} اعتذر مفتي سورية الشيخ أحمد كفتارو لعدم تمكنه من المساهمة في هذا الاستطلاع لأسباب صحية، وهنا شهادة الدكتور محمد الحبش مدير "مركز الدراسات الإسلامية" في دمشق: الموقف الطالباني من المرأة ليس بدعاً في الفقه الإسلامي بل هو تطبيق حرفي لخيارات فقهاء متزمتين وقفوا تاريخياً في وجه مشاركة المرأة في الحياة. وليس من الواقعي ان أنكر ان ما تختاره طالبان على رغم معارضتي الشديدة له هو خيار موجود في الفقه الإسلامي، ظهر في حياة الرسول وعبر عنه صحابي كبير هو عبدالله بن مسعود بقوله "المرأة كلها عورة ولا يجوز ان يبدو منها شيء"! ولكن الجانب الذي ينبغي ألاّ نغفل عنه هو ان الصحابة لم يكن لهم رأي واحد في هذه المسألة بل نقل عنهم في ذلك أكثر من عشرين قولاً، كانت كلها محل احترام الأمة تاريخياً، وصلت الى حد تصريح ابن عباس والمسور بن مخرمة الى ان ساق المرأة ليس بعورة، ونص أبي حنيفة وأبي يوسف على ان الشعر المسترسل من المرأة والذراعين ليس عورة، وتوسع الإمام مالك في هذه المسألة خصوصاً في المرأة الأمة الى حد القول بأن أطراف المرأة الخمسة ليست بعورة، ولكن المنطق الطالباني يغض النظر عامداً عن هذه الخيارات بحجة فساد الزمان وسد الذرائع. اننا نطرح الآن مسألة حق المرأة في التصويت أو العمل أو المشاركة السياسية وعادة ما يستأسد المتشددون في صد المرأة عن سائر أشكال مشاركة المرأة على أساس حماية العفاف الاجتماعي مع ان الفقه الإسلامي لم يلتزم خياراً واحداً في هذا السبيل بل قدم خيارات متعددة، وهناك عدد من الأئمة أذنوا للمرأة بتولي مناصب مهمة في الحياة العامة كالقضاء والوزارة، بل ان اماماً جليلاً كابن حجر العسقلاني والقرطبي نصا على ان المرأة يمكن ان تبلغ رتبة النبوة وقد بلغتها فعلاً كما في حال مريم بنت عمران وأم موسى، بل ان الإمام الترمذي يورد اذن النبي الكريم لأم ورقة ان تصلي إماماً بالرجال والنساء في حيها!! وهو ما أفتى به بعض أئمة الحنابلة في صلاة التراويح. عندما نتحدث عن المرأة في الإسلام فإن أجلى صورة لها انما هي في الواقع صورة نساء السلف الصالح في عصر الحضارة الإسلامية يوم شاركت المرأة الى جوار النبي الكريم من اللحظة الأولى التي كانت فيها أول قلب اطمأن بالإيمان في شخص خديجة الى ان صارت المجاهدة والطبيبة والمعلمة والشاعرة والأديبة والمحدثة والراوية، وكل ذلك بحضرة النبي الكريم وتشجيعه واطرائه. فإلى أين يتجه خيار الجمود حينما يقرر ان خير أحوال المرأة ان لا يراها الرجال ولا ترى الرجال؟ في احصاء ذي دلالة فإن الحافظ المقدسي صنف كتاباً شهيراً سماه: الكمال في أسماء الرجال، عمد فيه الى التعريف بأهم أعلام الأمة في مجال علم الرواية الذي كان آنئذ أباً للعلوم جميعاً تندرج تحته علوم التاريخ والأدب الى جانب المعارف الدينية، ثم اختصره بعدئذ الحافظ المزي الى: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ثم رأى الحافظ ابن حجر ان الكتاب كبير فاختصره في: تهذيب التهذيب في اثني عشر مجلداً، وبعد فترة اختصره مرة رابعة وأسماه: تقريب التهذيب وعندما تطالع تقريب التهذيب هذا تقف على أسماء 824 امرأة من نساء السلف الصالح حتى مطلع القرن الثالث الهجري، وهذا الرقم من كتاب واحد بعد الاختصار للمرة الرابعة، وكلهن ترجمت حياتهن ودرسن وصنفن على أنهن أعلام في الإسلام، وذكر امام كل واحدة منهن تلامذتها من الرجال والنساء في صورة جد واضحة لمشاركة المرأة في الحياة العلمية على أوسع نطاق؟! ومن دون أدنى تكلف فإن من العسير ان تستخرج ترجمة لنصف هذا العدد من نساء اشتهرن بالنبوغ في القرون العشرة التالية لعصر التدوين الذي اختص به كتاب الكمال في أسماء الرجال! في دراسة احصائية قمت بها للكتب التسعة التي هي أوثق كتب الرواية في الإسلام فإن الرواية عن هؤلاء النسوة تعكس مدى مشاركتهن وحضورهن في الحركة العلمية والاجتماعية: عائشة بنت أبي بكر: أخذ عنها 299 تلميذاً فيهم 67 امرأة و232 رجلاً. أم سلمة بنت أبي أمية: أخذ عنها 101 تلميذاً منهن 23 امرأة و78 رجلاً. حفصة بنت عمر: أخذ عنها 20 تلميذاً فيهم 3 نساء. أسماء بنت أبي بكر: أخذ عنها 21 تلميذاً فيهم امرأتان. هجيمة الوصابية: أخذ عنها 22 تلميذاًَ كلهم رجال. أسماء بنت عميس: أخذ عنها 13 تلميذاً فيهم امرأتان. وهذه أمثلة واضحة لكل من أراد ان يدرك مدى حضور المرأة في العمل الحضاري ومدى تجاوز السلف لما تفرضه اليوم حركات متشددة كطالبان من القيود على مشاركة المرأة في الحياة العلمية باسم الموروث الثقافي، وتحت عنوان فساد الزمان وهتك الذمم!! وهل يقنعك بعدئذ القول بأن كل هؤلاء الرجال كانوا يأخذون العلم من وراء حجاب!! أستطيع الجزم هنا بأن ما تطرحه طالبان في التعامل مع المرأة على أساس ان خروجها فتنة وصوتها عورة واقبالها مظهر شيطان!! ليست أبداً المرأة التي أطلقها الإسلام من عقال الجاهلية الأولى، وهو خيار غير مبرر بالمرة وان وجدت له شواهد تاريخية من كلام بعض الفقهاء.