توصل الفلسطينيون والاسرائيليون امس الى تفاهم على وقف لاطلاق النار مُرفق بتعهد اسرائيلي بالانسحاب من بيت جالا التي شهدت على مدى ساعات الصباح وحتى بداية بعد الظهر اشتباكات متواصلة بين المقاتلين الفلسطينيين وقوات الاحتلال المدرّعة. وسرت بعد ظهر امس اجواء تفاؤل بإمكان تطبيق التفاهم - الاتفاق الذي اعلنه وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز. لكن هذه الاجواء تعكّرت مع استئناف اطلاق النار بكثافة ليلاً. واتهمت القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" باستئناف اطلاق النار على مستوطنة غيلو. ودفع هذا التطور "المطبخ السياسي - الامني" الاسرائيلي الى الانعقاد برئاسة شارون ومشاركة قيادة اجهزة الامن "لإعادة تقويم الأوضاع" بغية اقرار الاتفاق أم عدمه. ورأى مراسل "القناة الثانية" ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون اتاح لبيريز اجراء الاتصالات مع عرفات "ربما لانه يئس من امكان نجاح العمليات العسكرية في فرض وقف النار باتجاه المستوطنة، وربما لانه اعتقد ان التفاوض هو الحل الوحيد، وربما لإرضاء بيريز الغاضب على استثنائه من قرار اغتيال ابو علي مصطفى". واحرز الاتفاق بتدخل مباشر من الاستخبارات المركزية الاميركية ومساهمة فاعلة من المبعوث الاوروبي ميغيل انخل موراتينوس ووزير الخارجية الايطالي روناتو روجييرو. وكان واضحاً ان الاسرائيليين حاولوا في الاتفاق التوصل الى معادلة تقضي بضمان امن مستوطنة غيلو في مقابل الانسحاب من بيت جالا. اذ ان تل ابيب اعتبرت ان استمرار اطلاق النار على المستوطنة وخصوصاً بقذائف الهاون التي تجدد سقوطها امس عليها لا يمكن احتماله. وكان وزير الخارجية الاسرائيلي اكد مساء أمس انه توصل الى اتفاق مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يقضي بوقف اطلاق النار على مستوطنة غيلو يليه انسحاب الجيش الاسرائيلي من بيت جالا. ونقل التلفزيون الاسرائيلي في نشرته المسائية عن بيريز قوله امام اعضاء في حزب العمل انه تحادث هاتفياً مرات عدة أمس مع الرئيس الفلسطيني وانه "تم الاتفاق" في آخر محادثة جرت بينهما في السادسة مساء بالتوقيت المحلي على "وقف النار وانسحاب القوات الاسرائيلية". وقال بيريز: "بإمكان قوات الجيش ان تنسحب بعدما أدت مهماتها في بيت جالا من أجل اعادة الهدوء الى القدس". وأضاف: "اجريت في اليومين الاخيرين اتصالات مع قادة وزعماء في مختلف أرجاء العالم، اضافة الى عرفات. واذا سارت الأمور كما يجب سيكون ممكناً، الاسبوع المقبل، الخوض في محادثات اكثر جدية بهدف التوصل الى وقف تام للنار". ولم يوضح بيريز موعد انسحاب جيش الاحتلال على رغم أنباء ذكرت انه قد يتم خلال ساعات فجر اليوم. اما وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر فإنه رفض ايضاً الالتزام بموعد الانسحاب. وقال: "اقتحام بيت جالا كان بغرض اعادة الهدوء الى حي غيلو وضمان أمن سكانه". لكنه هدد بمعاودة اجتياح بيت جالا "ثانية وثالثة" اذا استؤنف اطلاق النار على الحي المذكور. وكان واضحاً ان الضغط الدولي تصاعد أمس على اسرائيل لحملها على الانسحاب من بيت جالا. وتلقى الرئيس الفلسطيني اتصالات هاتفية من وزراء خارجية الولاياتالمتحدة والمانيا وبلجيكا وايطاليا طالبهم فيها بمطالبة اسرائيل بالانسحاب من كل المناطق التي احتلتها في اليومين الماضيين. ورأى نبيل أبو ردينة مستشار الرئيس الفلسطيني "ان الساعات المقبلة ستكون حاسمة وتمثل اختباراً لمدى جدية الضغوط الدولية". ودعا وزير الخارجية المصري أحمد ماهر الولاياتالمتحدة الى اتخاذ موقف "أكثر انصافاً" في النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي. وقال: "ان الموقف الاميركي لا يتناسب مع مستوى الاحداث وليس على مستوى أحد راعيي عملية السلام". وأضاف: "نرى ان الموقف الاميركي يجب ان يكون أقوى وأكثر عدلاً. وهذا هو السبب وراء ارسال وفد مصري الى واشنطن". وكانت صحيفة "معاريف" ذكرت امس ان وزير الخارجية الاسرائيلي يحاول التوصل الى صفقة ثلاثية اميركية - فلسطينية - اسرائيلية تتضمن تعهد الفلسطينيين بوقف النار على مستوطنة "غيلو" وانسحاب اسرائيل من بيت جالا في مقابل ذلك. وفي هذا الاطار تحدث بيريز مرتين أول من امس مع عرفات. ورأت صحيفة "هآرتس" ان "ميزة استخدام القناة الاميركية هي ان تعهد عرفات في الاتفاق يكون معطى لطرف ثالث، وليس فقط لاسرائيل والنكث به يضع الرئيس الفلسطيني على خلاف مع الاميركيين". غير ان الصحيفة رأت "ان الضرر في ذلك هو ان عرفات قد يحصل مقابل التعهد على دعوة الى البيت الأبيض أو لقاء مع كولن باول في أوروبا، وان لم يكن مع باول فعلى الأقل مع بيريز الذي سيثبت ان من الممكن التحدث مع عرفات عن وقف للنار". وعززت القوات الاسرائيلية قواتها امس في بيت جالا التي بدت شوارعها خالية الا من مقاتلين كان بعضهم ملثماً. واستمر تبادل اطلاق النار طوال النهار في معركة غير متكافئة. وحوصر افراد عائلات عدة داخل منازلهم إما لاستحالة خروجهم بسبب اطلاق النار أو بسبب قيام الاسرائيليين بمنعهم من الخروج فباتو اشبه ب"دروع بشرية". ونعمت المدينة بفترة وقف للنار استمرت أربع ساعات بعد الظهر قبل ان يتجدد بشكل متقطع. في الوقت نفسه واصلت القوات الاسرائيلية عملياتها في مناطق فلسطينية اخرى فقتلت أربعة فلسطينيين وجرحت عشرات وتوغلت في رفح حيث أقامت معسكرين للجيش. في المقابل، أعلنت "كتائب شهداء الأقصى" الجناح العسكري لحركة "فتح" مسؤوليتها أمس عن مقتل مستوطن في هجوم استهدف سيارته قرب نابلس.