مع الجيل الثالث من لكزس ال اس لم يكبر حجم السيارة ومحركها وحسب، بل كبرت أيضاً قيمة هذه السيارة التي أقضت مضاجع أبرز صانعي السيارات العائلية الكبيرة المترفة، سنوات عدة. وقد جربت "الحياة" هذه السيارة التي بات اسمها ال اس 430 بدلاً من ال اس 400، فأدهشها الهدوء التام الذي تتحلى به. لكن الهدوء، مع لكزس، ليس كل شيء... خلال النصف الثاني من الثمانينات، ابتكرت شركة تويوتا اليابانية فرع لكزس للسيارات المترفة. يومها اعتقد الجميع أن هذه الخطوة لن تكون ناجحة، وان تويوتا ستضطر خلال سنوات قليلة الى إغلاق أبواب شركتها الجديدة هذه. لكن اليابانيين عموماً، وتويوتا خصوصاً، لا يقومون بخطوات عشوائية، فإنشاء شركة سيارات مثل لكزس تطلب من شركتها دراسات عميقة تناولت الجوانب التقنية والتصميمية والاقتصادية... لينتهي الأمر ببروز شركة لكزس، حتى أن شركات عدة كانت تعتمد على الأسواق الأميركية لتسويق سياراتها المترفة، بدأت بإعادة حساباتها في ظل احتكار لكزس المراتب الأولى للمبيعات، سنوات. ويعزى هذا النجاح أساساً الى سيارة سيدان عائلية كبيرة ومترفة حملت تسمية ال اس 400 تميزت يومها بشخصية مستقلة تخفي محركاً جباراً وتقنيات متطورة جداً وقدرات عالية على التحمل، وأنزلت الى الأسواق بسعر متدن جداً مقارنة بمنافستها، ولاسيما الألمانية منها. وسجلت ال اس 400 مبيعات عالية جداً وكثر الطلب عليها إلى درجة كان سعرها عند إعادة بيعها، مستعملة، مرتفعاً جداً. بعدها بسنوات، قدمت لكزس الجيل الثاني من ال اس 400 الذي أكمل مسيرة نجاح الجيل الأول قبل أن تبدله، منتصف العام الجاري، بالجيل الثالث الذي حمل تسمية ال اس 430 والذي طورته الشركة بعدما أخذت في الاعتبار عدداً من العوامل، أبرزها دراستها الوافية التغييرات الطارئة على صعيدي الأسواق والمنافسة. كذلك درست لكزس عدداً من الماركات المترفة التي لا تتعلق بالسيارات، وأعادت تعريف أسس الترف والفخامة لتطبقها في ال اس 430 الجديدة. ومن ناحية أخرى، أعادت تقويم طراز ال اس بالكامل وأسست لجنة داخلية تولت مهمة وضع مقاييس جديدة للنوعية والقدرة على التحمل لتعود في النهاية وتركز خلال تصميمها الجيل الجديد من ال اس، على توفير تصميم جذاب، قلباً وقالباً، معتمدةً مبدأ جديداً ينص على تخطي العقبات الهندسية لتأمين الأفضل للسائق. وحمل هذا المبدأ تسمية يت YET أو ما معناه باللغة العربية "ولكن". والمقصود هنا، على حد قول مسؤولي لكزس، ينحصر في الأمثلة الآتية: ناعمة ولكن قوية، هادئة ولكن سريعة، مريحة ولكن ثابتة، مشحونة بالتكنولوجيا ولكن سهلة الاستعمال... بعد سنتين كاملتين من العمل في استوديوهات التصميم التابعة للكزس في كل من اليابان وأوروبا وأميركا، وضع المصممون 16 نموذجاً من الطين بمقياس 1 / 1 بنيت مع الوضع في الاعتبار أن قاعدة العجلات سيزيد طولها 75 ملم، في وقت ستبقى القياسات الخارجية للسيارة على حالها، باستثناء الارتفاع الذي سيزداد بدوره 55 ملم، والعجلات المعدن التي ستصبح بقياس 17 إنشاً. وبعد اختيار النموذج النهائي الذي ستبنى السيارة على أساسه، اختُبر في نفق الهواء الخاص بالقطارات اليابانية السريعة جداً، لتأمين أفضل انسيابية ممكنة، لتصل ال اس 430 الجديدة الى نسبة جر تبلغ 0.26 وهي نسبة لم تتمكن أي سيارة يابانية مترفة من الوصول إليها. وعلى رغم أن التصميم الخارجي جديد كلياً، لا يزال الجيل الجديد يرتبط بالجيل السابق من الناحية التصميمية، خصوصاً لجهة تصميم الواجهتين الأمامية والخلفية اللتين حافظتا على معالم ال اس 400 في قالب محدث، تم فيه تبديل الأشكال الحادة بأخرى اكثر دائرية. ففي الواجهة الأمامية، تم تبديل المصابيح الأمامية بأخرى مستطيلة ومثلثة في آن تتداخل مع غطاء المحرك والرفاريف، وغطيت بزجاج شفاف بعد تحسين مستوى إنارتها. وبين هذين المصباحين، وضعت لكزس فتحة التهوئة الأمامية التي تقوم على سبعة قضبان أفقية متوازية ومطلية بالكروم اللماع، يتوسطها شعار لكزس. وهذا الكروم طاول أيضاً الجزء العلوي من الصادم الأمامي الذي زود أسفله فتحة تهوئة مستطيلة الشكل، مهمتها الاسهام في تبريد المحرك، ومصابيح إضافية جانبية وعاكس هواء صغيراً ومدمجاً، مهمته التحكم بمجرى الهواء حول السيارة وتحتها على السرعات العالية لزيادة تماسك جزئها الأمامي. وهنا لن نستفيض في وصف الشكل الخارجي، تاركين المهمة للصور المرفقة، ومفضلين التركيز على ما لا تراه العين المجردة. عندما يتعلق الأمر بعوامل السلامة، تضع شركات صناعة السيارات سلامة ركابها ضمن أولوياتها، لكن لكزس قررت الذهاب الى أبعد من ذلك. فإلى صلابة الهيكل وأرضيته اللتين تتفوقان على المقاييس العالمية، تعمل وسائل السلامة على حماية ركاب ال اس 430 وركاب باقي السيارات وحتى المشاة. فتصميم الهيكل وصفائحه المعدن الخارجية يخفف من الضرر الذي يصيب السيارات الأخرى عند اصطدامها ب ال اس 430، في وقت يعمل غطاء المحرك على خفض مخاطر الإصابة في الرأس في حال اصطدمت بأحد المشاة، فضلاً عن أن الزجاج الأمامي صمم ليمنع الانبهار الضوئي في الليل. أما ركاب ال اس 430، فسيتمتعون بالحماية القصوى بسبب الهيكل المصمم خصيصاً لامتصاص الصدمات وابعادها عن المقصورة المزودة أحزمة أمان بنظام شد تدريجي، وآخر مخفف للضغط، ومخدات هواء أمامية وجانبية وستائر هوائية جانبية لا تعمل في حال كان المقعد التابع لها خالياً، ومساند رأس نشطة تخفف من قوة الصدمة على رؤوس الركاب وبالتالي على أعمدتهم الفقرية. "السكوت من ذهب"... في الموقف الذي ركنت فيه ال اس 430، سيارات عدة منها واحدة وضعت في تصرف "الحياة" لتجربتها. اقتربنا منها، فتحنا الباب وجلسنا في مقعد السائق. أول ما استرعى انتباهنا الدقة المتناهية في جمع أجزاء المقصورة، لنعتقد لوهلة أنها مصنوعة من قطعة واحدة، كأنها صبت في قالب واحد. أغلقنا الباب وأدرنا مفتاح تشغيل المحرك. نظرنا حولنا بعد تشغيل مكيف الهواء الإلكتروني وانتبهنا فجأةً الى أن الهدوء حولنا تام، ونظرنا إلى عداد دوران المحرك للتأكد من أن المحرك يعمل. ضغطنا على دواسة التسارع الى أن وصل عداد دوران المحرك الى 5000 دورة في الدقيقة، عندها سمعنا صوتاً خفيفاً. الحقيقة أننا شعرنا بقشعريرة مصدرها الإحساس بأننا نعاني مشكلة سمع. فتحنا باب السيارة وسمعنا أصوات الضجيج الخارجي فراودنا شعوران: الراحة الكبيرة لأن سمعنا سليم، والمفاجأة التي يمكن ردها الى العمل "الخارق" الذي قام به مهندسو لكزس لجهة العزل الصوتي الهائل في ال اس 430. ... والمقصورة من الألماس! "المقصورة الألماسية" هو بالفعل اللقب الذي يمكن إطلاقه على مقصورة ركاب ال اس 430 فالجلد الفاخر والخشب المصقول يسيطران عليها ويلفانها من كل حدب وصوب بدءاً من لوحة القيادة مروراً ببطانات الأبواب والمقاعد، وصولاً الى أرضيتها المبطنة بأفخر أنواع السجاد الذي حفر عليه اسم لكزس وشعارها. لوحة القيادة تضم تجويفاً للعدادات لا يمكن رؤيتها إلا بعد تشغيل المحرك، فتظهر العدادات المتكاملة والمؤشرات الضوئية. الكونسول الأوسط الذي يضم مخارج هواء المكيف ومكيف الهواء الإلكتروني وجهاز الاستماع الموسيقي المتطور، مصنوع من مواد بلاستيك عالية الجودة. الجزء السفلي منه مبطن بالخشب المصقول الذي يطاول الأقسام العلوية من لوحة القيادة أيضاً، ويمتد ليشمل قسماً من بطانات الأبواب الأربعة، إضافة الى أجزاء من المقود ومقبض علبة التروس الأوتوماتيكية. الكروم يغطي مقابض فتح الأبواب وقضيب مقبض علبة التروس وشعار لكزس على المقود. أما الجلد الفاخر... ففي كل مكان. الرحابة في الداخل لا توصف. وإذا كانت ال اس 400 القديمة تتميز برحابة مقصورة ركابها، فكيف الحال مع ال اس 430 التي ازداد طول قاعدة عجلاتها 75 ملم وارتفاعها 55 ملم؟ وعلى رغم هذه الرحابة التي تمكنك من تمضية وقت ممتع ومريح مع أربعة من زملائك داخل المقصورة، تستطيع، سائقاً كنت أم راكباً، الوصول الى ما تحتاج إليه في سهولة بالغة. فمواقع مفاتيح تشغيل مختلف الأجهزة مدروس بعناية كبيرة، من اجل راحتك القصوى، ولو كنت جالساً في وسط المقعد الخلفي. ثم أن الجيوب الخاصة بتوضيب الحاجات الصغيرة منتشرة في أنحاء المقصورة. لا تجهيزات إضافية! وسائل الترف والراحة كثيرة جداً. فدخول السيارة يتم عبر بطاقة تمكنك أيضاً من تشغيل المحرك. وفي حال لم تغلق الباب جيداً أو في حال نسيت غطاء صندوق الأمتعة مفتوحاً، هناك جهاز إلكتروني لتولي المهمة. أما في حال كنت من المقيمين في إحدى دول الخليج، خلال الصيف، فلن تشعر بالحرارة الهائلة بفضل مكيف الهواء الذي يمكنه تحويل المقصورة براداً متجولاً في سرعة هائلة، ولا بالعرق يتصبب من ظهرك بسبب الجلد الذي يغطي المقاعد، إذ يمكنك التحكم بحرارتها. من جهة أخرى، لن تحتاج الى تشغيل ماسحات الزجاج في حال انهمر المطر لأن أجهزة الاستشعار ستتولى ذلك عنك تلقائياً. ثم أن جهاز تحديد العقبات سينذرك بوجود عقبات غير مرئية حول السيارة وخلفها. أما في حال اضطررت إلى إعارة السيارة الى أحدهم، فلن تقع في متاهات إعادة برمجة وضعية مقعدك ومقود سيارتك، لأن الذاكرة الرباعية للوضعيات ستقوم بذلك بدلاً منك، فلا يتوجب عليك القيام بشيء إلا الضغط على مفتاح الذاكرة المناسب في الباب. وأما إذا كنت من محبي الموسيقى، فعليك ب ال اس 430 لأن جهاز الاستماع الموسيقي الخاص بها والمزود قارئ أسطوانات مدمجة يشعرك أنك في حفلة موسيقية حية، بسبب مكبرات صوته الموزعة في شكل مدروس، والتي يمكنها توفير قوة صوتية تبلغ 520 وات. يبقى أخيراً أن نشير الى أن مقاعد السيارة مزودة أنظمة أوتوماتيكية تدلك ظهور الركاب للتخفيف من عناء الرحلات الطويلة. 332 حصاناً في تصرفها المحرك الوحيد الذي قررت لكزس توفيره لجديدتها هذه، يتألف من ثماني أسطوانات على شكل 7، سعة 4.3 ليتر، وهو مزود أربعة صمامات لكل أسطوانة تعمل عبر أربعة أعمدة كامة تشتغل بمساعدة نظام خاص لتعديل توقيت عمل الصمامات ال 32، لتوفير قوة 332 حصاناً يستخرج حدها الأقصى عند 5600 دورة في الدقيقة، بالتناغم مع عزم دوران تصل حدوده القصوى الى 50.4 م كلغ عند 3400 دورة في الدقيقة. ولاحظنا خلال التجربة مدى ليونة هذا المحرك التي بدت واضحة بتمكننا من بلوغ سرعة 100 كلم/س في 6.3 ثانية، لنصل بعدها الى سرعة 220 كلم/س من دون أن نستطيع بلوغ السرعة القصوى بسبب قوانين السير التي تمنع تعدي سرعة 220 كلم/س بسبب الرياح الجانبية. وسجلت هذه الأرقام مع علبة التروس الأوتوماتيكية ذات النسب الخمس الأمامية التي تعجبنا لعدم توافرها بالنظام المتتالي لتبديل النسب، لنعود فنعلم أن لكزس زودت علبة التروس هذه عدداً من المكونات الإلكترونية التي تراقب معطيات الطريق وأسلوب القيادة وتتكيف معهما في تبديلها نسبها الخمس المتزامنة، علماً أن تبديل النسب يتم بنعومة عالية حتى في حالات القيادة الرياضية السريعة. ويتم نقل الحركة الى العجلات الخلفية الدافعة التي تخفي تعليقاً مستقلاً في الخلف والأمام قوامه الشعب المزدوجة التي توفر ثباتاً متقدماً من دون أن يكون ذلك على حساب راحة التعليق التي عززتها لكزس، بعدما اعتمدت الألومنيوم في أنظمة التعليق وعدلت هندسته بما يتناسب والسيارات المترفة. وتم تعزيز التماسك عبر تزويد ال اس 430 جهازين لمنع غلق المكابح وللتوزيع الإلكتروني لقوة الكبح إضافةً الى نظام للتحكم بالتماسك. حسان بشور [email protected]