الأخطر في انفلات الاتهامات ضد كل ما هو عربي واسلامي في تفجيرات نيويوركوواشنطن انها تعيد عقارب الساعة الى انواع من الحروب العرقية والدينية، قد تصل الى محو شعوب برمتها من الخارطة، لمجرد الاشتباه في ضلوع مجموعة من رعاياها في عمل ارهابي وقد يساعد في تنامي هذا العداء استغلال المشاعر الملتهبة والغاضبة ضد ما حدث يوم الثلثاء الاسود. وثمة فرق بين النزوع الى مواجهة الارهاب في شبكاته وخلفياته وضغوطه التي تحصد ارواح الابرياء من الاديان والاجناس كافة، وبين اللجوء الى سياسات انتقائية في تعريف الارهاب ومصادره، خصوصاً لدى ادراك ان الدول العربية والاسلامية هي نفسها في مقدم ضحايا الارهاب اذ تمارسه اسرائيل بمنطق ارهاب الدولة من دون ان يقابل بردود الفعل الغاضبة ذاتها. ما يعني ان الاتفاق على المبدأ يجب ان يكون منطلقاً لا مكان فيه للتمييز والمغايرة. والا فانه سيصبح بمثابة مبرر لتصفية حسابات ما، وربما تعلّق الامر باخراج مسودات مخططات من الرفوف كانت تتحين الفرصة. ابعد من اعلان الحرب ضد الارهاب التي لا يجادل فيها احد، يجب ان لا تتحول هذه الحرب الى تصفية عرقية او دينية، لان ذلك سيدخل الانسانية في متاهات خطرة. ولا يعني تصعيد النبرات المعادية للاسلام سوى انها جزء من حروب نفسية تغذيها الكراهية والاحقاد. ولا يعني الافتتان بالسيطرة الحضارية للغرب سوى ابراز عقدة التفوق التي ترفض المساس بقيمه. علماً بأن الارهاب ظاهرة عالمية مثل الفقر والعنصرية والايدز والهجرة غير المشروعة وانواع الفوارق الاقتصادية التي ينتج عنها الصدام وتصدير الحروب ما يعني ان المعالجة لن تحل عبر تقسيم مصادر الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية، وانما عبر الغاء منطق المقاصل الذي يطالب برأس هذه الدولة وهذا الشعب او هذه المجموعة. فالارهاب مهما كان مصدره مدان دولياً وفكرياً، والقضاء عليه يجب ان يتوخى الاسباب والنتائج معاً. اما العجرفة، سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية او ثقافية فإنها اسلوب ناقص، ولا بد من دفع ثمن ما ليصبح الارهاب منتهياً في خلفياته واماكنه. وسياسة النفس القصير لن تكون مجدية في اي حال. ان تكون الولاياتالمتحدة الاميركية مستهدفة في سياق ما ترمز اليه من قوة سياسية وعسكرية واقتصادية واعلامية، فان ذلك يعني ان المتعارف عليه باسم النظام الدولي الجديد الناهض على انقاض انهيار الحرب الباردة لم يفلح في تحصين قيمه وان التعايش بين الحضارات لم يتبلور بعد في نموذج يصون الأمن والسلم والاستقرار. بيد ان ضريبة ذلك يجب ان لا يدفعها الأبرياء اميركيين او غير اميركيين لان استباحة ارواح البشر مرفوضة تحت اي ذريعة. وفي مقابل ذلك فان مناهضة الارهاب يجب ان لا ترتكب الخطيئة نفسها. فالعنف يتولد عنه العنف المضاد. واليأس يشيع الكراهية والاحقاد. والألم الذي واجهه العالم يوم الثلثاء الاسود يفترض ان يتحول الى أمل في التعايش واقرار السلم ومواجهة تحديات العصر الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية. ان تصبح الحرب المقبلة ضد الارهاب بمثابة تحصيل حاصل فذاك واقع قائم، فقط يتعين الاختيار الدقيق لتوقيت الحرب وفضائها واهدافها. فكم من حروب خسرت لمجرد ان توقيتها او الاسلحة المستخدمة فيها لم تكن ملائمة، وكم من حروب حققت اهدافها لانها راعت متطلبات النجاعة. وكما ان القيادة يجب ان تكون متبصرة وواعية وعقلانية في التصرف، فإن مسؤوليات واشنطن في قيادة الحرب ضد الارهاب يتعين ان تتحلى بمواصفات الحكمة وضبط النفس في اشرس معركة ليس العدو فيها واضح المعالم. لو ان اي قاتل تحول الاقتصاص منه الى ملاحقة افراد اسرته الصغيرة لانتفى مفهوم العدالة ولو ان اي سارق سمح لضحاياه بأن يسلبوا ممتلكاته لتحول الأمر الى فوضى عارمة. إنه القانون يحمي المجتمعات الصغيرة والكبيرة من انفلات المشاعر. لكن التضامن الواسع مع الولاياتالمتحدة الاميركية في محنة الثلثاء الاسود لا يعفي المجتمع الدولي من ان يقاضي المتورطين، فالارهاب قضية دولية ومحاربته يجب ان ترتدي طابع التضامن الدولي لئلا تحيد مخططات استئصاله عن اهدافها الحقيقية. والمشكل ان الارهاب ليس تفجيرات حاقدة فقط، وليس قنابل موقوتة فحسب، ولكنه نتاج احباط ويأس وانتحار، انه ايضاً "ثقافة" حاقدة نمت في غياب العدالة والتضامن، ولا سبيل لمواجهتها الا عبر اشاعة مفاهيم جديدة برسم الثقة في الشرعية الدولية وفي المستقبل.