قال صلى الله عليه وسلم :( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) وذلك لأن التفقه في الدين يحصل به العلم النافع الذي يقوم عليه العمل الصالح . والتفقه في الدين من أفضل الأعمال التي يقوم بها الإنسان، ولم يقتصر التفقه في الدين في الإسلام على الرجل دون المرأة أو العكس ففي صدر الإسلام كانت أم المؤمنين عائشة ، وام سلمة رضي الله عنهما وأسماء بنت أبي بكر الصديق، وأسماء بنت عميس، وجويرية بنت الحارث، وحفصة بنت عمر، وزينب بنت جحش (رضي الله عنهن ممن اشتهرن بالعلم وكثرة الرواية وقد اخذ عنهن الكثير من الرجال العلم، وهناك من الصحابيات والتابعيات اللواتي ورد ذكرهن في بعض كتب الطبقات والترجمة ومن أهمها كتاب (الطبقات الكبرى) لأبن سعد و( اسد الغابة) لأبن الأثير اللواتي أخذ عنهن الكثير من الفتوى وكن يجزن بعض الرجال في الرواية والفتوى، وفي كتاب "تقريب التهذيب" لابن حجر العسقلاني ذكر أسماء (824) امرأة ممن اشتهرن بالرواية حتى مطلع القرن الثالث الهجري أذكر منهن :الفقيهة المحدثة "طاهرة بنت أحمد بن يوسف التنوخية" و "أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل" وكانت من أفقه الناس في المذهب الشافعي، وكانت على علم بالفرائض والحساب والنحو، وكانت تفتي ويكتب عنها الحديث، و"جليلة بنت علي بن الحسن الشجري" في القرن الخامس الهجري، فكانت ممن رحلن في طلب الحديث في العراق والشام وسمع منها بعض كبار العلماء كالسمعاني، وكانت تعلم الصبيان القرآن الكريم. و "زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني"، و"زينب بنت يحيى بن العز بن عبد السلام" فقد تفردت برواية المعجم الصغير بالسماع المتصل، وقال عنها مؤرخ الإسلام "شمس الدين الذهبي" إنه كان فيها خير وعبادة وحب للرواية ، و "زينب بن أحمد بن عمر الدمشقية" من المحدثات البارعات ذات السند في الحديث، ورحل إليها كثير من الطلاب. و"زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم"، وكانت امرأة ذات قدم راسخ في العلم والحديث، و"عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية" التي كان لها مجلس علم بالمسجد، وكانت تتكسب بالخياطة. وكان للنساء دور بارز في تثقيف وتربية الفقيه والعالم الجليل "ابن حزم الأندلسي"؛ حيث علمنه القرآن الكريم والقراءة والكتابة والشعر وظل في رعايتهن حتى مرحلة البلوغ، ويحكي تجربته فيقول: "ربيت في حجر النساء، ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب.. وهن علمنني القرآن، وروينني كثيرًا من الأشعار، ودربنني في الخط"، وكان لهذه التربية والتثقيف أثرها الكبير في شخصيته. وتأتي العالمة الجليلة "فاطمة بنت محمد بن أحمد السمرقندي" لتحتل المكانة العالية الرفيعة في الفقه والفتوى، وتصدرت للتدريس وألفت عددًا من الكتب، وكان الملك العادل "نور الدين محمود"، يستشيرها في بعض أمور الدولة الداخلية، ويسألها في بعض المسائل الفقهية. أما العالم الموسوعي "جلال الدين السيوطي" فكان لشيخاته دور بارز في تكوينه العلمي، فأخذ عن "أم هانئ بنت الهوريني" التي لقّبها بالمسند، وكانت عالمة بالنحو، وأورد لها ترجمة في كتابه "بغية الوعاة في أخبار النحاة"، وأخذ –أيضًا- عن "أم الفضل بنت محمد المقدسي" و"خديجة بنت أبي الحسن المقن" و"نشوان بنت عبد الله الكناني" و"هاجر بنت محمد المصرية" و"أمة الخالق بنت عبد اللطيف العقبي"، وغيرهن كثير. ما دفعني لعرض هذه الشخصيات بين يدي القراء هو القصور الواضح الآن لدور المرأة المسلمة في مجال الفتيا ومن المسئول عن غيابها عن هذا المجال؟ هل المرأة نفسها أو الظروف الاجتماعية أو الموروث الثقافي الذي سيطر على المجتمعات الاسلامية ووضع المرأة في صورة معتمة شوه بها ذهنية المرأة والرجل في نفس الوقت، في حين أننا في المرحلة الحالية بحاجة ماسة لأن تعود المرأة المسلمة لما كانت عليه فالحاجة لها في ساحات القضاء أصبحت ماسة على ضوء ما تتعرض له المرأة من اضطهاد وسيطرت الرجل القاضي للفصل في القضايا الخاصة بالعنف ضد المرأة مستند على علمه الشرعي والخروج أحياناً إلى رأيه الشخصي. لقد كان للمرأة المسلمة حضور بارز في المجتمع العلمي الإسلامي، فكانت تتعلم، وتعلم، وترحل لطلب العلم، ويقصدها الطلاب لأخذ العلم عنها، وتصنف الكتب، وتفتي، وتستشار في الأمور العامة، ولم تكن حبيسة منزل أو حجرة، أو أسيرة في مهنة معينة، بل كان المجال مفتوحًا أمامها تظله الشريعة الإسلامية، ويحفه العفاف والطهر. أنني أسعى من خلال هذا الطرح إلى دفع المرأة المسلمة إلى العودة إلى ما كان عليه أسلافها وأن يبذلن جهدهن في تكوين جمعيات هدفها تبني هذه القضية والعمل على تحقيقها ليساهمن في حل قضايا المرأة التي أصبح العنف ظاهرة ضدهن.