الميداليات الذهبية التونسية تتوالى، وباب خزينة الدولة مفتوح على مصراعيه ليقطف منه الأبطال ثمار جهودهم وتميزهم بفضل قرار الرئيس زين العابدين بن علي منح 100 ألف دولار فوراً لكل من يحصد الذهب المتوسطي من بين مواطنيه. واللافت ان حكاية "الدولارات" هذه تسيطر على اجواء دورة العاب البحر الأبيض المتوسط الرابعة عشرة التي تستضيفها تونس حتى الخامس عشر من الجاري، فما من حديث في الرياضة يدور الا وكانت البادرة الرئاسية محوره. وعرفت مسابقة الكاراتيه حادثة مؤثرة للغاية عقب فوز التونسي وسام عرفاوي بذهبية وزن دون 70 كلغ، فما كادت والدته تعانقه بعد اعلان النتيجة حتى سقطت أرضاً فاقدة الوعي. واحتار البطل بين فرحته بالفوز ومراسم التقليد الرسمية من جهة، وبين قلقه على والدته التي هبّ اليها عدد من رجال الاسعاف من دون ان تستجيب سريعاً لاسعافاتهم من جهة اخرى. لكن الله ستر واستردت المرأة، التي لم تعرف كيف تعرب عن فرحتها الا بالسقوط أرضاً، وعيها فكانت فرحة عرفاوي فرحتين من دون ان نعرف طبعاً اذا ما كانت "سقطة" الأم الحنون وقعت بفعل فرحتها بانتصار ابنها وتتويجه بطلاً للمتوسط، او بسبب نيله المئة ألف دولار التي ستؤمن له ولعائلته مستقبلاً أفضل حتماً؟! ولا شك في ان مثل هذه الحوافز المالية تساعد كثيراً على اخراج الطاقات الكامنة لدى الأبطال لتحقيق الانتصارات التي يمكن ان تدفع بهم نحو العالمية، ولعل ما حدث في دورة سيول الأولمبية عام 1988 خير مثال على ذلك: فلم يكن أحد يعرف شيئاً عن رياضيي كوريا الجنوبية، لكن انتصاراتهم بفضل استضافة الدورة وتكريمهم بالشكل اللائق في اعقابها حقق للرياضة الكورية مكاسب كبيرة جداً فصارت دائماً من بين دول المقدمة على لائحة الألعاب الأولمبية التالية... وهذا ما نأمله لتونس وباقي الدول العربية. وإذا كانت الفرحة تعم تونس كلها، فهذا لم يمنع ان التونسيين باتوا ليلة أول من أمس وفي قلوبهم غصتان: الأولى لخسارتهم أمام فرنسا في مسابقة كرة القدم صفر1، والثانية لأن الهزيمة كانت أمام فرنسا تحديداً. واللقاءات الرياضية التونسية الفرنسية دائماً ما اتسمت بحساسيات مفرطة، وربما يقبل التونسي الخسارة من قِبل أي منتخب آخر بصدر رحب الا فرنسا بالذات. وشبّه الكثيرون هذا اللقاء بمباراة ايران والولايات المتحدة في كأس العالم عام 1998 حيث حملت المواجهة أبعاداً سياسية ورياضية معاً... عموماً كان عزاء التونسيين الوحيد ان هذه الخسارة لم تبعدهم عن المنافسة، ولا تزال الفرصة قائمة للتأهل للدور نصف النهائي على رغم صعوبتها لأنها تعتمد اساساً على نتائج مباريات المجموعات الأخرى لاختيار صاحب أفضل مركز ثانٍ من بين المجموعات الثلاث الجنس اللطيف تصدرت الصفحات الاولى من الصحف التونسية اول من أمس صور العداءة المغربية نزهة بدوان باعتبارها تجسد آمال العرب مع بداية مسابقات ألعاب القوى، وبداية سيرها على طريق التألق العالمي، الى جانب الجزائرية نورية مراح وبدرجة أقل تونسيات أخر. وإذ خيبت بطلة كرة المضرب التونسية سليمة صفر أمل محبيها، فإن المغربية بهية محتسن انتزعت الذهب لتعزز الغلة الذهبية النسائية التي طبعت خصوصاً باصداء الانجازات الاستثنائية لسيدات تونس، اللواتي احرزن ست ذهبيات حتى الآن. وتوشحت المصارعات سعيدة الريابي وسالمة الفرشيشي وفضيلة اللواتي بالذهب يضاف اليهن هالة بودي في الكاراتيه، ونجمة الدورة في الجمباز ليوني مرزوق، التي سميت بنادية كومانتشي تونس. ويبدو ان هذا الحصاد الوفير للمصارعات التونسيات وزميلاتهن الشماليات سيدفع اللجنة الأولمبية الدولية للتفكير جدياً في ادراج هذه الرياضة في برنامج المسابقات الأولمبية في المستقبل. لقد كان المشهد مؤثراً حين ذرفت البطلة فضيلة اللواتي دموع الفرح الممزوجة بالألم، بعدما رفعتها هبة الذهب التونسية والبالغة 100 ألف دولار من أرض الفقر والحرمان الى بساط العيش الكريم والمحترم، علماً انها مسؤولة عن عائلة وأطفال وهي في سن ال25. ما كرس نجاحها عبر الرياضة من أن تنزع عنها وعن عائلتها ثوب الشقاء والحزن. وعموماً، واكب احتفالات الألعاب المتوسطية بيوبيلها الذهبي الى الحضور الرياضي النسائي البارز، الحضور الناعم في المستوى التنظيمي من مناصب الرئاسة الى التطوع والحضور الجماهيري، ما أضفى نكهة مميزة على مملكة المتوسط. وإذ سجلت ايطاليا نسبة المشاركة الاكبر في هذه الفئة بوجود 147 رياضية من اجمالي 397 مشاركاً، فإن الحضور النسائي العددي العربي اقترن خصوصاً بالتونسيات واللبنانيات برصيد 117 من 326 و24 من 89 على التوالي، في حين ظهر الحضور مهماً في باقي الدول العربية، والذي بلغ 61 في الوفد المغربي و19 في المصري و56 في الجزائري و7 في الاردني و5 في السوري. والحقيقة تقال ان الحضور النسائي المتميز ساهم في شكل كبير في نجاح تونس في رفع تحدي التنظيم وحصد الذهب على السواء. فتونس العريقة بتقاليدها السياحية غير معتادة على استقبال أكثر من 5 آلاف ما بين رياضي ومرافق من 23 بلداً في لحظة زمنية معينة وفي مواقع للاقامة والمسابقات موزعة من رادس الى المنزه مروراً بمحافظات نابل وسوسة وصفاقس وبنزرت. ولكن ذكاء التونسيات المتطوعات والمسؤولات في قطاعات التنظيم والاعاشة والسكن وصبرهم كان له الأثر الحاسم في النجاح. فالمتطوعات اللواتي يمثلن أكثر من نصف اجمالي ال 7 آلاف متطوع في الدورة، يستقبلنك في المطار ويقدمن لك "مشاميم" الفل والياسمين ويرافقنك الى القرية المتوسطية أو الفنادق ويتحادثن معك باللغات الثلاث العربية والفرنسية والانكليزية، وهن آخر من يخلد الى النوم في مركز الصحافة الدولي ويطفئن أضواء القرية المتوسطية، لتجدهن صباحاً بابتسامتهن الرائعة مع أول الوفود المستيقظة. "الشطة" أبرزت المتطوعات وجه تونس الحضاري، في حين بدأت أولى علامات التعب تظهر على بعض شبابها في أعمالهم على مدار الساعة. ولعل الجميل في هذا الحضور هو مواكبتهن منافسات قاعات المسابقات من المصارعة الى الكاراتيه وكذلك الجمباز وكرة السلة، وهن لبسن الفانيلات المحلية الحمر ورسمن على وجوههن تعويذة الدورة، ورفعن راية بلادهن المزينة بالنجمة والهلال. وتجاوز الحضور النسائي قاعات المسابقات والملاعب لتدفع سيدات تونس الرجال للسهر معاً بمرافقة اطفالهن في شارع الحبيب بورقيبة وسهراته الجديدة، وابعدن بالتالي "سي السيد" عن ارتياد الحانات ومعانقة النرجيلة في المقاهي. واذا كانت "استراحة" الدكتورة زكية البرطاجي، رئيسة مركز مراقبة المنشطات، والتي تشرف على 35 طبيباً و66 مرافقاً لا تزال متواصلة مع غياب حالات تعاطي المنشطات فإن العتاب الوحيد من المشاركين في الدورة عليهن هو "حرارة" الأكلة التونسية المرتفعة نسبياً و"شطتها"، ولعل ذلك سر تألقهن وحيويتهن الدائمة. المنافسات في اليومين الثامن والتاسع من المنافسات، احرز العداء المغربي مصطفى الدموي فضية سباق الماراثون بزمن مقداره 25،22،2 ساعتين، ونال الليبي علي مبروك الزايدي البرونزية 56،22،2س، وهي الميدالية الاولى لبلاده في الدورة، بينما كانت الذهبية من نصيب الايطالي سيرجيو كييزا 07،21،2س. ولدى السيدات، احرزت التونسية سنية عقون برونزية السباق مسجلة 03،46،2 ساعتين. ونالت الذهبية التركية مهتاب سيزماز 49،40،2س، والفضية مواطنتها سيراب اكتاس 18،43،2س. من جهة اخرى، لم تشارك العداءة المغربية نزهة بدوان، حاملة اللقب في الدورات الثلاث الاخيرة وبطلة العالم عامي 1997 في اثينا و2001 في ادمونتون ووصيفة بطلة العالم عام 1999 في اشبيلية، في سباق 400م حواجز. وعاد غيابها الى تأخرها في الوصول الى تونس قادمة من استراليا، حيث شاركت في نهائي الجائزة الكبرى. وكان الوفد المغربي طلب من المنظمين تأجيل تصفيات السباق للافساح في المجال امام بدوان للمشاركة، لكن المنظمين رفضوا الطلب وبالتالي لم تتمكن بدوان من الدفاع عن لقبها، وحرمت بلادها من ميدالية ذهبية اكيدة. وفي الكاراتيه، نالت الجزائرية ريم الدراوي برونزية وزن فوق 65 كلغ، في حين كانت الذهبية من نصيب اليونانية تيودورا دوجيني بفوزها على الفرنسية لورانس فيشر. وغنمت التركية يلديز اراس ذهبية الوزن المفتوح بفوزها على اليونانية دوجيني. ونالت البرونزية كل من الفرنسية ناتالي لوروا واليوغوسلافية سلاديانا ميتيتش. وفي الألعاب الجماعية، تأهل المنتخب الايطالي لكرة القدم الى الدور نصف النهائي بتغلبه على نظيره الجزائري 2-1 في الجولة الثالثة الاخيرة من منافسات المجموعة الثالثة. وسجل ايمانويل كالايو 23 و52 هدفي ايطاليا، والزغدوني 85 هدف الجزائر. ورفعت ايطاليا رصيدها الى 6 نقاط من فوزين على الجزائر والمغرب بنتيجة واحدة 2-1، بفارق 3 نقاط عن الاخير الذي خرج رسمياً من الدور الاول. لحقت ايطاليابتركيا التي كانت ضمنت تأهلها بتعادلها مع ليبيا ضمن المجموعة الثانية. وفي الكرة الطائرة، بلغ المنتخب التونسي للرجال الدور نصف النهائي بفوزه على اليونان 3 - 1 18 - 25 و25-19 و25-13 و25-18. وتلتقي تونس في الدور نصف النهائي مع فرنسا التي تغلبت على يوغوسلافيا 3-2 19-25 و12-25 و25-21 و26-24 و15-11. ولدى السيدات، انهى المنتخب التونسي مشاركته في المركز الثامن بخسارته امام كرواتيا صفر-3 21-25 و21-25 و15-25 في مباراة الترتيب. وفي كرة اليد، بلغ المنتخب التونسي للرجال الدور ربع النهائي بفوزه على نظيره الايطالي 28-22 الشوط الاول 14-8. وهو الفوز الثاني على التوالي لتونس بعد الاول على سورية 29-22، فتصدرت المجموعة الرابعة بفارق نقطتين امام ايطاليا التي تأهلت بدورها للدور ربع النهائي. وفي كرة السلة، احرز منتخب كرواتيا للسيدات ذهبية المسابقة بفوزه على ايطاليا 71-62. ونالت البرونزية اسبانيا بتغلبها على تركيا 72-71.