} لاهور - "الحياة" -حيال المستجدات الراهنة على الساحة الباكستانية، هل بقي لعمران خان أمل في الحياة السياسية؟ الإنجازات التي حقّقها عمران خان في رياضة الكريكيت جعلت منه أسطورة حيّة في باكستان. لكنّ يبدو أنّ الرّجل الجذّاب لا يكتفي بذلك ويطمح الى إخراج بلاده من دوّامة الفساد والفقر، وهو مقتنع بامكان فوزه في انتخابات رئاسة الوزراء التي ستجرى في تشرين الأوّل اكتوبر من السنة المقبلة. بعضهم ينظر اليه بطلاً لا يضاهى في لعبة الكريكيت، ويراه آخرون مفخرة لشعبه، ويرى فيه عشرة آلاف من المصابين بالسّرطان مخلّصاً حقيقياً، لكنّ بعضهم الآخر، خصوصاً بنازير بوتو، يرى فيه مبتدئاً فاشلاً في السياسة، فكيف يرى هو نفسه؟ سيبلغ عمران خان التاسعة والأربعين هذا الشهر، ولغاية اليوم لا تظهر شعرة بيضاء في رأسه. نشأ في زامان في ضواحي لاهور، ودرس في Aitchison College في لاهور وهي المدرسة الأبرز في باكستان. منذ ولادته طمح عمران للسلطة، وفي الأعوام العشرة الأخيرة صار مسلماً تقياً. عام 1987 قاد عمران المنتخب الباكستاني الى النصر على الفريق الهندي، وكان لهذا النصر نكهته الخاصة لما بين البلدين من عداوة مستحكمة. طموحه الجامح وجد منفذاً له في لعبة الكريكيت. هكذا تحوّل عمران في بلده الى "معبود"، واستقبله عند عودته زهاء 150 ألف شخص. بعد ذلك بمدّة قصيرة قرّر عمران التقاعد، لكنّ الباكستانيين عارضوا ونفّذ أحدهم إضراباً عن الطعام كي يعود عمران عن قراره، ورجاه الجنرال ضياء الحق عبر التلفزيون الباكستاني العودة الى اللعب، ففعل، وقاد باكستان الى الفوز في بطولة كأس العالم عام 1992 هازماً الفريق الإنكليزي. ثم استرد فجأة قراره بالتقاعد. وبنى مستشفى "شوكت خانوم" لمعالجة مرضى السّرطان تكريماً لوالدته التي ماتت بهذا المرض عام 1985. وهو يعمل اليوم على شراء أرض في كراتشي لبناء مستشفى آخر. "شقيقاتي طلبن اليّ أن أكتفي ببناء مستوصف يحمل اسم الوالدة لكنني أصريت على الذهاب الى النهاية، كان الأمر شاقاً في البداية لا سيما لجهة طلب المال من الناس أنا الذي لم أطلب المال حتى من والدي. في إنكلترا من المقبول أن يعطي الآباء المال لأبنائهم، لكن في باكستان إن مددت يدك لأحدهم حتى لو كان والدك تخسر شيئاً من كرامتك الشخصية. وهذا الأمر قاس جداً". ويضيف عمران: "الأمر سيّان بالنسبة الى السياسة، هناك أمور كنت أجدها صعبة مثل رفع اليد لتحية الناس من السيارة. لكنني أعتقد أن الله لم يضع لنا قيوداً، الناس هم الذين يفرضون هذه القيود على أنفسهم بسبب الخوف من الفشل أو التحوّل عرضة للاستهزاء. كثر من لاعبي الكريكيت قضوا حياتهم في التحدث عن إنجازاتهم من دون الإفادة من الاسم الذي صنعوه لخدمة الغير. إن إيماني بالله منحني نعمة عدم الخوف من الاستهزاء أو الفشل المحتمل". الحقيقة أن عمران خان لم يسلم في حياته من المواقف المحرجة الكثيرة التي كادت ان تقضي عليه في أحيان عدة. في نيسان ابريل عام 1996 أسّس حزباً سياسياً اطلق عليه اسم "التحرك من أجل الإنصاف"، وجعل هدفه النضال ضدّ الفساد. يقول عمران: "قبل 3 أسابيع من انتخابات عام 1997، نشرت معظم الصحف الباكستانية على صفحاتها الأولى صورة شيك بقيمة 40 مليون دولار موقّع من حميِّه جيمي غولدسميث. وبعد أسبوع نشرت هذه الصحف اعتذاراً على صفحاتها الداخلية تقول فيه ان هذا الشيك مزوّر. لكنني كنت تأذّيت فعلياً بسبب الشعور المناهض لإسرائيل في باكستان كون والد جميمة يهودياً". لكن عمران أصر على النضال ضد الفساد والرشوة في بلده. "لا توجد ديموقراطية في باكستان - يقول - السياسة هي لعبة مال، واللصوص وحدهم يملكون المال. عندما يكون نصف الشعب تحت خط الفقر، هؤلاء اللصوص يقومون بشراء القرى عبر بيع الشعب هويات تخوّلهم حقّ الانتخاب. وعندما يصلون الى السّلطة، يقومون بفرض الضرائب ويصبحون مثل الحكام الذين يعيّنهم المنتدب أو الوصي". يضع عمران خان نصب عينيه هدفاً أساسياً يتمثل بالفوز في الانتخابات المقبلة "إنه هدفي الأول". ويقول: "إنه الطريق الوحيد للتغيير الذي من الصعب أن يحصل من دون سلطة سياسية قوية". لكن من المعروف أن السلطة السياسية في باكستان تخفض معدل الحياة، فالجنرال ضياء الحق قتل في حادث طائرة، وفي نيسان عام 1996 قبل أيام من الإعلان عن حزب "التحرك من أجل الإنصاف"، انفجرت قنبلة في مستشفى "شوكت خانوم" وقتلت 7 أشخاص. وكاد عمران أن يكون موجوداً لولا تأخره عن موعد له. "لم أعتقد يوماً أنها محاولة اغتيال". ويضيف عمران: "الحكومة قالت انها الاستخبارات السرية الهندية، بصراحة لست متأكداً من ذلك. في وقت من الأوقات اعتقدت أنّه إنذار من شخص ما". المدهش أن رئيس "التحرك من أجل الإنصاف" لا حراس لديه "أحمل مسدّساً في بعض الأحيان، لكن لا رجال أمن يرافقونني ولا إجراءات أمنية معينة أقوم بها. أنا لا أهدد أحداً، ربما لهذا السبب أنا مرتاح". في الانتخابات النيابية في شباط فبراير عام 1997، خسر حزب عمران ولم يحظ بمقعد واحد على غرار ما حصل مع حميه السير جيمس غولدسميث قبل 3 أشهر في بريطانيا، الاثنان لم تؤازرهما الأحزاب السياسية العاملة في البلد. لكن على نقيض حميه يتمتع عمران خان بتأييد شعبي كبير يصل الى حدّ التكريس لشخصه، ومشهد الجماهير التي تصرخ وتبكي والأشخاص الذين يحاولون لمسه بات معروفاً في الجولات الانتخابية. الواقع أن اموراً كثيرة أساءت الى عمران خان في انتخابات عام 1997، عدا الشيك المزوّر الذي نشرت صورته الصّحف الباكستانية، ظهرت المحاكمة التي قامت في الولايات المتّحدة الأميركية من قبل سيتا وايت التي قالت انّه والد ابنتها. حاول عمران خان نفي أبوّته لفتاة غير شرعيّة، على رغم شبهها الكبير به، لكن المحكمة حكمت بأبوّته بعدما رفض الخضوع لفحص الDNA. عام 1998 اتهمت زوجته جميمة بتهريب 297 تحفة أثرية خارج البلاد. "بعد 4 اختبارات تبيّن أن هذه التحف ليست قديمة ولا أثرية". في هذا الوقت كان حزبه يفتقر الى التمويل الكافي، "عاملان لعبا لمصلحتنا، الأول إيمان أكثرية الشعب الباكستاني بأنه من دون التغيير سينتهي البلد. يوجد تضخم كبير ونسبة بطالة ضخمة. كل عام يموت 700 ألف طفل تحت سن الخامسة بسبب الافتقار الى الأدوية وبسبب تلوّث المياه. ويستطيع أي شخص رؤية خيبة أمل الشعب الباكستاني. عام 1988 كانت نسبة الاقتراع في الانتخابات 50 في المئة، تراجعت الى 25 في المئة عام 1997. الشعب مقتنع بأن الأحزاب السياسية الحاكمة لا تملك الحلول لمشكلاته". ويتابع عمران خان : "أما العامل الثاني الذي لعب لمصلحتنا فتمثل في خفض سن الاقتراع من 21 عاماً الى 18 عاماً، ما يعني أن 15 مليون ناخب جديد سيصوّتون من دون ان يكونوا رهائن لدى احزاب معيّنة. والأمر الجيد الذي يلعب لمصلحتي يتمثل في أنني معروف من الشعب بأكمله، إذا وجد مئة رياضي في باكستان فإن 90 منهم يلعبون الكريكيت. بوتو ونواز شريف في الخارج وأعتقد ان اسمي سيساعدني في الانتخابات المقبلة". إذا وصل عمران خان الى رئاسة الوزراء في باكستان فما هي الإجراءات التي سيتّخذها بالنسبة الى السياسة الخارجية؟ يقول: "لا يمكن ان تنجز شيئاً في السياسة الخارجية إن كنت تستدين من البنك الدولي كل شهرين، أي احترام لبلد مثل هذا؟ إذاً سيكون هدفي الأول إيقاف باكستان على رجليها". السؤال الذي يطرحه كثر هو عن الدافع الذي يحدو عمران خان الى خوض غمار السياسة، وعما إذا كان هذا الهدف شخصياً متعلقاً بالهالة والشعبية اللتين نالهما في لعبة الكريكيت، ويذهب بعضهم أبعد من ذلك متسائلين إن كان لم يبن المستشفى بغية الدخول الى عالم السياسة؟ ينفي عمران خان هذه الاتّهامات بشدّة وموضوعيّة، يقول: "قدم لي الجنرال ضياء الحق حقيبة وزارية على طبق من فضة عام 1988، وعام 1993 قدّمت لي حقيبة وزاريّة للمرة الثانية، وكان الأمر أسهل بالنسبة إليّ كي أرضي غروري من دون أن أعرّض نفسي وعائلتي للفضائح المفتعلة التي نشرتها الصّحف". الواقع أن عمران خان تعرّض أيضاً لشائعات كثيرة تناولت زواجه. في العام الفائت نشرت مجلّة Vanity Fair مقابلة مع زوجته تحدثت فيها عن حياتها الزوجية في باكستان، لكن المحرر قام بحسب عمران بتحريف كلامها مركّزاً على الاختلاف في نمط حياتها السابق في بريطانيا عنه في باكستان حيث الفقر والتلوّث، واستنتج أنّها غير سعيدة في حياتها الزوجية. من ناحية أخرى يؤكد عمران أنه لا يتدخل البتة في ما تملكه زوجته من أموال وأملاك، "لم اسألها البتة عن ذلك، ولا اعرف ما الذي تنوي أن تفعله بثروتها لكنني أعرف أنها تقدم جزءاً منها للزكاة وهذا أمر يرضيني أكثر من اي امر آخر". يقضي آل خان معظم أوقاتهم في لاهور حيث يعيشون في منزل مع والد عمران وأخته وبعض الأقارب. "بالطّبع جميمة عرفت نمط عيش مختلفاً في باكستان لكنها عرفت أيضاً كيف تتأقلم مع التغيير".