التدين والحداثة محمد جواد لاريجاني ترجمة علي رضائي بيروت، دار الغدير، 2001، 255 ص. صاغ الفكر السياسي الكوني نظرياته العريضة، وحاول قدر الامكان اختبارها عملياً في هذا النموذج أو ذاك. وبقيت الجمهورية الفاضلة حلماً أو سراباً في صحراء التاريخ. والحال ان ملامح "الجمهورية الاسلامية"، بالحري الحكومة الاسلامية، ظهرت نصوصاً قبل أن تتجسد في ايران. وبسبب الفرادة التاريخية لذلك النموذج، كان لا بد من رفده بما هو معروف ومختبر من التجارب الديموقراطية، فكانت صيغة "الديموقراطية الدينية" فتحاً مبتكراً وجديداً في الفكر السياسي. ثمة نفر من المفكرين الايرانيين، ومنهم محمد جواد لاريجاني عضو في مجلس الأمن القومي يرغب في الابتعاد من فكرة التلفيق التي اعتادها بعض المفكرين، والخوض في مناقشة قضايا عملية خاصة بهذه الحكومة تتخطى مسألة "نهوض جماعة من المسلمين الملتزمين بالدين لتطبيق الشريعة" ساعياً الى اعادة الاعتبار للانسان، ذلك الكائن الذي هجست به الفلسفة ... ابن سينا، الملا صدرا... الخ، والى اكتناه معنى التدين، ذلك المبني على أساس "هاجس الحقيقة". وبما أن "الدين صامت" الشريعة الصامتة بحسب لاريجاني، فإننا نحن من نسعى لتقديم معان للمعطيات الدينية تنفتح على الحقيقة: حقيقة "الجذور" أي حقيقة المبدأ والمعاد والصراط. يعود لاريجاني الى جذر الفلسفة السياسية وغائيتها: السعادة وينحى بعيداً من المفهوم الأرسطي للسلطة القدرة ليلج في مفهومين أصليين بزعمه: "المشروعية" و"الفاعلية". وفي استعراضه النقدي لأشكال الحكومات يقترح أن يطلق عليها "حكومة العقل" كون دليل مشروعيتها عقلياً يستند الى دعامتين: النظام السياسي وخير من عبر عنه الفيلسوف هوبز في "التنين" لافياثان، والوظيفة، وأساس الشرعية السياسية في هذا الشكل الغربي هو "العقد الاجتماعي" المتضمن في دستور مكتوب يرى أواليات الحكم. بيد أن الكاتب يعيب على هذا النمط من الحكم تخليه عن "الدور الأخلاقي"، ما يؤدي برأيه الى الضياع والانحطاط، الى افتقاد الناس المشاركة اليومية في السياسة كون هذه الأخيرة من اختصاص الحكومة. يميز لاريجاني بين الحكومة وبين أعمالها ويطرح بناء عليه سؤال: مصدر مشروعية الحكومة الاسلامية؟ ويجيب استناداً الى نظرية "ولاية الفقيه": "تكون أصالة الوظيفة هي مصدر المشروعية: فالاسلام يرى أن للفرد كمالاً ذاتياً، وقد ذهب الى أبعد من ذلك حين شخص الطريق الى ذلك الكمال. فمن الناحية الفلسفية، تعد "الكفاية" مصدر المشروعية، ولذلك فإن أهمية أركان الدولة ومؤسساتها جميعها تأتي من كفاية النظام وفاعليته، ومصدر مشروعيتها هو الولي، أي ان هناك من هو فوق القانون في حكومة ولاية الفقيه". ويضيف "... وبما ان الوظيفة مقدمة على القانون، لذلك يحق للولي التقدم على القانون وحتى على الدستور عند الضرورة"! ولكنه يستدرك ويقول انه لا يمكن الولي القيام بشيء من دون رأي الناس ومشاركتهم. يغادر لاريجاني المهمات الكلاسيكية الموكلة الى الدولة ليرى ان أولى واجباتها هي "الولاية"، إذ عليها أن تضطلع بدور المرشد والموجه، وهي في الاسلام - كما يعرض الباحث - في أمرين: ولاية التوجيه والارشاد وولاية الأمر، وعلى الولي الفقيه بحسبه ان يجمع الاثنين. ولا يُقر الباحث فكرة الالحاح على "النموذج" الايراني في هذه الحال الذي ينبغي أن يكون شاهداً على صواب "الحق"، إذ أن "الحقانية" تتأسس عنده على شيء آخر، كما انتشر الاسلام بسبب "حقانيته دائماً". وفي السؤال، الأساس: هل يمكن المجتمع الاسلامي أن يكون حديثاً؟ يذهب لاريجاني مذهباً خاصاً تستوجب العقلانية بحسبه أن يكون لنا "تصور للوضع الحقيقي أقرب الى الواقع". وهو يبني مفهوم الحداثة على أساس عقلي. وعلى هذا النحو: الانسان الأكثر حداثة هو الذي تكون أعماله أكثر عقلانية، وذلك على الضد من ماكس فيبر ويرفض في المناسبة مقولته حول "المجتمع الديني" الذي يرى أن الأعمال العقلانية انما تصدر عن مبنى بنية فكري عقلاني، وعليه، بحسب الباحث، "كلما كان الانسان أكثر معقولية كان أكثر حداثة". مقاربة لاريجاني تدخل في اطار محاولة التأسيس لفلسفة سياسية عملية تجد منطلقها في "ولاية الفقيه" وتضع بالتالي المقولات الليبرالية والديموقراطية والاشتراكية الغربية موضع المساءلة، لتركز على حال جديدة، الدين فيها هو الأساس والموجه للأعمال. وينتهي لاريجاني الى ضرورة العودة الى جذر العمل واعادة الاعتبار للمسؤولية الأصلية، أي تلك التي لم تأت بالتعاقد، والى الوظيفة الحقيقية في البشرية.