كتاب متوسط الحجم يتناول عادل العبد الجادر بقدر من الموضوعية والحياد التاريخ الفكري والسياسي للطائفة الاسماعيلية مكثفاً الرؤية حول نشاط هذه الطائفة في اليمن. واستهل الكتاب بنبذة تاريخية عن التشيع عموماً وتحديد الفترات الزمنية التي تبلور فيها الفكر الشيعي، إذ يرى المؤلف ان اصطلاح التشيع لم يأخذ هذه الأبعاد الا بعد استشهاد الحسين رضي الله عنه. وأشار الى أن فرقة الكيسانية كأول من طرح ثلاثة أساسيات وهي فكرة المهدية، والقول بالبداء، والغيبة والرجعة. ولم يحاول المؤلف شرح شيء من هذه الأفكار ولو بإيجاز. وتعرض المؤلف الى المرحلة الحاسمة التي تكونت فيها الفرق الإمامية وهي الفترة التي تلت وفاة الإمام الصادق بن محمد الباقر، إذ اختلف الإماميون بعد ذلك فيمن هو الموصى اليه من أبنائه فظهر الموسويون نسبة الى موسى الكاظم بن الصادق وهم نواة المذهب الإثني عشري وظهر الاسماعيليون نسبة الى اسماعيل بن الصادق وظهر الأفطحيون نسبة الى عبدالله الأفطح بن الصادق وغيرهم. ولم يتعرض المؤلف ولو بنسبة لسيرة هؤلاء. وطابع الكتاب بأغلبه سياسي أكثر من كونه تأريخ فكر فتأتي الأفكار العقدية في غضونة لتبرير الموقف السياسي ولهذا فمصادر المؤلف من كتب التاريخ وأضرابها أكثر من كتب العقائد والملل، ومع ذلك فثمة لفتات جيدة للمؤلف يتجلى ذلك مثلاً حين يتطرق الى سيرة داعيتي الاسماعيلية في اليمن الحسن بن موشب وعلي بن الفضل وسبب اختلافهما. ويحاول كثيراً تلمس أسباب الانقسام بين الاسماعيلية وفي هذا الصدد يشير الى أن من أكبر أسباب الانقسام كون الإمام المعتقد مستوراً لا يعرفه الناس أو على الأقل أكثرهم. وبخصوص اليمن أوفى البحث حقه حين تعرض لفترة وصفها بالغموض استطاع فيها الداعية الاسماعيلي علي بن الفضل السيطرة على اليمن. ويجد القارئ في هذا الكتاب تصويراً لمدى التقلب العقدي في اليمن آنذاك حين دار الصراع بين فئات ثلاث: سنية وزيدية واسماعيلية، ثم انقسام الاسماعيلية ونشوء فرقة موالية للبيت الفاطمي في مصر وأخرى رافضة. وهو خلاف مبني على الاعتراف بإمامة عبيد الله "أو أسرة ميمون القداح" ويرى المؤلف ان اسماعيلية اليمن كانوا بالأصل إمامية وهو زعم قد يكون مقبولاً بيد أنه يحتاج الى الدليل. ومن الكتاب تناول المؤلف تاريخ الدولة الاسماعيلية الثانية في اليمن أو ما تسمى بالصليحية. وفي سرده يتعرض الى سيرة المرأة القوية أروى بنت المكرم التي حكمت اليمن لمصلحة الاسماعيليين وبلغت درجة "الحجة" بين دعاة الاسماعيلية، ومن قصتها أحداث تشهد لها بسعة الأفق وقوة الشخصية، وهي شبيهة الى حد كبير بشجرة الدر غير انها تكتسب طابعاً رعوياً إضافة الى مقاليد السياسة والدولة. اعتمد المؤلف المصادر الاسماعيلية أساساً لتحديد تواريخ الأحداث المهمة للدعوة وأسماء أعلامها واستعان في الوقت نفسه بالمصادر المحايدة والمعادية لسد بعض الثغرات التاريخية وللمقارنة تفادياً لمبالغات المصادر الاسماعيلية أحياناً. أما مصادره الجغرافية فقد اعتمد فيها المراجع اليمنية قديمها وحديثها، ولم يهمل المؤلف تحليلات بعض المستشرقين من دون الامعان في مناقشتها، وعموماً فتميُز الكتاب في طرح التساؤلات المثيرة أكثر من محاولاته التعليل، أما أسلوب الكاتب فسهل جداً والى درجة الضعف أحياناً نظراً لاستعماله الأسلوب الغربي المنقول حرفياً الى العربية وهذا ليس داءه وحده. * كاتب سوداني مقيم في بريطانيا.