في وقت تحاول الحكومة السورية تحديث الاقتصاد يبدو الجهاز المصرفي وكأنه لم يسمع بعد بعصر العولمة او حتى الحاسب الآلي وهو مقيد لدرجة ان موازناته غامضة وسرية ولا يقدم خدمات تُذكر. دمشق - رويترز - فتح حساب في "البنك التجاري" السوري عملية سهلة... لكن الخدمات المصرفية التي يقدمها ليست كذلك. فسرعان ما يتضح ان النظام المصرفي العتيق الذي تهيمن عليه الدولة لا يقدم خدمات تذكر. وفي المصرف ينفذ الموظفون، الذين يفوق عددهم عدد العملاء، أغلب العمل يدوياً وهو ما يبدو واضحاً من أكوام الورق المكدسة على مكاتبهم وسوى ذلك لا توجد الا بضعة اجهزة كومبيوتر للقيام بعمليات التحويلات النقدية. لا توجد بطاقات ائتمانية أو للصرف الآلي. والتحويلات النقدية تخضع للرقابة ولا توجد حسابات بالعملة الاجنبية ويسمح بالتحويلات الاجنبية لاغراض محددة وتخضع لاجراءات صارمة كما لا يمكن تحويل النقد السوري الى دولارات أو أي عملة أجنبية أخرى وعلى رغم تعهدات متعددة بتوحيد أسعار الصرف الاجنبي المتعدد الطبقات تفيد ادارات المصارف انه خلال السنوات العشر الماضية باتت أسعار صرف النقد الاجنبي أربعة بدلاً من سبعة. واذا أراد تاجر استيراد بضائع أجنبية فإنه يضطر الى شراء الدولارات من السوق بدلاً من المصرف الذي يتعامل معه. وأصول المصارف السورية سر غامض ولا تنشر أي موازنات مدققة وكل هذه عوامل يجب أن تثير قلق الحكومة التي جعلت اصلاح النظام المصرفي من أهم أولوياتها ضمن مسعاها لتحديث اقتصاد قديم مغلق. وتتحدث وسائل الاعلام السورية الرسمية عن انجازات تحققت في مجال الاصلاح الاقتصادي لكن يصعب رصد أي تغيير ملموس. وقال خبير مالي أجنبي "هناك الكثير يجب عمله وعالم من القضايا في القطاع المالي يجب مخاطبتها". والحقيقة أن سورية أصدرت قوانين جديدة لكن اقتصاديين ومصرفيين يقولون "ان اصدار القوانين شيء وتنفيذها شيء آخر تماماً" ويشيرون مثلاً الى 39 موظفاً سورياً في المصارف دربهم الاتحاد الاوروبي، ضمن برنامج لتحديث مصارف بلادهم العتيقة تم اهمالهم وعزلهم في ركن وغير مسموح لهم بالتحرك". وقال ديبلوماسي غربي "ان الاتحاد الاوروبي ألغى مناقصة لاجهزة كومبيوتر لان البنك المركزي السوري رفض التطبيق الصحيح لاجراءات ولوائح المناقصة". وقال محلل مالي غربي "العنصر الرئيسي في ادارة الاقتصاد هو المصارف والمؤسسات المالية... وعمليات مصرفية وائتمان واتصال بالعالم الخارجي". لكن النظام السوري يعاني من القصور. يصعب جداً التحرك الى الامام من دون مؤسسات مالية. وأصدرت سورية قانوناً السنة الجارية يسمح بتأسيس مصارف قطاع خاص للمرة الاولى منذ 40 عاماً لكنها حددت حصة رأس المال الاجنبي بنسبة لا تتجاوز 49 في المئة وعلى الا تقل حصة الدولة عن 25 في المئة في أي مشروع مشترك. لكن لا يزال على سورية أن تؤسس الهيئة المنظمة لمتابعة ومراقبة القطاع المصرفي ويشكك مصرفيون في قدرة البنك المركزي على تشكيل مثل هذه الهيئة من دون خبرة أجنبية. وأخر هيئة في هذا المجال تم تفكيكها في الخمسينات. وأممت سورية كل المصارف عام 1963. ويرى مصرفيون أن سورية في حاجة ماسة الى مثل هذه الهيئة حتى تثق بها المصارف الاجنبية. وقال مصرفي "اذا لم توجد هيئة مستقلة تشرف على المصارف فلن يستثمر أحد. ولم تطلب سورية أي مساعدة من مؤسسات أجنبية لتأسيس هذه الهيئة". وتتمسك سورية بقوة بسياسة الاعتماد على النفس في محاولاتها المتعثرة لتحديث واصلاح الاقتصاد من دون التخلي عن حكم الحزب الواحد. ومنذ توليه السلطة في تموز يوليو من العام الماضي بعد وفاة والده حافظ الأسد تعهد الرئيس بشار الأسد بتحديث الاقتصاد الراكد الذي يرزح تحت وطأة قوانين عتيقة وتكنولوجيا متخلفة وبيروقراطية خانقة وفساد متفشي. وخلال عام من توليه السلطة لم يحاول بشّار الأسد تأسيس مصارف قطاع خاص فحسب بل سعى ايضاً لتأسيس بورصة وجامعات خاصة وتعويم العملة. وعلى رغم هذه الجهود الشاقة فإن محللين يقولون انه مقيّد بنظام سياسي عتيق يديره حرس قديم لا يريد التغيير.