سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خيوط إسرائيلية وفرنسية في الفخ المنصوب للمعارض المغربي ... وقصة الشريط السينمائي "كفى". بن بركة وافق على العودة "رئيساً للحكومة" لكنه طلب إبعاد اوفقير والدليمي ... "فدفع الثمن" الحلقة 3
تُعالج حلقة اليوم، وهي الثالثة، من ملف "قضية بن بركة" التحضيرات التي كانت تُجرى لإيقاع المهدي بن بركة في الفخ الذي وقع فيه في ذلك اليوم الخريفي من تشرين الأول اكتوبر 1965 في باريس. وتعرض ل "الخيوط الإسرائيلية" والشخصيات الفرنسية المتورطة في تلك المؤامرة التي انتهت بمقتل المعارض اليساري المغربي البارز. كشف علي بوريكات المعتقل السابق في تازمامارت - السجن الرهيب جنوب غربي الرشيدية - انه التقى المهدي بن بركة في آب اغسطس 1965 في جنيف وان الاخير اخبره بأن سنوات منفاه في طريقها الى النهاية. وقال انه سيعود الى المغرب ليرأس حكومة جديدة، وانه اتفق والملك الحسن الثاني على برنامج طموح للاصلاحات السياسية والاقتصادية. كذلك قال انه اقترح على العاهل المغربي ابعاد خمس شخصيات من الساحة السياسية، هم: الجنرال حفيظ العلوي، وزير الدولة السابق احمد العلوي، زعيم الحركة الوطنية الشعبية الحالي المحجوبي احرضان، الجنرال محمد اوفقير والعقيد احمد الدليمي. واضاف بوريكات انه حاول اقناع بن بركة بأن اوفقير والدليمي لن يتركاه أبداً، وان الملك لن يغامر في التخلص من رجاله "لأنهم يعرفون كثيرا من الاسرار" ولبعضهم ارتباط باجهزة الاستخبارات الاسرائيلية. لكن بن بركة اجابه: "لا احب الملك لكن حزبي وشعبي يحتمان عليّ الرهان على دور ايجابي في الفترة المقبلة". الشريط السينمائي "كفى" في حزيران يونيو 1965 كان عبدالرحمن اليوسفي رئيس الوزراء المغربي حاليا يسير في شارع سان جرمان، بباريس، برفقة السيد عبدالقادر بن بركة شقيق المهدي. لم يكن ثمة شيء يبعث على القلق. لكن الصحافي الفرنسي فيليب برنيي تقدم اليهما طالبا عنوان المهدي، متذرعاً بأنه يريد ابلاغه قضية ملحة. وطلب اليوسفي منه ان يضعهما في الصورة، فأخبرهما ان حياة المهدي معرضة لمخاطر، وانه يمكن ان يعتقل لاستبداله في نطاق صفقة مخابرات بجزائري يعتقد بأنه العقيد صدوق الذي كان يعارض نظام احمد بن بلة وقتذاك. وقال ان دافع الصداقة وحده كان وراء ابلاغهما بتلك المعلومات. المهدي، بدل اتخاذ اجراءات احترازية للحماية، حاول ان يعرف الحقيقة من الصحافي الفرنسي ذاته. وكانت تلك بداية علاقة غامضة تطورت في وقت لاحق الى الاتفاق على مشروع انجاز شريط سينمائي بعنوان "كفى"، خصوصاً ان الصحافي الفرنسي بدأ حياته المهنية في المغرب، وكان تعرف الى المهدي قبل حادث خطفه بسنوات وأدى الخدمة العسكرية في مدينة فاس، وكان يُعرف عنه اهتمامه بالاوضاع السياسية في منطقة شمال افريقيا. حكى بيرنيي لاحقاً انه عرض على بن بركة المعلومات التي كانت في حوزته، وان العلاقة بين الرجلين ترسخت في سياق انجاز شريط سينمائي حول تجربة فيديل كاسترو ونضالات العالم الثالث ضد الامبريالية. راقته الفكرة التي بدت بدورها مغرية لجورج فيغون الذي كان يعمل مديرا لشركة نشر وللسينمائي الفرنسي جورج فرانجو والروائية الفرنسية مارغاريت دوراس التي جرى التفكير فيها لكتابة التعليق على الشريط. لكن الموعد الذي كان متفقاً عليه مع بن بركة ذلك الصباح لم يتم. جاء الرجال المعنيون الى حانة "ليب" في باريس، وانتظروا بن بركة هناك من دون جدوى، مع يقينهم انه كان دقيقاً في مواعيده. المرة الاخيرة التي جالسوه فيها كانت في القاهرة على هامش اجتماع تحضيري ل"مؤتمر القارات الثلاث" بهدف مراجعة بروفات الشريط السينمائي، على ان يستمر العمل في جنيف في نهاية ايلول سبتمبر ثم في نهاية تشرين الأول اكتوبر في باريس. قال بن بركة وقتذاك ان باحثاً في العلوم التاريخية سيضاف الى المجموعة، وكان يعني بذلك الطالب التهامي الازموري الذي حضر حادث اختطافه. وحسب رواية فيغون فان الجنرال محمد اوفقير ابدى انزعاجاً شديداً حيال ترك الازموري يحضر الاختطاف، كونه الشاهد الوحيد الذي يمكن ان تورط افاداته اكثر من طرف. لكن فيغون الذي كان يخفي علاقاته مع مسؤولين في أجهزة الاستخبارات المغربية الذين أرادوا الافادة من علاقته مع المهدي بن بركة، كشف لدى عودته من جنيف ان اوساطاً مغربية اتصلت به وقد تكون عرضت عليه مبلغ مئة مليون فرنك فرنسي لانجاز "المهمة". وفي رواية انه كان يعتزم تسريب مضمون تلك الاتصالات واقترح على مدير صحيفة "مينوت" في 12 تشرين الاول 1965 نشر وقائع "المؤامرة التي يدبرها المغاربة" لاغتيال المهدي. وتردد ايضاً انه بعث الى العقيد احمد الدليمي - عبر طرف ثالث - بالرسالة التالية: "إما ان تدفع أو أن أقص كل شيء على الصحافة الفرنسية". وانتهت الرسالة بانذار حدد له موعد 15 تشرين الاول من العام نفسه. تحتفظ وثائق القضاء الفرنسي بورقة وُجدت في حوزة جورج فيغون، الشخصية الغامضة التي كانت استدرجت المهدي بن بركة من اجل انجاز الشريط السينمائي "كفى". تتعلق الورقة باستنطاق بن بركة في قضايا عدة ابرزها وضع المعارضة المغربية في الجزائر وحجم الدعم الذي يقدمه لها نظام الرئيس السابق احمد بن بلة، وكذلك اماكن تخزين الاسلحة في المغرب وانواع الدعم الخارجي الذي تحظى به المعارضة. وشملت الاسئلة كذلك وضع الجيش المغربي ومدى تعاطف بعض عناصره مع المعارضة. لكنها ركزت ايضاً على موقف بن بركة من التقارب بين القصر والمعارضة وحظوظ نجاح الوفاق بين الطرفين. وكان لافتاً حيازة فيغون على هذه الاسئلة. وتردد انها كانت تتعلق بانتاج شريط "كفى" الذي كان سيعرض لجوانب من حياة بن بركة النضالية. لكن دقة الاسئلة بدت ذات علاقة بالمهمة الاستخباراتية المزعومة التي اضطلع بها جورج فيغون . فالأخير ورفيقه فيليب بيرنيي - اللذان كانا على موعد مع بن بركة في حانة "ليب" - زارا القاهرة قبل ذلك. وهناك من يذهب الى انهما تدخلا عبر شريك ثالث يتحدر من أصول يهودية لتأمين حجز تذكرة بن بركة من جنيف الى باريس. لكن محكمة باريس التي نظرت في ملف خطف بن بركة في خريف 1966 عرضت الى شهادات حول تمويل ذلك الشريط. وقال فيغون الذي تردد انه انتحر اثر ذلك في ظروف غامضة، انه اوضح للمهدي بن بركة ان شركة برأسمال دولي ستؤمن تمويل الشريط. وحين ذكر اسم شخصية يهودية اعترض بن بركة على ذلك. لكن سيتبين فيما بعد ان رجل اعمال اسرائيليا اسمه ارثر كوهين، صهر وزير العدل الاسرائيلي وقتذاك ياكوف نشابيرا، كان وراء المشروع الذي طلب الى المعارض المهدي بن بركة المشاركة فيه. وبحسب تقارير أمنية فرنسية كُشف بعض جوانبها عام 1966 فان ارثر كوهين كان موجوداً في باريس يوم خطف بن بركة وشوهد في مطعم فرنسي الى جانب شخصيات فرنسية ومغربية اثيرت اسماؤها في القضية. لكن تذكرة السفر التي حجزها عائداً الى المغرب مباشرة بعد الحادث خلت من ايضاحات كافية حول هويته. في حين ان العميد الغالي الماحي الذي غيبه الموت في حادث سير عام 1983 في المغرب، وتورط في القضية، ذكر اثناء محاكمته الى جانب العقيد احمد الدليمي في باريس ان شخصاً اسمه "ترجمان" ايلي ترجمان يتحدر من اصول يهودية كان يدير اعمال الجنرال اوفقير. لكن لا يعرف إن كان ترجمان نفسه هو آرثر كوهين ام ان الأمر يتعلق يشخصين اثنين. والثابت، بحسب تحريات امنية وقضائية، ان "العم ترجمان" - كما كانوا يسمونه - كان يرتبط بعلاقة مميزة مع وزير الداخلية المغربي وقتذاك الجنرال اوفقير، وانه نظم شبكة لمتابعة تحركات بن بركة عبر عواصم عدة، بخاصة في جنيف وباريس، وطلب والعقيد الدليمي من الاستخبارات الاسرائيلية ضمان تزويد عملاء بجوازات سفر مزورة وتأمين مخبأ سري في باريس خلال بداية تشرين الاول اكتوبر 1965. ما يعني ان الغموض الذي احاط بدور رجلي الشرطة الفرنسيين اللذين اقتادا بن بركة من حانة "ليب" الى مكان مجهول، مصدره تعليمات استخباراتية قد لا تكون الاجهزة الاسرائيلية بعيدة عنها. واستطاعت مجلة اسرائيلية تحمل عنوان "بول" ان تنشر في نهاية عام 1966 تحقيقاً اكد ضلوع اسرائيليين في قضية بن بركة. لكنها تعرضت لمضايقات إثر تسريب المعلومات اليها من طرف عزار عاريل، المسؤول الكبير في جهاز "الموساد". واعتقل صحافيان اسرائيليان أنجزا التحقيق، لكن اطلقا بعد ذلك بوقت قصير، حين تحولت قضية بن بركة الى محور لجدل في الاوساط الاسرائيلية وقتذاك. وتردد، في غضون ذلك، ان مجلة "بول" استندت الى معلومات جرى تداولها في اجتماع سري لحزب ديني متطرف، لكنها تعرضت للحجز باستثناء نسخ محدودة نزلت الى الاسواق وسُلّمت واحدة منها الى صحيفة "نيويورك تايمز" التي دخلت على خط الموضوع وكتبت ان قضية بن بركة ساهمت بقسط وافر في تعميق الازمة بين مصالح اسرائيلية عدة. وطالبت صحف عبرية وقتذاك باستقالة وزير العدل الاسرائيلي شابيرا. الا ان محكمة باريس صنفت الاسرائيلي آرثر كوهين حين ورد اسمه في القضية في خانة اشخاص "مجهولي الهوية". كانت عقيلة بن بركة السيدة غيثة وجهت الى رئيس محكمة الجنايات لا سين في فرنسا رسالة ذكرت فيها ان هناك معطيات جديدة تحتم معاودة المحاكمة انطلاقاً من "امكان تعاون مصالح الاستخبارات الاسرائيلية في تنفيذ عملية الاختطاف". ودعت المحكمة الى طلب مثول رئيس الاستخبارات الاسرائيلية "ماير اميت" للادلاء بإفادته. كما تمنت على المحكمة الاستئناس بشهادات صحافيين اسرائيليين هما شوميل مور وماكسيم غيلان اللذان ارتبط اسمهما بتحقيقات مجلة "بول". تزامن ذلك مع المعلومات التي افادت ان الجنرال شارل ديغول كان يعتزم وضع حد لممارسات اسرائيل في فرنسا من خلال نفاذها الى اجهزة الاستخبارات الفرنسية. وكتب ديغول في مذكراته انه اخبر ديفيد بن غوريون عند اجتماعه به بقراره وضع حد ل"الانفلات" الاسرائيلي في فرنسا. لكن الملاحظ ان ديغول دفع بدوره ثمن رفضه التواطؤ مع اسرائيل عندما تراجع نفوذه في الانتخابات ووجد نفسه في مواجهة المعارض فرانسوا ميتران في الدورة الثانية للانتخابات. وتفيد المعلومات القليلة المتوافرة عن ايلي ترجمان انه يتحدر من منطقة ارفود جنوب غربي المغرب، وهي منطقة صحراوية. وتزوج من السيدة سارة ينعمو التي يقال ان والدتها ارضعت اوفقير حين كان طفلاً. وثمة من يذهب الى انه نظّم شبكة لترحيل اليهود المتحدرين من اصول مغربية الى اسرائيل في نهاية الستينات بموافقة اوفقير الذي كانت تعول عليه المخابرات الاسرائيلية في انجاز مهمات عدة، وقد تكون نسقت معه في قضية بن بركة الذي كان يعارض سياسة اسرائيل بقوة. ومكث ايلي ترجمان في باريس بضع سنوات، لكنه غادرها مباشرة بعد خطف بن بركة، وتوجه للاقامة في اسرائيل ليعود لاحقاً الى المغرب، حيث قضى اسبوعين سجيناً في احد المعتقلات إثر المحاولة الانقلابية التي قادها أوفقير ضد الملك الحسن الثاني في 1972. ويُعتقد انه حُقق معه في شأن علاقته مع اوفقير. وغادر ترجمان لاحقاً الى فرنسا حيث توفى في 1998. تعاون مغربي - اسرائيلي كشف الصحافي الاسرائيلي شلومو خدمون عن جوانب من التعاون الاستخباراتي المغربي - الاسرائيلي في قضية بن بركة، من خلال تأمين شقة في باريس وجوازات سفر مزورة ومواد سامة، اضافة الى تعقب تحركات المعارض المغربي في عواصم اوروبية. ومعلوم ان الحكومة الاسرائيلية، وقتذاك، شكلت لجنة لتقصي الحقائق حول المزاعم في شأن تعاون استخباراتها مع المغرب، ادت الى استقالة رئيس "الموساد" ماير اميت. وفي هذا الاطار، تزعم معطيات كشف عنها النقاب ان ترجمان متورط فعلاً في قضية بن بركة. ففي 13 تشرين الاول اكتوبر 1965 وصل الى باريس واقام في فندق دوري في شارع دومنسيل. ومن هناك اجرى مكالمات هاتفية مع اشخاص عديدين سيثبت تورطهم لاحقاً في عملية الخطف. وكان لافتاً انه في يوم الاختطاف سجلت مكالمات اخرى اجراها ترجمان مرات عدة مع مصرف "الاخوان خورمسير" قبل ان يعود الى المغرب يوم اعتقال العميل انطوان لوبيز الذي كان له ضلع كبير في تنفيذ الخطة. ويعني ذلك ان الطرف الاسرائيلي ساعد في تحفيز اوساط فرنسية على المشاركة. وجاء في معلومات ان دافيد كمحي الذي كان من أبرز قادة "الموساد" وقتذاك، ارسل الجنرال الاسرائيلي أميت للاجتماع مع الجنرال محمد اوفقير في باريس في خريف 1965 للبحث في الموضوع، بحسب افادات للكاتب الاسرائيلي يوسي ميلمان. قبل حادث الاختطاف اتصل المهدي بن بركة من جنيف بالصحافي الفرنسي فيليب بيرنيي وأخبره انه سيكون على موعد مع السينمائي فرانجو وجورج فيغون في مأدبة غداء في حانة "ليب". وكان محور اللقاء المتوقع شريط "كفى" الذي اختار بن بركة ان يضم مشاهد من وقائع مؤتمر القارات الثلاث الذي كانت ستستضيفه العاصمة الكوبية. وتحدد ان ينعقد المؤتمر بين 3 و10 كانون الثاني يناير 1966. وقبل ذلك انشغل المهدي بترتيب اجواء المؤتمر. اذ سافر الى بكين في تموز يوليو 1965 لإقناع الصينيين بقبول مشاركة السوفيات ممثلين عن منظمات آسيا. وبعد ذلك توجه الى اليابان في 19 آب اغسطس من العام ذاته وألقى خطاباً دعا فيه الى النضال ضد الامبريالية الاميركية، وتحدث عن ضرورة "رفع القناع" عن دور وكالة المخابرات الاميركية في عرقلة الثورات الناهضة. كما عرض الى وضع القواعد الاميركية في القنيطرة، شمال الرباط، داعياً الى القضاء على "آخر قاعدة للاتصالات الاستراتيجية الاميركية". وكان المؤتمر الرابع لمؤتمر التضامن الافريقي - الآسيوي الذي انعقد في العاصمة الغينية آكرا ساند رئاسة بن بركة اللجنة التحضيرية لمؤتمر القارات الثلاث افريقيا وآسيا واميركا، في حين خلص مؤتمر القاهرة التحضيري في مطلع ايلول سبتمبر 1965 الى دعم هذا التوجه. وكان المهدي سيسافر الى هافانا للاجتماع مع الرئيس الكوبي فيديل كاسترو في المهمة ذاتها، على ان تشمل تحركاته العاصمة الاندونيسية جاكرتا لحضها على اغلاق القواعد الاميركية. بيد ان الاحداث فاجأته في دار السلام، عاصمة تنزانيا، اذ علم بخبر الانقلاب العسكري الذي دبرته المخابرات الاميركية في جاكرتا، مما جعله، بحسب مقربين منه، يعبّر مرات عدة عن مخاوفه حيال دور محتمل للمخابرات الاميركية في تصفيته. وعرفت العلاقة بين الرباط وهافانا تدهوراً ملحوظاً بسبب الموقف الكوبي من مؤتمر القارات الثلاث. فقد طلبت الرباط من كوبا منع بن بركة من دخول اراضيها. لكن هافانا رفضت، فقررت الحكومة المغربية العدول عن تعيين سفير لها لدى كوبا وهددت بوقف استيراد مادة السكر منها. وكشف الوزير الكوبي السابق اوساني سيانغو عن بعض وقائع تلك المخاوف امام المحكمة الفرنسية في قضية بن بركة، وانحى باللوم على المخابرات الاميركية وقال "ينبغي ان نفكر في ان تلك الجريمة ارتكبت بموافقة واشتراك العدو الاول للشعوب". واضاف: "هل من الممكن ان نصدق انها تمت من دون مشاركة وكالة المخابرات الاميركية؟". سأل الصحافي الفرنسي كلود بورديه مرة بن بركة عن سر غيابه الكبير عن باريس، وقال له من "غير المعقول ألا تحضر الى باريس، انها على أي حال ليست جنيف، وهي المركز الاكثر استقطاباً في الاهتمام بالسياسة المغربية"، فأجاب المهدي: "لا اذهب الى هناك الا نادراً. وهناك مخاطر كبيرة بسبب التواطؤ بين اجهزة الامن المغربية والفرنسية". لكنه مع ذلك اضطر الى الذهاب الى باريس للمرة الاخيرة في حياته، وعلى رغم ان مخاوفه كانت تستند الى حدس لا يخطئ. والاعتقاد السائد ان المشاورات التي اجراها مع مسؤولين مغاربة للاعداد لعودته حفزته على "المغامرة" التي قادت الى واحدة من اغرب الجرائم. فالتحريات في الجرائم تبدأ من اكتشاف الجثة. لكن في حال المهدي بن بركة كانت هناك جريمة وكانت هناك محاكمة ولكن... لم تكن هناك جثة. الدليمي : كبير مرافقي الملك هل قتل حقاً في "حادث سير"؟ في الخامس من حزيران يونيو 1967 اصدرت محكمة فرنسية احكاماً في قضية المهدي بن بركة. كانت حرب الأيام الستة قد اندلعت، وكان الاهتمام أكثر تركيزاً على الاوضاع في الشرق الاوسط. وقبل ان يقف العقيد احمد الدليمي امام محكمة لا سين في المحاكمة الثانية كان بعث برسالة الى الحسن الثاني اوضح فيها انه على استعداد للمثول امام القضاء الفرنسي "لانصاف شرف بلاده ازاء الاتهامات التي وجهت ضد مسؤولين كبار بالضلوع في اختطاف المهدي بن بركة". في تشرين الاول اكتوبر 1966 تحول الخبر الى قنبلة: الدليمي في فرنسا. فقد عرف عن الرجل ذي التأهيل العسكري انه يملك خبرة كبيرة في المناورة. درس في ثانوية مولاي يوسف في الرباط، والتحق بمدرسة عسكرية في الدار البيضاء، قبل ان يصبح مديراً للامن الوطني ثم كبير الضباط المرافقين للملك الحسن الثاني. وقاد في بداية الثمانينات حرب عصابات ضد مقاتلي جبهة "بوليساريو" في جبال "الوارقزيز" في شمال شرقي المحافظات الصحراوية بعدما اصبح جنرالاً. أُعلنت وفاته في حادث سير في 25 كانون الثاني يناير 1983، حوالي الساعة الثامنة ليلاً، مباشرة بعد خروجه من مقابلة مع الحسن الثاني في القصر في مراكش. ووصف بيان رسمي غيابه وقتذاك بأنه "خسارة كبرى للمغرب". واوضح ان الحادث جرى حين دهمته شاحنة في الطريق. الا ان الصحافي الفرنسي رولان ديلكور الذي طردته السلطات المغربية وقتذاك كان ربط بين الحادث وانباء غير مؤكدة عن اعتقال ضباط في ثكنة عسكرية في مراكش. ولم يمكن أبداً التأكد من تلك المعلومة. امام محكمة لاسين وقف احمد الدليمي ليدلي بافادات عززت اعتقاد المحكمة في براءته، لكنها دانت الجنرال محمد اوفقير بالسجن مدى الحياة. ومن وقتها لم يزور اوفقير فرنسا ابداً، لكن ثمة تحليلات تذهب الى الربط بين المحاولتين الانقلابيتين لاطاحة الحسن الثاني عامي 1971 و1972 بالرغبة في التخلص من ملف المعارض المهدي بن بركة. وليس صدفة ان احمد الدليمي نفسه كان من رفاق الحسن الثاني في عودته من باريس الى الرباط صيف 1972 حين تعرضت طائرته لقصف "المقاتلات الأوفقيرية" التي اخطأت هدفها.