائرة أولى تضرب البرج الشمالي وثانية بعد ربع ساعة تضرب البرج الجنوبي والعالم يجد نفسه على حافة عهد جديد. فيلم ولا أفلام السينما. الحياة في اميركا الشمالية تبدو كما لو كانت تمضي على سحابة هشة. المهرجان يغلق أبوابه. لا أفلام لهذا اليوم، ولا إحتفالات لبقية الأيام. لكن مشاهدة الأفلام ما عادت ما يطلبه الناس. عقولهم مشغولة وإعصار المأساة يقبض على أنفاسهم. حتى الذين عادوا كانوا واجمين يطلبون السينما كمهرب. ويحس المرء فجأة ان كل ما يريده الآن هو العودة الى البيت... لكن طريق البيت طويلة. حدودها مغلقة، والمسافات مملوءة بالمشاعر المتوقدة والحالات المتوترة. انها أطول مما هي عليه بالفعل. أطول مما كانت عليه حين الانتقال من "البندقية" الى تورنتو في حماسة لمزاولة عمل غير مشكور. الطريق الآن مقطوعة.