بعد خمسة أعوام على ارتباطها بلاعب الكريكيت الباكستاني عمران خان، وجدت جميمة في تصميم الازياء وسيلة للترفيه عن نفسها وإفادة المستشفى الذي يديره زوجها في لاهور. وأفادت الانكليزية الموهوبة من موهبة نساء البنجاب في التطريز لتروّج تصاميمها في انحاء العالم. تقول: "أردت ان اصنع شيئاً يشغّل عقلي". وتضيف: "بعد ولادة طفلي الأول سليمان شعرت بأن عقلي بدأ يموت، لذا قررت انجاز عمل يفيدني ويساعد مستشفى الامراض السرطانية الخاص بزوجي في لاهور والذي لا يتلقى اية مساعدة حكومية. كنّا قبلاً نقوم بأسفار طويلة في الولاياتالمتحدة الاميركية لجمع المال، لكن الأمر صار مستحيلاً بعد ولادة ابني الثاني قاسم، من هنا قررت الاعتماد على نفسي". هكذا تدير جميمة اليوم امبراطورية لتصميم الازياء في اسلام أباد، مع فرع في لندن وشبكة واسعة من النساء العاملات اللواتي يعملن لها بحماسة كبيرة، خصوصاً انها أوجدت لهن بهذا المشروع معنى لحياة يعشنها تحت خط الفقر، ما يمكنهن من العمل في المنزل وجني الاموال من دون ترك اسرهن وأولادهن، والمعروف ان الرجل الباكستاني لا يقوم بإعانة زوجته في الاعمال المنزلية وتربية الأولاد وهي امور تعتبر من واجبات المرأة دون سواها. تقوم جميمة بالرسم والتصميم ويتم قص الأقمشة في لندن من جانب صديقتها بوني دارياناني المتعاقدة مع دور ازياء عالمية مثل غوشي، وهي هندية تتقن لغة الأوردو لتتواصل مع النساء، بعد ذلك تعاد الاقمشة الى باكستان حيث تطرزها النساء الباكستانيات في اسلوب قلّ نظيره. والتطريز حرفة تتناقلها الباكستانيات منذ اجيال طويلة، واستطاعت جميمة ان تعيد احياءها عالمياً. يحتاج الثوب المطرز الى وقت طويل من العمل، لذا فإن ثمنه باهظ، فالثوب الذي يباع في انكلترا بسعر يراوح بين ال500 وال800 دولار يتطلب أشهراً من العمل قد تصل الى عام كامل. في ال26 من عمرها استطاعت جميمة التأقلم في باكستان كما في لندن حيث كانت تعيش في محيط مخملي بينما هي اليوم محاطة بنساء فقيرات في بلد من دول العالم الثالث. بعد ارتباطها بعمران خان انتقلت مباشرة للعيش في باكستان ولم تتمكن بالتالي من متابعة اختصاصها في الأدب الانكليزي في جامعة بريستول، وهي طالما شغفت بالتطريز وحاولت ان تصنع فساتين لرفيقاتها في الجامعة. تجمع جميمة في تصاميمها بين الجرأة الغربية والطابع الشرقي وهو مزيج تجمعه في شخصيتها وتعترف بأنها حتى اليوم تفضّل هذا النوع من الأزياء. لم تبدأ جميمة مشروعها بسهولة وهي كانت تصنع الفساتين وحدها وتقود مسافة طويلة في سيارتها لترسلها الى والدتها في ريتشموند حيث تقوم الخادمة ببيعها الى اصحاب المحال التجارية! شيئاً فشيئاً توسعت تجارتها بعدما اضحى اسمها معروفاً في شكل فاجأها وأرغمها على الاستعانة بأشخاص ماهرين لمساعدتها. تعيش جميمة اليوم حياة عائلية مستقرة متنقلة بين لندن وإسلام أباد للاشراف على عملها وهي تنتج زهاء ألف ثوب في كل فصل وعرضت هذه السنة في اسبوع لندن للموضة. وتلاقي تصاميمها رواجاً كبيراً وتباع في المملكة العربية السعودية وإيطاليا وإيرلندا ونيويورك ولوس انجليس وسويسرا واليونان وألمانيا وإنكلترا. السر وراء هذا المشروع الناجح يكمن في الحب الذي جمع بين جميمة وعمران الذي تزوجته مرتين في أوروبا، وبعد شهر عسل في إسبانيا تزوّجته للمرة الثالثة إسلامياً قبل ان تنتقل الى منزل والده بحسب التقاليد. وبعد موت والدته بالسرطان، وجدت جميمة نفسها وحيدة من دون سند، خصوصاً ان التقاليد تمنعها من الاستعانة بزوجها. عندها درست القرآن الكريم وتعلمت لغة الأوردو ثم درّستها احدى السيدات الباكستانيات تدعى روهانا التطريز. كانت النساء تجتمع في دار روهانا يعملن ويتبادلن الأحاديث، اليوم صارت تلك النساء منتشرات في بيوتهن في افقر احياء البنجاب حيث يتقاسم 20 شخصاً احياناً المنزل الواحد. وإذا كانت جميمة قد نالت جائزة افضل ثوب في عروض لندن فإن الأمر لا يبدو مهماً لتلك النساء اللواتي لا يفكرن إلا بشراء الطعام لأسرهن وتأمين الدواء لمرضاهن. فالتطريز هو وسيلة للاستمرار لا اكثر ولا اقل. الرجال الباكستانيون كسولون والمرأة مرغمة على تنظيف المنزل والطبخ والجلي والغسيل، وأحياناً تذهب الى الحقول لتشارك في حصاد المواسم، وتضطر الى البقاء في الثوب نفسه شهوراً مما يؤدي الى اتساخ الفساتين التي تطرزها وهذا يتطلب صرف الاموال لتنظيفها بطريقة دقيقة لا تسيء الى التطريز الذي عليها. على رغم كل شيء فإن جميمة نجحت فعلياً في ارساء مشروع يدعم مستشفى زوجها وتجني عبره الكثير من الاموال التي ترفض الافصاح عنها. والحقيقة انها تحمل همّ مستشفى معالجة الأمراض السرطانية مثلما تحمل همّ ولديها، وحين تتنقل بين الأسرّة الموزّعة في الغرف الضيقة تبدو إمارات الحزن والشفقة بارزة على وجهها، لا سيما حين يصيب المرض طفلاً تكون حاله ميؤوساً منها، فتراها تشدّ ازر عائلته متحدثة لغة الأوردو بطلاقة. أسّس عمران خان مستشفاه عام 1994 بعدما رأى والدته تتألم طويلاً قبل ان تموت. تأمين الأموال اللازمة للعلاجات يبقى الهمّ الأساس لجميمة وزوجها. "المؤسف اننا لا نستطيع ان نؤمّن العلاج لشخص يكون مرضه في مرحلة متقدمة، بسبب الافتقار الى الأمكنة والجهاز الطبي الواسع، ومن غير الممكن إخبار شخص ما ان حاله ميؤوس منها لأنه امر يفتت القلب" تقول جميمة. وتضيف: "الحكومة لا تقدّم لنا أي مساعدة، لا بل تعرقلنا كلما سنحت لها الفرصة، هذا ما فعلته بنازير بوتو التي لم تكتفِ بمنع عمران من الظهور على شاشة التلفزيون، بل منعت ايضاً أي مساعدات من مؤسسات رعاية كانت تسهم معنا". الواقع ان حال عمران تسوء اكثر فأكثر بعدما قرر الترشح لانتخابات رئاسة الوزراء في باكستان التي ستجرى في خريف 2002، وهو يقول عن مستشفاه "ان مرض السرطان منتشر في شكل واسع في باكستان وبعض الأسباب واضحة للعيان، ابرزها التلوّث والتدخين واستعمال مبيدات مؤذية، وهو يضرب في شكل خاص النساء بين ال29 وال30 من عمرهن. نواجه 200 ألف حال مرض جديدة سنوياً، ونتمكن من معالجة 3000 شهرياً، و30 ألفاً سنوياً، مما يتطلب منا زهاء 9 ملايين دولار في السنة الواحدة نحاول جمعها من مصادر متعددة". تقدم جميمة مبلغاً سنوياً من اموالها الخاصة يندرج ضمن فريضة الزكاة عند المسلمين، كما تسهم في شكل كبير فيها عبر مشروع الأزياء الذي تديره. وهي تبدو مؤمنة جداً في ما تقوم به، على رغم ان اهلها في بعض الأحيان يعتبرون انها تنهك نفسها. وتعلّق شخصياً اهمية قصوى على وسائل الاعلام التي تعتبرها مسانداً اول لها: "في الماضي كنت اخاف من الاعلام، اليوم لا. وأعتقد انه من المفيد اللجوء اليها ان كانت النيات جيدة، انا اؤمن بالنية التي تحدّث عنها الاسلام. عندما تكون النية جيدة لا بأس لو تعرض الانسان لبعض الاخطاء". الحملة الاعلامية الاخيرة للمستشفى كانت عامي 1996 و1997 اثناء زيارتين للأميرة ديانا الى باكستان وهي صديقة لآل خان وقد نجحت في جمع مئات الألوف من الدولارات للمستشفى، لكن ديانا توفيت في ايلول سبتمبر عام 1997 بعد 3 اشهر من وفاة والد جميمة السير جايمس غولدسميث. ويبدو ان جميمة تعيش في باكستان حياة هانئة على رغم الظروف الصعبة التي تحوط بها، وأخيراً نقلت منزلها من لاهور الى اسلام اباد كونها المركز السياسي اولاً ولإبعاد ولديها عن التلوّث ثانياً. نجحت جميمة في تخطي حواجز الجغرافيا والثقافة واللغة ولبست الشروال والقميص وهو الزي التقليدي والتزمت الفرائض الاسلامية في سلوكها.