الإسلام هو الرسالة السماوية التي يدين بها معظم العرب والسوريين، إلا ان ممارسات وتفسيرات مختلفة للاسلام تجعله ليس متنوعاً فحسب بل حتى مختلفاً بين جماعة لأخرى وفرد لآخر، وكثيراً ما تهمل هذه الصورة لمصلحة ابراز تصور وحيد للإسلام والمسلمين. وللأسف فإن هذا التصور ليس ممارسة احادية الجانب من قبل الغرب او جهة غريبة عنا فقط، لكنه اعتقاد لدى كثر من ابناء هذه المنطقة، خصوصاً اولئك المنتمين الى تيارات تحاول تهميش نماذج لمتدينين متنورين قادرين على استقطاب الشباب المسلم المملوء رغبة بخدمة وطنه والانخراط في الساحة الثقافية التي يشعر المتدينون غالباً بالاغتراب عنها لبعدها عن قيمهم المجتمعية التي يعيشونها في بيوتهم وبين اهليهم. هذا الوضع يخلق تناقضاً في نفوس الشباب يستنزف جزءاً كبيراً من طاقاتهم لمصلحة وضع تصورات عما يجب ان يكون عليه حال المجتمع المسلم في المجالات كافة، عاجزين عن الانتقال منها لما يجب ان يكون على سلم الأولويات، وعاجزين عن تقديم نموذج ثقافي بديل للنموذج الغربي السائد، خصوصاً مع إعراض الشباب المتدين عن فنون تشكل جزءاً كبيراً من الثقافة، تاركين المجال للشباب المتغرب والمتفرنج ليحتل الساحة الثقافية. هذه الهموم استقرأنا اجوبتها لدى عدد من الشباب الملتزمين. جميل رعدون خريج كلية الفنون الجميلة يعتقد ان: "الدين منهج حياة. ربط كل شيء بأخلاقياته، وأرجع كل شيء الى قوانينه، ولطالما كان الدين الموجه الاخلاقي لكل البشر، فالإنسان بفطرته يبحث دائماً عن مفهوم الإله، ويسعى دائماً الى الارتباط بمعتقد ما". ويرى جميل ان "التجمعات البشرية في العالم تركز الى حد ما على الاهتمام بموضوع الدين على اختلافه في الزمان والمكان". ويرى عبدالله سنة رابعة ادب عربي ان "الدين هو الحياة والسعادة في الدنيا والآخرة، في الوقت الذي لا تشكل فيه الثقافة الدينية إلا حيزاً صغيراً من اهتمامات وسائل الاعلام والسبب عدم تقبل بعض الناس لهذه الثقافة نتيجة اهواء شخصية ووجهات نظر مغايرة للثقافة الاسلامية"، بينما يرد حسين الخاطر سنة رابعة ادب عربي غياب الثقافة الدينية الى ان "غالبية الأسر وأربابها ذوو ثقافة محدودة، والأسرة ليست إلا المجتمع الصغير الذي ستسود ثقافته تلقائياً المجتمع الكبير". بالنسبة الى بِشِر سعيد سنة ثالثة ادب انكليزي "الدين هو ما يجب ان يشكل حياتي لكن ذلك لا يحدث إلا في شكل مشوّه، فالذي يشكل حياتي الآن شيء آخر غير الدين او هو الدين مشوهاً". ويرى بشر ان "كيف لا حجم الثقافة الدينية هو المهم". ومن وجهة نظر ينال "فإن الدين الاسلامي هو دين البشرية جمعاء متحرراً من الرموز التي بعد فترة من الزمن تصبح قوالب تثقل كاهل الافكار. وما يجمع المسلمين الآن هو اعتقادهم انهم يملكون الحقيقة وممارستهم للإكراه في الدين واستخدام العنف وبالتالي ابتعادهم عن التوحيد وإضاعتهم الرشد ليتخذوا بعضهم وغيرهم أرباباً وهم لا يشعرون". ما الذي يشغل بال المتدينين؟ القضية الأهم بالنسبة الى معظم من سألناهم كانت "الديموقراطية". فيقول عبدالله: "ضياع الأمة وتمزقها والوضع الراهن للمسلمين نتيجة الخلافات المذهبية وتضخيم المسائل الخلافية على حساب مشكلات مهمة في مجالي العقيدة والعمل". وأبدى جميل اهتمامه "بضرورة التركيز على اخلاقيات الدين". ويرى حسين "ان المشكلة الاساسية في مجتمعاتنا سيادة الجهل، ففي الأرياف والمدن عدا العاصمة تصلي النساء من دون ان يعرفن الفاتحة". كيف يؤثر غياب القدوة الدينية على الشباب؟ يعتقد عبدالله "ان القدوة الدينية موجودة ولكن التواصل معها معدوم، فالقدوة سواء كانت جماعات، علماء، افراد تفتقد المقدرة على التحرك بحرية في الشارع العربي". ويرى جميل "ان غياب القدوة الدينية يترك الشباب عرضة لما يبثه اعداء الاخلاق"، فيما يعتبر بشر "ان المشكلة تتجاوز غياب القدوة الى غياب الوعي، فهناك ضرورة لنشر ثقافة تجعل الشاب قادراً على الاقتداء بالصواب وتجاوز السيئ، سواء صدر عن قدوة دينية ام عن اي اتجاه آخر". ويعتقد بشر "ان غياب القدوة الدينية يجب ان يحفز الشاب على التفكير والقراءة والبحث عن بديل". الازدواجية بين الافكار والواقع يقول حسين: "امام الضغط الاجتماعي والنفسي اصبح واحدنا يحاول ألا يتمادى في التقصير الحاصل، لا بسبب داخلي وإنما نتيجة ظروف خارجية تقهر الانسان"، فيما يعتقد بشر ان "لا يمكن للإنسان ان يعيش ازدواجية، إذ لا يمكن ان يتناقض الايمان او الاعتقاد مع العمل او الواجب. فالانسان يعمل ما يؤمن به تماماً، فإذا لم يعمل عملاً فهو لم يؤمن به. لكن يمكن ان يكذب الانسان فيقول ما لا يعمل، وهذا امر آخر". الدين والعولمة والنموذج الحضاري البديل ما هو النموذج الاسلامي الحضاري البديل من النموذج السائد حالياً؟ ردا ًعلى هذا السؤال قال بشر: "لم اتمكن من صوغ اي فكرة متكاملة عن هذا الموضوع. النموذج مختلف تماماً ويقبع في مكان بعيد من النموذج الحالي، وكذلك من النموذج الاسلامي الحالي". ويعتقد جميل "ان الاسلام دين حضاري قويم، لكن ما حل بالمجتمعات الاسلامية من سيطرة استعمارية ادى الى سيادة مفاهيم خاطئة، ما يستوجب العودة الى ديننا اذا اردنا استبدال النموذج الحضاري الحالي بآخر اسلامي". ويرى جميل "على رغم تحول العالم الى قرية صغيرة فإن الدين سيبقى محافظاً على جوهره وإن اختلفت بعض الاشياء الظاهرية، لأن لكل دين مرتكزات اساسية تشكل عموده الفقري، ولا يمكن أي عولمة ان تغيرها". اما بشر فيتساءل: "ما هذا الشيء الذي سنعولمه؟ اذا كنا سنعولم الديموقراطية والمساواة والعدل فهذا يعني عولمة الاسلام، لكن اذا عولمنا الامتيازات، وعولمنا اقتصاداً يقضي على الاقتصاد، فاننا لن ننتظر طويلاً قبل البدء بمشروع عولمة جديد". ويتابع بشر: "النظام العالمي الجديد وقبله الأممالمتحدة، وقبله عصبة الأمم اظن ان ذلك كله التفاف او تأخير للعولمة الحقة التي تنتظرها كل الشعوب وبشّرت بها الاديان، اقصد عولمة المعرفة والعدالة. عولمة المعرفة بدأت بالتحقق ونرجو ان نسهم ونسرع في عولمة العدل ]تعالوا الى كلمة سواء[ اي تعالوا نعولم العدل بيننا جميعاً".