أواصل الحديث عن خطورة الكلمة عندما توظف باسم الدين وتحرِّم ما أباحه الإسلام، بلي النصوص، ووضعها في غير مواضعها، مع الاستناد على أحاديث ضعيفة في إصدار أحكامهم، كمؤلف كتاب صوت المرأة، الذي قرر باسم الدين أنّ صوت المرأة عورة، مستثنياً روايتها للحديث، لأنَّه لا يستطيع أن يحرِّمها عليها، وقد روته أمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن، وقد مارست المرأة الفتوى، وتوقفتُ عند ما بلغته من قدر كبير من العلم على مر العصور حتى سمع عنها بعض علماء الأمة وفضلائها، وكانت تجيزهم وتعلمهم، منهن السيدتان عائشة أم المؤمنين، وأسماء بنت عُميس رضي الله عنهما، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسألها عن تفسير المنام، ونقل عنها أشياء من ذلك، والصحابية الجليلة نُسيبة بنت الحارث الأنصارية، كانت من فواضل الصحابة، وقد شهدت غسل ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جماعة من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة يأخذون عنها غسل الميت، والسيدة سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، كانت تجالس الأجلَّة من قريش ويجتمع إليها الشعراء والأدباء فيحتكمون إليها فيما أنتجته قرائحهم فتبين لهم الغث من الثمين، وتناقش المخطئ مناقشة علمية فيقنع بخطئه، ويقر لها بالفضل وقوة الحجة وسعة الإطلاع، وخديجة أم محمد: محدثة، وكانت تغشى الإمام أحمد بن حنبل وتسمع منه ويحدثها، والسيدة أسماء بنت أسد الفرات: وهي من فواضل نساء عصرها في القيروان، نشأت نشأة حسنة، فكانت تحضر مجالس أبيها العلمية، وتشارك في السؤال والمناظرة، واشتهرت برواية الحديث والفقه، وتوفيت سنة 250ه، وفاطمة النيسابورية: عابدة جليلة قال عنها ذو النون المصري: ما رأيتُ أحداً أجلَّ من امرأة رأيتها بمكة يقال لها فاطمة النيسابورية كانت تتكلم في فهم القرآن وتعجبَّتُ منها، وكانت ولية من أولياء الله عزَّ وجل، وهي أستاذتي. وخديجة بنت محمد بن علي الشاهجانية البغدادية: واعظة من واعظات بغداد، سمع عليها الفقيه أبو غالب أحمد بن الحسن بن البنا أمالي ابن سمعون، وتوفيت سنة 460ه، وخديجة بنت القيم البغدادية: كانت قارئة القرآن الكريم، فقيهة متفقهة في الدين، واعظة عقدت مجالس للوعظ والإرشاد، وقرأ عليها خلق تجويد قراءة القرآن الكريم وغيره، وتوفيت سنة 699 ه، وموفقية بنت أحمد بن عبد الوهاب : محدثة ولدت سنة 636ه، وأخذ عنها ابن سيد الناس، وآخرون، وست الكل بنت أحمد بن محمد القسطلانية المكية، سمع منها بمكة التقي الفاسي وابن حجر، وتوفيت بمكة سنة 803ه. وقد أجاز للسخاوي كل من أمة الخالق بنت عبد اللطيف القاهري، وأم أحمد المُرسية، وخديجة بنت عمر بن محمد الحلبية ، وست القضاة بنت أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد: محدثة ذات دين وصلاح، وآمنة بنت محمد الرشيدي القاهري، وآسية بنت جار الله الطبري، محدثة ولدت بمكة، و أخذ عنها الإمام السيوطي، وأجازت للسخاوي. وهناك (شيخات) روى عنهن ابن تيمية.. وفيما يلي نصوص من السلسلة، كما جاءت في مجلد (الحديث) من فتاوى ابن تيمية: أ- «أخبرتنا الشيخة الجليلة الأصيلة أم العرب فاطمة بنت أبي القاسم علي ابن أبي محمد القاسم بن أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر قراءة عليها وأنا اسمع في رمضان سنة 681، وأبو العباس ابن شيبان، وست العرب بنت يحيى بن قايماز». ب- «أخبرتنا الصالحة العابدة المجتهدة أم أحمد زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني، وأحمد بن شيبان، وإسماعيل ابن العسقلاني، وفاطمة بنت علي بن عساكر، قراءة عليهم». ج - «أخبرتنا الشيخة الصالحة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر ابن كامل المقدسية قراءة عليها وأنا أسمع سنة 684، وأبو عبد الله ابن بدر، وأبو العباس ابن شيبان، وابن العسقلاني . نلاحظ هنا أنَّ الإمام ابن تيمية أطلق على أستاذاته لقب الشيخات، هذا اللقب الذي أصبح في عصرنا قاصراً على علماء الدين من الرجال، ونجد المجامع الفقهية وهيئات كبار العلماء قاصرة على الرجال فقط. وهكذا نجد أنَّ علماء وفقهاء ومحدثين تلقوا العلم من عالمات وفقيهات ومحدثات وعلموهن، وهاهو الإمام أحمد بن حنبل يعلم النساء، وتلميذه ابن تيمية سمع من شيخات، وهما أعلم من مؤلف كتاب « صوت المرأة « الذي ختم ما أسماه ببحث فقهي بأنَّ رفع المرأة لصوتها عورة، والجائز هو قصر حديث المرأة إلى الرجل على قدر الحاجة وأمن الفتنة، بل نجده يختم كتابه بقوله: تدريس الرجال للطالبات من وراء الشبكة الصوتية في الجامعات في المرحلة الجامعية، أو الدراسات العليا، فإن الأصل فيه كما سبق أن يكون تدريس النساء من النساء، أمَّا تدريس الرجل فمقيد بالحاجة، ولابد فيه من أمرين : الأول : الاكتفاء بالتبادل الورقي دون المناقشات الصوتية كلما أمكن ذلك، وعند حاجة سماع صوت الطالبات فلابد من عدم تجاوز قدر الحاجة كسماع الطلاب لأصوات الطالبات، فإنَّه من تجاوز قدر الحاجة، الثاني: السعي الحثيث في تحقيق اكتفاء الطالبات بالمعلمات من النساء». وهنا أسأل هل الأئمة الشافعي، وأحمد بن حنبل وابن تيمية والسيوطي وابن حجر والسخاوي وغيرهم كانوا يتلقون العلم من شيخاتهم بالتبادل الورقي، أو بالإشارة، أم كانوا يستمعون إليهن، ويجلسون في مجالسهن؟!. ونجد في طيات كتابه يستدل برأي لابن تيمية يقول فيه إنّ المرأة ليست أهلاً لرفع الصوت، فإنّ ذلك عورة منها»، وهذا فيما يختص بالأذان، وليس بشأن إلقاء محاضرة بالميكروفون، أو عبر الإذاعة والتلفزيون، فالمؤلف يوظف الأحكام والأقوال في غير محلها لخدمة هدفه، فابن تيمية سمع من شيخات، ولو كان يعتقد بأنّ صوت المرأة عورة لما سمع منها. والأكثر من هذا نجد المؤلف يستدل برأي أبو يحي زكريا الأنصاري الشافعي ( ت 926ه) وهو أن تشوِّش صوتها بوضع يدها على فمها أثناء الكلام لأمن الفتنة، ولستُ أدري لمَ تُحمَّل المرأة مسؤولية حماية الرجل من الوقوع في الفتنة، تُحبس في البيت، وتحرم من المشاركة في الحياة العامة لحماية الرجل، والرجل غير مكلف بضبط غرائزه، وغض بصره. عندما حججت مع إحدى الحملات قبل سنوات، وعند نزولنا من الحافلة لأداء طواف الإفاضة، فوجئت بأحد الشيوخ الذين كانوا برفقة الحملة يحثنا نحن النساء بتغطية وجوهنا، وإلاَّ نتحمَّل إثم نظر الرجال إلينا، ولم يحث الرجال على غض البصر، فنحن نتحمل الإثم عن الرجال، هل هذا منطق؟!، إحرام المرأة في وجهها وكفيها، فكيف نطالب بتغطية وجوهنا في الزحام والحر الشديديْن، من أجل حماية الرجل من الفتنة، ويُقال إنَّ المرأة تغلب عاطفتها، وهنا ألا يعتبر هذا انحيازاً من الرجل للرجل، وتطويع الدين لصالحه؟!.