بمبادرة من مثقفين مصريين معظمهم روائيون ونقاد أدب وقليل منهم سينمائيون اختار المجلس الأعلى للثقافة بمصر أن ينظم ندوة عنوانها " يوسف شاهين في عيون المثقفين " لتقييم مسيرة المخرج المصري الذي رحل في نهاية يوليو تموز الماضي تاركا أفلاما بارزة وجدلا لم ينته . وفي الندوة التي افتتحت الاحد واختتمت الثلاثاء وصفه بعضهم بأنه " الرائد الخالد " لكن آخرين حذروا أن يتحول شاهين الى أسطورة . فأستاذ الأدب بجامعة القاهرة عبد المنعم تليمة قال ان شاهين " علا نجمه " بسرعة منذ عام 1950 حين قدم فيلمه الأول " بابا أمين " وظل هذا الصعود رغم ما شهدته العقود الأخيرة من " هبوط الفن السينمائي وعثراته فان هذا الرائد الخالد قد حمل بدأب وصبر العبئين ..عبء الابداع وعبء تصويب المسار ." وأضاف في ورقة عنوانها " يوسف شاهين وإبداع المستقبل " أن أعمال شاهين أصبحت بعد رحيله تُراثا يمكن قراءته من زوايا مختلفة لوضعه في المكان اللائق مصريا وعالميا حيث " يمضي التراث الشاهيني مواكبا تطور الفن السينمائي في مواكبة معجزة " لأسباب كثيرة منها قدرته على التجريب واستشرافه المستقبل . ولكن الناقد أيمن بكر الذي شدد على أن شاهين مثل " نجيب محفوظ وعبد الوهاب المسيري أسماء لأشخاص لا ينتهون " حذر أن يتحول شاهين الى أسطورة . واستعرض " الوجود القلق " في أفلام شاهين منذ " بابا أمين " الذي يتداخل فيه عالم الأحياء وعالم الارواح بشكل يدفع المشاهد الى " التوتر والقلق والدهشة الممتعة وهي السمات التي تعبر عن وعي شاهين بالعالم " في معظم أفلامه ومنها " سيدة القطار " الذي أدت فيه ليلى مراد دورين فكانت حية في الواقع وميتة في نظر ابنتها ثم يمتد الخط الى فيلم " الاختيار " الاكثر تعقيدا . ويدور فيلم " الاختيار " في عالمين مختلفين الاول أرستقراطي مستقر وفيه يتمتع مثقف باحترام الناس ويحظى بجوائز رسمية والعالم الثاني شعبي صاخب يعيش فيه شقيقه أو توأمه وهو عالم تثار فيه أسئلة عن الوجود والمصير والحب والحياة والموت والحرية .وحين يختفي أحد التوأمين ويرجح المحقق أن أحدهما قتل الآخر تتجه أصابع الاتهام تلقائيا بالإدانة الى الأخ الفقير الذي يعمل بحارا ثم يتضح في النهاية أنه قُتل على يد الارستقراطي الشهير . وقال بكر ان شاهين في " الاختيار " كان ضد القيم التقليدية المتعارف عليها حيث بدت " الحرية هي القيمة الأغلى التي تقلب القيم المستقرة والتي جعلت من عالم البحار عالما أسطوريا يتفوق سحره على كل الامتيازات التي يتمتع بها الاخ الكاتب " الذي قتل البحار واحتل عالمه وسبب إرباكا " مقصودا " للمشاهد . وتوقف أمام ملمح آخر هو " طريقة الاداء المتكرر التي كان شاهين يفرضها على ممثليه " ويتمثل في توتر حركات الشفاه ونطق سريع تتداخل فيه الحروف في أفلام كثيرة منها " اليوم السادس " و " الوداع يا بونابرت " و " حدوتة مصرية " و " اسكندرية كمان وكمان " و " المصير " و " الآخر " و " سكوت ح نصور " مفترضا أن بين شخصيات هذه الأفلام تباينا واضحا لكنهم " يتحركون ويتكلمون بطريقة تكاد تتطابق فالكلام جاهز على طرف الألسن وردود هذا الكلام أيضا جاهزة لا تكاد الشخصية تتردد قبل النطق بها كما أن حركة الشخصيات تتوازى مع حضور الكلام من حيث سرعتها وتحديدها ." وفسر طريقة الاداء التي " فرضها " شاهين على الممثلين بأنها نوع من التعامل المتعسف " الدكتاتوري مع اللغة .يبدو كمن يطلق اللغة بلا تردد ...هي حالة القلق الوجودي التي تتجسد في رغبة عميقة في إلقاء ما في الوعي سريعا ربما أملا في السيطرة عليه أو اختباره أو الوصول الى يقين أحسب أن شاهين لم يصل اليه " وهي صورة عكسية لما يسميه الهدوء القاتل لاداء ممثلي المسلسلات التلفزيونية في الدراما المصرية من حيث الثقة التامة في إلقاء الحوار الهادئ . والندوة تناقش محاور منها " يوسف شاهين ..انتزاع لحظة للخلود " و " العائدون الى أرض الفانتازيا من وحي يوسف شاهين " و " يوسف شاهين أمير ثقافة البحر المتوسط " و " فنان عظيم وأخطاء تراجيدية " .