رغم أن يوسف شاهين أكد أنه تعمد في فيلمه الجديد "سكوت ح نصور" أن يقدم عملاً خالياً من السياسة بعيداً عن التعقيد والايديولوجيات، وأنه أعدّ فيلماً رومانسياً يشيع الحب بين الناس بمزيج من الكوميديا والغناء والاستعراض، لكن المشاهدين استشفوا ان شاهين 76 عاماً لم يستطع أن ينزع السياسة عن جلده. الاكيد أن جديد شاهين لن يثير جدلاً بمقدار ما أثاره "المهاجر" الذي صدر حكم قضائي بحظر عرضه، أو فيلمه الآخر "المصير" الذي أوقعه في صراع مع الإسلاميين الذين اتهموه بالإساءة إليهم وتشويه صورتهم. بدا شاهين في "سكوت ح نصور" مثل محارب قديم يسعى الى التخلي عما اعتاد عليه وما عوّد الناس عليه ليمتطي حصان العصر، لكن أفكاره فرضت نفسها عليه وعلى المشاهدين. ففي الظاهر بدت الفكرة سهلة: أحداث تدور حول المطربة "ملك" التي جسدت شخصيتها المطربة لطيفة في أول تجربة سينمائية لها وعلاقتها بأمها ماجدة الخطيب وابنتها روبي، ومن خلال النساء الثلاث عرض المخرج مراحل مختلفة من تاريخ مصر. بداية الفيلم أوحت بمناخ سياسي يرجح ان شاهين لم يقصده، فالمطربة "ملك" تظهر في حفل غنائي تشدو بأغنية للشاعر جمال بخيت ربما كانت كلماتها بسيطة لكنها في النهاية تدخل في خانة الأغاني الوطنية المصرية "تعرف بالعربي تنادي باسم الله وباسم بلادي... نورك يلف ويسري يبقي انت اكيد المصري... تعرف تتكلم بلدي وتحب الورد البلدي وتعيش الحلم العصر يبقى أنت أكيد المصري"، ومع موسيقى راقية لعمر خيرت ولكنها صاخبة وجد الحضور انفسهم يسمعون: "محفوظ بيغني يا ليل مع دقة قلب زويل وحليم في الهوى دوبنا على قد الشوق والميل، ثومة غنواية جيل ورا جيل... قادر على أي تحدي". تصور الناس انهم مقبلون على وجبة سياسية ضخمة لكنهم لاحظوا مع توالي مشاهد الفيلم وأحداثه انهم أمام "حدوتة" بسيطة. فالمطربة ذات الثراء والجاه التي تنتمي الى اسرة ارستقراطية تقع فريسة شاب انتهازي يعكس سلوكه الاوضاع القائمة، ومقابل غناء "ملك" الراقي حين اراد الغناء محاولاً تسلق نجاحها اختار كلمات ركيكة ولحناً باهتاً وارتدى ما يعكس طبعة العصر وتفاهته وغنى "تيك اوي تيك اوي... وكله اوام"، تتضافر جهود اسرة المطربة لانقاذها وتعرية ذلك الانتهازي، وبالطبع كانت النهاية سعيدة. تناثرت السياسة والايديولوجيات عبر احداث الفيلم. فشاهين اختار اسم عبد الناصر لابن سائق سيارة الاسرة مصطفى شعبان الذي يرتبط بعلاقة عاطفية مع ابنة المطربة وحين يدور حديث بينه وبين الجدة التي تنتمي الى طبقة ما قبل الثورة تشير الى انها تزوجت من سائق في عهد الثورة كان اشتراكياً استفاد من مزاياها ولما جاء الانفتاح مع السادات صار انفتاحياً وامتلك قصوراً هنا وهناك، وحين يرد عليها ساخراً: "يمكن كمان عندكم فيللا في تل ابيب" ترد في حدة: "اخرس إحنا طول عمرنا وطنيين". عبر شاهين عن حال مصر حين عرض لحياة الاسرة وعلاقتها بعضها ببعض وبالآخرين فزوج المطربة الذي ينوي تطليقها محام كبير لكن له ايضاً "البيزنس" الخاص به وحين تفاتحه ابنته برغبتها في الزواج من ابن السائق الحاصل على الماجستير يرد: "هي دي أيام ماجستيرات"؟ كالعادة طرح شاهين في جديده جديداً، فإضافة الى اختياره لطيفة لدور البطولة اطل على جمهوره بلحن لاحدى اغنيات الفيلم وثلاثة وجوه جديدة ومشاهد كوميدية راقية اعتمد فيها على خفة ظل الممثل احد بدير الذي جسد شخصية سيناريست استغل خبراته في رسم خطة الخلاص من الحبيب الانتهازي بعدما وزع ادوارها على اقارب المطربة ملك والمقربين منها. ويبدو أن شاهين، الذي أكد انه لم يقصد فيلماً سياسياً، اراد ألا "يعكنن" على جمهوره بمشاهد مأسوية أو بصراع حاد بل انه لم يدن الشاب الانتهازي، لكن فيلمه يدور عملياً حول شيوع الانتهازية.