عندما وقعت جميمة غولدسميث ابنة الملياردير الانكليزي السير جيمس غولدسميث في غرام عمران خان بطل الكريكيت الباكستاني، راح اصدقاؤها يحذرونها من الاقتران به والسكن في لاهور واصفين إياها ب"المدينة الجهنمية"، كونها تنتمي الى بلدان العالم الثالث "حيث تنتشر الامراض والاوبئة والفقر والتلوث والروائح الكريهة والكثافة السكانية الخانقة". لكن جميمة لم تقبل التخلي عن فتى احلامها مفضلة ترك دراستها الجامعية لترتبط بعمران خان خريج اوكسفورد والبطل الرياضي وال"بلاي بوي" العالمي الذي حطم قلوب كثيرات في القارات الخمس، والرجل الذي يكبرها ب21 عاماً كانت في ال21 وهو في ال42. أضف الى ذلك انها ستضطر الى اشهار اسلامها لتتمكن من الارتباط به. لكن جميمة اجتازت المعوقات كلها، وتحولت "القصة الخرافية" الى حقيقة ونظم اهلها لها عام 1995 زفافاً رائعاً في لندن حضرته شخصيات عالمية منها: هنري كيسنجر، دافيد فروست، إيل ماكفرسون وسواهم: بعد الحفل امضى العروسان شهر العسل في منزل لآل غولدسميث خارج ماربيا ولم يفلتا هناك من عدسات المصورين الفضولية. بعد خمسة اعوام على ارتباطهما الذي فاجأ بديمومته الاهل والاصدقاء، تقطن جميمة اليوم غرفة صغيرة اثاثها شبه بال، وجدرانها مقشرة هي جزء من منزل حميها المتواضع، حيث تسكن ايضاً إحدى شقيقات عمران مع اولادها الثلاثة. والمنزل يعج بالضيوف الى درجة يحرم فيها جميمة من اية خصوصية. يقع المنزل في إحدى احياء لاهور الشعبية، حيث تعلو اصوات بائعي الخضار، وتفوح روائح الدجاج الذي يسرح ويمرح داخل سياج الحديقة قبالة الغسيل المنشور، وجميمة لا تملك حتى غسالة كهربائية لتنظيف ثياب ولديها: قاسم وسليمان: "لم اقم بشيء البتة لاجعل من هذا المكان منزلاً لي، فإضافة الى كسلي، عمران مزمع على الانتقال الى إسلام أباد حيث يعيش معظم الديبولوماسيين ورجال السياسة، هناك الهواء انظف والجبال قريبة، لكن العائلة هنا واحب ان يترعرع اولادي مع اقاربهم، خصوصاً ان عمران غائب طوال الوقت وعائلته تساعدني في غيابه". الواقع ان حياة جميمة تبدلت إثر قرار زوجها خوض العمل السياسي، لا سيما بعد الإطاحة بنواز شريف، وطموح عمران تولي رئاسة الحكومة في باكستان. لذا شكل حزباً سياسياً نال قسطاً كبيراً من وقته، ولم يأخذ باعتراضات جميمة كون العمل السياسي في باكستان محفوفاً بالمخاطر، لا سيما محاولات الاغتيال. وباكستان هي جزء من نزاعات عدة بينها وبين الهند حول كشمير فضلاً عن نفوذ حركة طالبان فيها، وقد اعتبرتها مجلة تايم ماغازين "من اخطر الاماكن على الارض". طموح ونجاة طموح عمران جلب اليه اعداء كثيرين، فتم تفجير المستشفى الذي اسسه والمتخصص بمعالجة الامراض السرطانية قتل في الانفجار 8 اشخاص وجرح 30 آخرين. ونجا عمران المستهدف الاول كونه وصل متأخراً. وقد بلغت الحماسة بعمران عام 1991 الى القيام بجولات في اكثر من 30 مدينة جامعاً التبرعات "كنت ابدأ في السابعة صباحاً ولا انتهي قبل منتصف الليل". تقاعد عمران من لعبة الكريكيت منذ 8 أعوام وهو من اطلق هذه اللعبة في باكستان عالمياً بعد فوزه بكأس العالم. وسامته وذكاؤه أوصلاه الى ارقى المجتمعات وعلقت في شباكه نساء مهمات منهن: غولدي هاون، الممثلة إيما سيرجنت، الممثلة ستيفاني بيشام، اللايدي ليزا كامبل ومقدمة التلفزيون كريستيان بايكر وسواهن، كما أثار غيرة الرجال الانكليز الذين وجدوا صعوبة في منافسته على قلوب النساء. لكن على رغم سمعته كزير نساء، فإن عمران خان ايضاً رجل فكر، فهو مؤلف لخمسة كتب عن القبائل في باكستان فضلاً عن سيرته الذاتية. وهو نجل مهندس باكستاني وسليل قبيلة ترأسها عائلته. وكلمة خان تعني أمير. اكتسب عمران من جدوده ميزة عدم الاستسلام للصعاب، من هنا رفضه التراجع امام هجمات خصومه السياسيين. يقول: "أنا مثالي بطبيعتي، ولم اكن يوماً واقعياً في حياتي. الامر يشبه لعبة الكريكيت حيث التفكير بالخسارة ممنوع". هكذا صرح بعد تفجير مستشفاه الذي كلفه كل ثروته. وأضاف: "أصبحت باكستان بلداً يصعب العيش فيه. السياسة تبعدني عن كل ما احب عمله، لكن اذا اردت ان يكبر اولادي في بلدهم، عليّ النضال. هنا لا يرى الناس اي مستقبل لابنائهم. إما ان يحيا الشخص في الخارج، او يبقى وينضم الى إحدى المافيات، أو يقاتلها محاولاً تغيير النظام. أنا اعتبر سياسياً ساذجاً لانني ارفض تقديم تنازلات، لكنني أحاول تغيير الوضع القائم. أما كيف يمكن الانضمام الى فريق العمل المسبب لهذا الوضع ومحاربته في الوقت عينه؟ فأعترف بأن الجواب صعب لكنه يستحق المحاولة، وسأستمر في النضال". عمران والسياسة لكن انخراط عمران في العمل السياسي انعكس على زوجته وولديه. فظروف الحياة القاسية في باكستان حيث شرب المياه قد يكون قاتلاً، وحيث تقطع الكهرباء باستمرار انقطعت مرة لمدة طويلة اثناء زيارة للأميرة ديانا وحيث تنتشر الامراض القاتلة، امور أثارت تعليقات لا سيما من اصدقاء جميمة الذين كانوا يقصدونها من انكلترا. غير ان عمران خان لا يحب التذمر البتة من ظروف الحياة القاسية. "إنها تجعل الناس أقوياء، ومناضلين. لقد كانت الحياة سهلة جداً بالنسبة الى جميمة، وقد اكون مرسلاً من الله لاجعلها اكثر قوة"! هكذا تمضي جميمة ساعات النهار الطويلة مع ولديها سليمان 3 أعوام وقاسم عام واحد، تنتظر عودة زوجها من جولاته السياسية ومن المستشفى ومن ناديه الرياضي. ومعظم الوقت تكون جاهلة مكان وجوده فتجري اتصالات عدة للاطمئنان عليه. وبذلت جميمة جهوداً كبيرة للاندماج في المجتمع الباكستاني، وتعلمت لغة الاوردو وباتت تتكلمها بطلاقة. حتى انها اسست شركة صغيرة لتصميم الازياء التي تطرزها نساء باكستانيات بيعت في محال معروفة في نيويورك لصالح مستشفى عمران. ونالت جميمة شعبية واسعة في باكستان وحملت بعض المنتجات الغذائية اسمها مثل: JEMIMA'S TANGY KETHUP. لكن على رغم ذلك، أثار اشهار اسلامها ردود فعل متضاربة، وقد تناولته الصحافة بتعليقات عدة. اما هي فتقول: "إن ارتداء الملابس المحتشمة وتغطية شعري امور لا تزعجني البتة. بعض الناس انتقدني، لكن ما يهمني هو ان علاقتي بزوجي متينة ومتوازنة". وتضيف: "لا أغطي شعري لاسباب ثقافية فقط، بل لان الامر يريحني. ان الشعر يعتبر هنا نوعاً من الجاذب الجنسي، وانا لا احب ان يلاحقني الرجال، لذا احرص على احترام الثقافة السائدة، خصوصاً ان كل شيء هنا قابل للاستثمار سياسياً وقد اعرض نفسي للمحاكمة". وتعلق جميمة على كون الدين الاسلامي يتيح للرجل ان يتخذ اكثر من زوجة واحدة بقولها "اعتقد ان عمران بالكاد يستطيع تحمل زوجة واحدة"! تقدم جميمة لزوجها دعماً لا حدود له ولدى ظهور ابنة غير شرعية له من سيدة كان على علاقة بها قبل زواجه، حضته على الذهاب لرؤيتها لكنه رفض. ولدى سؤالها عن الموضوع أجابت: "لم يدع عمران يوماً انه كان ملاكاً قبل الارتباط بي". عام 1998، ابتاعت جميمة بعض التحف من سوق اسلام اباد لتقدمها الى اخيها الذي افتتح مطعماً في لندن. ولدهشتها اتهمت بتهريب التحف وبعد وساطات عدة اضطرت جميمة اثناءها للبقاء في لندن سنة كاملة حتى تمت تبرئتها بعدما تبين ان التحف معاصرة لا قيمة أثرية لها. آنذاك علقت الصحافة البريطانية بأنها تركت عمران، ولم تعد الى باكستان الا بعد الانقلاب على نواز شريف. على رغم كل هذه الحوادث، تدعم جميمة طموح زوجها السياسي بقوة وتقول: "أعلم انه سيبعده عن عائلته لكنه يحب وطنه كثيراً ويشعر ان عليه القيام بشيء من اجله. يشعر ان ذلك من واجبه وأنا احترمه لذلك". وتضيف: "إن عمران رجل يؤمن بالله لذا لا يخاف الموت". ويعقب عمران ممازحاً: "لا أخاف شيئاً سوى قيادتك للسيارة". اما طفله سليمان فيصف والده بقوله: "إن والدي قوي كالفيل، شجاع كالاسد وذكي كالذئب"!. ينقل اصدقاء جميمة المقربون منها قولها انها لم تكن لتتزوج عمران خان لو عرفت ما تعرفه حالياً قبل خمسة اعوام. لكنها تقول اليوم: "إنني ابقى معه لانه من النادر العثور على شخص يملك هذا الشغف في حياته. أتمنى في بعض الاوقات لو يترك السياسة ليقضي وقتاً اطول مع الاولاد ومعي لكنه لن يفعل وانا بدوري لن اتركه لهذا السبب".