تتهيأ صناعة النقل الجوي لمواجهة فترة ركود متعاظم في ظل سعي الشركات الدولية الكبيرة في أميركا الشمالية وأوروبا الي طلب المساعدة الحكومية، في وقت يشعر مصنّعو الطائرات النفاثة المدنية بالحذر من الأزمة الاقتصادية التي قد يعرفها العالم والتي ستؤدي بهم إلى خسارة طلبيات تفوق عشرة بلايين دولار سنوياً. راجع ص 13 وذكرت "بوينغ"، في إعلان فاجأ بأهميته أكثر الأوساط الجوية تشاؤماً، إن الشركة تنوي تسريح بين 20 إلى 30 ألف موظف السنة المقبلة، وهو ما يعني أن الطلبيات المتوقعة للسنوات الثلاث المقبلة ستتراجع في شكل يفترض الاستغناء عن سدس قوة العمل التي تعمل لدى "بوينغ"، والبالغ عددها 198 ألف عامل. وكانت أسعار أسهم عملاقي الصناعة الجوية في العالم وهما "بوينغ" و"ايرباص" تراجعت منذ يوم الاثنين الماضي، في دليل واضح على عدم ثقة المستثمرين والمضاربين بمستقبل صناعة النقل الجوي. وقال الرئيس التنفيذي ل"بوينغ"، آلان موللي، إن شركته تتوقع خسارة طلبيات تقارب 160 طائرة للسنتين الجارية والمقبلة. وتقدّر هذه الخسارة، التي تشكل 15 في المئة من إجمالي الطلبيات المؤكدة السابقة، والبالغة 1058 طائرة، بنحو ثلاثة بلايين دولار. وفي تولوز، مركز مجموعة "ايرباص"، قال توري بلان، الناطق الرسمي، ل"الحياة" إنه لا يزال من المبكر الحديث عن تأثر صناعة الطيران في صورة جذرية. وأضاف أن الأمر لا يعدو كونه مجرد تكهنات. وفي معرض تعليقه على التطورات في الولاياتالمتحدة، حيث يجري الحديث عن أزمة حقيقية، قال: "قبل الأزمة الأخيرة كان هناك ركود في الولاياتالمتحدة، والقرارات الصادرة قد تكون مرتبطة بالأزمة، ولكن أيضاً بالركود الذي كانت تعرفه السوق هناك من قبل". ويعكس هذا التصريح القناعة السائدة في السوق وفي الكونغرس الأميركي، بأن الشركات الأميركية تحاول حل مشاكلها السابقة من خلال استخدام الأزمة الناجمة عن الهجمات الارهابية كمبرر لتسريح قرابة 100 ألف موظف يعملون لديها، وأيضاً للحصول على مساعدات مالية حكومية. وهي خطوات كانت ستثير اعتراض النقابات ودول الاتحاد الأوروبي في الأحوال العادية. أما في أوروبا فترى "ايرباص" نفسها مضطرة لمراجعة توقعاتها من جديد. وكانت "ايرباص" التي يعمل لديها 44 ألف موظف سلّمت العام الماضي 311 طائرة، بقيمة 2،17 بليون دولار. وهي ستسلم السنة الجارية 330 طائرة. وسبق لها أن عمدت إلى مراجعة أرقامها قبل شهرين حينما خفّضت توقعاتها لسنة 2003 بمقدار 11 في المئة، ومن 450 طائرة إلى 400 طائرة. وتقدّر قيمة الفاقد بنحو ثلاثة بلايين دولار تقريباً. وأضاف بلان: "المهم أن صناعة الطيران صناعة بعيدة المدى، وتحفل باتجاهات عدة. وقد جرّبنا في حرب الخليج الثانية عودة الطلب على خدمات النقل الجوي إلى مستوياتها السابقة في مدى نصف عام من انتهاء الحرب". إلا أنه اضطر إلى الاعتراف بخطورة الموقف، وقال: "علينا أن ننتظر كيف ستنمو السوق بعد الأزمة. إلا أن المشكلة أن لا أحد يعلم كم ستطول هذه الأزمة". وتابع: "لا داعي للذعر ونحن متفائلون بحذر". إلا أن هذه التصريحات المطمئنة لا تلغي التأثيرات السالبة التي ستتركها الأزمة في الولاياتالمتحدة حيث ينتظر أن يتم تسريح 100 ألف من أصل 600 ألف شخص يعملون في صناعة النقل الجوي، مع التخلي عن الكثير من الرحلات. ويتوقع العاملون في قطاع النقل الجوي أن يؤدي ذلك إلى توليد فائض في عدد الطائرات المجمّدة على الأرض والسعة التشغيلية المتاحة، الأمر الذي قد يلغي طلبيات لشراء مزيد من الطائرات من "بوينغ" و"ايرباص"، ومن شركات تصنيع المحركات وتجهيزات الطائرات، في المدى المنظور. وأعلنت شركة "رولز رويس"، وهي أحد أكبر أربعة مصنّعين لمحركات الطائرات في العالم، أنها تراقب التطورات على الأرض، بعدما انخفض سهمها بمقدار الثلث منذ الأسبوع الماضي، في ظل توقعات بأن تتراجع طلبياتها أيضاً إذا استمر الركود الحالي. وقال ل"الحياة" ديفيد هندرسون، الناطق باسم "جمعية الناقلات الجوية الأوروبية" في بروكسيل، إن المجموعة تنوي، خلال لقاء يعقد اليوم بين مسؤوليها ومفوض النقل في الاتحاد الأوروبي لويولا دي بلاسيو، طلب تخفيضات ضريبية وتغيير تشريعات معيقة لعملها، بالاضافة إلى مجموعة مطالب أخرى لتحسين وضعها المالي مستقبلاً. وتضم الجمعية 28 عضواً، بين أكبر الناقلات الجوية في أوروبا. ويبلغ عدد موظفيها حول العالم 350 ألف موظف، في حين يصل مجموع أساطيلها إلى 2200 طائرة، ودخلها السنوي إلى 63 بليون دولار. وقال هندرسون إن تسريح أعداد كبيرة من الموظفين في الفترة المقبلة "أمر متوقع" . وتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة انخفاضاً نتيجة ارتفاع السعة المقعدية المتاحة لدى الناقلات الجوية، والتي سيتم إخراجها من الخدمة بسبب الركود الحالي. ورأى في اعلان "بوينغ" الأخير دليلاً واضحاً على توقع انخفاض معدلات تصنيع الطائرات في العالم. وقال: "نحن نجمع المعلومات شهرياً، ولن يكون بوسعنا رصد حجم التراجع في حركة النقل الجوي قبل أسابيع، وإذا كان هناك ركود اقتصادي كبير يتواصل بعد الأزمة الحالية فإن هناك تغييرات عميقة متوقعة".