يحاول شمعون بيريز الذي استاء من عدم اشراكه بقرار اغتيال أبو علي مصطفى من غير أن يكون آسفاً عليه، أن يكرس في اللقاء المحتمل بينه وبين الرئيس ياسر عرفات معادلة سعت اليها اسرائيل على مدى الأشهر الماضية. وهي معادلة مبادلة أمن المستوطنات بأمن المناطق الفلسطينية المقابلة أو الأحرى عدم احتلالها من جديد. وبيريز تحت ستار لعب دور "الحمامة" بين صقور الحكومة ومنهم وزير الدفاع العمالي يسعى الى أن ينفذ بالديبلوماسية والسياسة ما يعجز شارون وبن اليعيزر عن تحقيقه بواسطة الآلة العسكرية، ليس بسبب قصور هذه الآلة، بل بسبب الحدود التي يمكن حتى الآن ان تستخدم ضمنها. من دون أن ننسى بالطبع وجود تباينات بين أسلوب بيريز وأسلوب شارون واعتقاد الفلسطينيين بإمكان التحاور مع بيريز مع عدم الوثوق بقدرته على الوفاء بما يتعهد به لو أراد ذلك. يستحق الفلسطينيون أن يفرحوا بانسحاب دبابات الاحتلال من بيت جالا. لكن في معركة "عض الأصابع" المحتدمة بين السلطة الوطنية الفلسطينية واسرائيل، يعرف كل طرف قدرة الطرف الآخر عسكرياً، ويستطيع تقدير مقدرته السياسية والديبلوماسية، وهي ليست خافية على أحد. وواضح ان الحدود الحالية لهامش التحرك فرضت الانسحاب من غير أن تعطي ضماناً بعدم تكراره. فالتوغل في رفح وبيت جالا وبيت لحم وغيرها لم يكن الأول ولن يكون الأخير، خصوصاً أن بيريز نفسه يعتقد بأن نموذج "غيلو - بيت جالا" يمكن تعميمه عبر عدد من اتفاقات وقف النار على مختلف المحاور الساخنة ليشكل مجموعها اتفاقاً تاماً لوقف النار يمهد لمعاودة الحديث عن المفاوضات. من هنا فإن الانسحاب من بيت جالا قد لا يكون نتيجة فشل في تحقيق الأهداف بل جزء من خطة الحرب المتنقلة التي تستنفد أغراضها تارة عبر الاغتيال وطوراً عبر الاحتلال من دون أن تصل الى حدود تعريض الموقف السياسي الاسرائيلي للتورط والخطر. ويمكن في هذا الاطار مراقبة الخط التصاعدي الخطير لكن المدروس الذي سارت فيه الأعمال الحربية الاسرائيلية في الأشهر الماضية. وهو ما استدرج تصعيداً نوعياً فلسطينياً تمثل في استخدام مدافع الهاون التي تكمن خطورتها الفعلية في قدرة اسرائيل على استغلال استعمالها لتبرير عمليات عسكرية خطيرة. في الواقع، قد يتمكن عرفات، بخبرته الواسعة في مسائل وقف اطلاق النار وخرقه، من إفشال المعادلة الاسرائيلية التي يسعى اليها بيريز والساعية الى تجميد الأمن من دون تجميد توسيع المستوطنات. لكن عرفات يجازف في الوقت نفسه بتطوير الصراع العسكري في ظل دعم سياسي أميركي شامل لشارون وعجز عربي كامل لا يمكن أن تعوض عنه فصاحة وزراء الاعلام العرب ولا القرارات "السرية" لوزراء الخارجية، ولا الأحاديث الممجوجة عن "الشارع" العربي. وبيريز نفسه الذي يريد تثبيت وقف النار وتعميمه انطلاقاً من "غيلو أولاً" قد يكون أول المشجعين، اذا استمر اطلاق النار، على جراحة شارونية خطيرة تفرض "غزة أولاً" ولا يستطيع العرب إزاءها الا التحدث عن مزيد من الجهود واصدار بيانات الاستنكار وتشديد أحكام الطوارئ خوفاً من "مؤامرة" اسرائيلية، من دون أن ننسى عادة البكاء على الأطلال.