نحن غافلون عن ادراك ما يدور حولنا والانشغال بالنقاش حول نسبة 9 أو 13 في المئة من الضفة، بينما تقدم اسرائيل، في الذكرى الخمسين للنكبة، على عمل لم تجرؤ عليه من قبل، وهو تقسيم أراضي اللاجئين بين المستأجرين لها من سكان الكيبوتز وبيعها لهم لاقامة شقق لاسكان المهاجرين الروس وغيرهم. تبلغ مساحة الأراضي الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل عام 1948 قرابة 18.643 كم2 أو ما يساوي 92 في المئة من مساحة اسرائيل، وبلغت مساحة أراضي اليهود عند اعلان الدولة 1.682 كم2، وهذه تشمل الأراضي المسجلة لهم وأراضي وضع اليد والأراضي الممنوحة لهم بامتياز من حكومة الانتداب البريطاني. بعد الاحتلال وضعت اسرائيل الأراضي الفلسطينية تحت سلطة "دائرة أملاك الغائبين"، وتم استغلالها لحساب أصحابها "الغائبين"، وهي هنا تعني اللاجئين الذين تركوا "اسرائيل" وتشمل كذلك المقيمين الذين هجرتهم من ديارهم الى مناطق أخرى داخل فلسطين. وفي السنوات العشر الأولى من اعلان الدولة، حصل خلاف شديد على نهب الأراضي بين الصندوق القومي اليهودي ودولة اسرائيل، اذ ادعى الصندوق ان له الحق في حيازة هذه الأراضي "باسم الشعب اليهودي في كل مكان والى الأبد"، بينما ادعت دولة اسرائيل أنها الأحق بذلك نتيجة بطولة قواتها. وتوصل الطرفان الى اتفاق عام 1961 بأن وضعت اسرائيل مجموعة من "القوانين الأساسية" تستغل بموجبها تلك الأراضي حسب قواعد الصندوق القومي اليهودي، تضاف اليها أراضي الصندوق وتدار كلها بواسطة "ادارة اسرائيل للأراضي" التابعة للحكومة. وعلى سبيل الترضية، حولت اسرائيل أراضي فلسطينية محتلة الى اسم الصندوق، وزادت حيازته من 936 كم2 في أيار مايو 1948 إلى 3.400 كم2 عام 1956 أي حوالي 4 مرات. وقامت "إدارة اسرائيل للأراضي" بتأجير الأراضي الفلسطينية للكيبوتز بعقد مدته 49 سنة لا يسمح بموجبه التصرف بالأرض إلا الى جهة يهودية، ولا يجوز لعربي في اسرائيل تأجير هذه الأرض. حتى حرب 1967، حافظت اسرائيل على هذا الوضع تحسباً لحرب جديدة أو تسوية يتم بموجبها تبادل الأراضي أو التعويض عنها. بعد انتصار اسرائيل في 1967 شعرت بقوتها، فأقدمت تدريجياً على اضافة القوانين التي تخولها تحويل الأرض الفلسطينية الى ملكية الدولة المباشرة تحت ذريعة "المصلحة العامة"، وطُبق ذلك خصوصاً على الأراضي العامة التي لم تكن مسجلة باسم أفراد. وكلما انتصرت اسرائيل في حرب، أو وقعت اتفاق سلام مع دولة عربية، ضربت عرض الحائط بالحقوق الفلسطينية. مثلاً بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد صادرت اسرائيل أرضاً عربية في تل الملح شرق بئر السبع لبناء مطار دفعت نفقاته الولاياتالمتحدة. وعند توقيع اتفاق أوسلو، ازداد النهب الاسرائيلي لأراضي 1948، وبدأ تطبيق خطة وضعها وزير البنية التحتية اريل شارون ووزير الزراعة السابق رفائيل ايتان. منذ النكبة، توزعت غالبية أراضي اللاجئين على الكيبوتزات ومنذ الخمسينات وبداية هجرة اليهود الشرقيين ثم الروس، تناقص اعضاء الكيبوتز وفتر حماسهم، وأخذوا يهاجرون من الأطراف والحدود الى المنطقة الوسطى. وفي الثمانينات، نقص عمال الزراعة من 6.4 في المئة إلى 4.7 في المئة من القوة العاملة. وهَجَر السكان كثيراً من الكيبوتزات التي أثقلت الديون كاهلها ولم تعد مجزية اقتصادياً. وبلغت نسبة الكيبوتزات الناجحة 26 في المئة من المجموع، وهي التي تنتج 75 في المئة من المحصول الكلي على رغم أنها استغلت الأرض والمياه من دون حساب وبأقل التكاليف. وهبط الناتج الزراعي من 7.9 في المئة من الناتج المحلي عام 1983 إلى 2.4 في المئة منه عام 1994، وأصبح يمثل 4 في المئة فقط من الصادرات. ولذلك فإن العماد الاقتصادي والعقائدي للصهيونية: الكيبوتز هو مثل اتفاق أوسلو، في عداد الموتى. لهذا وضعت اسرائيل خطة عام 1997 لتحويل الأرض الفلسطينية الى أراض للمبان. وغرض الخطة هو استيعاب المهاجرين الروس، وتفتيت الاتصال بين القرى الفلسطينية الحالية في اسرائيل، وتحويل الكيبوتز الفاشل الى قوة اقتصادية كبيرة. وفي العام الماضي صدر القرار رقم 533 الذي يسمح للمزارعين الاسرائيليين بتحويل "أراضيهم" الى مبان مقابل حصولهم على تعويض عن نسبة 20 في المئة من تلك الأراضي بأسعار خيالية، ويسمح لهم كذلك بإعادة شراء جزء من تلك الأراضي بمبلغ 15 في المئة من سعرها عند التعويض. وسارع كثير من المزارعين المفلسين الى الاستفادة من هذا القرار فأصبحوا بين يوم وليلة أثرياء. لذلك حاولت الحكومة التخفيف من ذلك بتعديل القرار، فصدرت سلسلة من القرارات: 611 ثم 620 ثم 727 الذي يسمح بالتعويض عن نسبة تختلف باختلاف المكان، ثم شراء الأرض بنصف قيمتها الأساسية. وطالب سكان الكيبوتز بشراء ما لا يقل عن 24 في المئة من الأرض بسعر 3.75 في المئة من قيمتها من الاعفاء من الرسوم. وطالبوا بأن تحول الأرض الى إرث لهم ولاحفادهم شخصياً وهم مجرد مستأجرين لم يدفعوا أكثر من 150 دولار في السنة كايجار بغض النظر عن مساحة الأرض. ونظراً لأن الملكية الفردية تتناقض مع مبدأ الصهيونية بأن الأرض "ملك للشعب اليهودي" قامت جهات صهيونية مثل الصندوق القومي اليهودي بالاعتراض على ذلك، ونبه الصندوق الى خطورة هذا الأمر بأن العرب قد يستطيعون إعادة شراء هذه الأرض من شخص يهودي متعاون. وقام بعض غلاة الصهيونية بتحطيم بيت يهودي في اللد لأن صاحبه باع بيته الذي يملكه قبل هذا القرار الى أسرة فلسطينية من الجنسية الاسرائيلية. فاضطرت الحكومة الى قبول القرار وعينت لجنة برئاسة البروفسور بواز رونين لبحث أفضل الوسائل لبيع الأراضي الفلسطينية وبأي نسبة وفي أي مكان. وفي حزيران يونيو 1997 أصدرت اللجنة توصياتها كحل وسط بين المطالب المتناقضة. وفي مطلع العام الجاري صادقت على ذلك لجنة من مكتب رئيس الوزراء برئاسة موشى ليون. وبذلك أصبحت "ادارة اسرائيل للأراضي" أكبر مورد للأموال الى خزينة اسرائيل من بيع الأراضي الفلسطينية. وفي عام 1997 وردت الادارة الى الخزينة مبلغ 700 مليون دولار. من المفارقات ان اسرائيل تدعي أن كافة الأراضي الفلسطينية لا تساوي أكثر من 100 مليون دولار عند الحديث عن تعويض اللاجئين. وبموجب ذلك، وضعت خطة لنقل ملكية 700 ألف شقة من الأملاك الفلسطينية الى أفراد يهود. وخطط شارون في العام الماضي لانشاء 50 ألف وحدة سكنية، تم بيع 30 ألفاً منها. ومنذ عام 1990 تحول نصف مليون دنم منها 140 ألفاً في الوسط من أراض زراعية الى أرض مبان. وتخطط اسرائيل لمضاعفة الأراضي المحوّلة الى الضعف خلال 20 عاماً. ودخلت في المعركة لنهب أراضي اللاجئين 3 شركات كبيرة للشحن تستأجر 40 ألف دنم من أجود الأراضي في وسط البلاد ذات الكثافة العالية. وسُمح لهذه الشركات الثلاث باستلام التعويض عنها وتحويل 24 في المئة منها الى مبان. وقدرت قيمة هذه الأراضي المنهوبة بمبلغ 3 بلايين دولار. تبنت الوكالة اليهودية مشروعاً جديداً نشرته "هارتس" في 13/3/1998 يهدف الى محاصرة الفلسطينيين في اسرائيل ومنعهم من النمو الطبيعي، وتشجيع اليهود من الدول الغنية على تملك بيوت وأراضٍ في اسرائيل، حتى لو لم يهاجروا إليها أو يسكنوا فيها. وأوكلت الوكالة الى "ادارة الأراضي" بناء 1200 وحدة سكنية في المناطق العربية في اسرائيل وحولها، تحت برنامج اسمه "إبن بيتك". وستخصص هذه الوحدات لمهاجرين أو حتى مواطنين يهود من الولاياتالمتحدة واستراليا وبريطانيا وجنوب افريقيا. وأكد وجود هذا المشروع رئيس دائرة اسرائيل في الوكالة اليهودية يغال يروشالمي، واقترحت الوكالة اليهودية منح كل اليهود في العالم الجنسية الاسرائيلية من دون اشتراط طلبهم لهذه الجنسية أو اقامتهم فيها. وبموجب ذلك يحق لأي يهودي في العالم تملك أرض أو بيت فلسطيني أينما كانت اقامته. وتفتق ذهن اسرائيل عن انشاء طريق سريع رئيسي يوازي الساحل، ويمتد داخل البلاد من الجليل في الشمال الى بئر السبع في الجنوب محاذياً لخط الهدنة مع الضفة الغربية، ويخترق المناطق الفلسطينية في الجليل والمثلث الصغير والنقب. وغرضه الواضح مصادرة مساحات كبيرة مما تبقى للفلسطينيين من أراضٍ، وتفتيت تواصلهم الجغرافي، كما يجري تطبيقه اليوم في الضفة الغربية. وفي شباط فبراير 1998 تم توقيع عقد مع مجموعة اسرائيلية كندية لبناء المرحلة الأولى من هذا الطريق، الذي يبلغ طوله الكلي 300 كلم. وهذا المشروع جزء من خطة "النجمة" التي وضعها شارون في الثمانينات، ولم يتمكن من تنفيذها حتى اليوم. وتدعو الخطة الى اقامة مجموعات استيطانية متكاملة حول القرى الفلسطينية في اسرائيل وخنق تمددها الطبيعي. وتمت مصادرة أكثر من نصف أراضي الفلسطينيين المواطنين في اسرائيل، وقطعت الخدمات عن عدد من القرى، ومسحت من الخرائط بذريعة أنها غير مرخصة وغير معترف بها. لذلك أسست "جمعية الأربعين" للدفاع عن حقوق نحو 40 قرية لا تعترف بها اسرائيل. وبدأت في النقب حملة شنها ايتان وشارون على الفلسطينيين هناك لمصادرة أراضيهم. وتجتاح الدوريات التابعة لوزارة الزراعة مزارع الأهالي وتقتل أغنامهم. وفي آذار مارس 1998 رشت الطائرات مزارع العزازمة بالمبيدات الحشرية لقتل الزرع. ورُفعت أمام المحاكم الاسرائيلية عدة قضايا لاسترجاع الأراضي التي صادرتها اسرائيل منها قضية الهواشلة والأسد وأبو جابر والخرطي وأبو وادي ومجلس تل السبع. وفي 10/5/1998، قدم عضو الكنيست طلب الصانع "لائحة اتهام" الى الأمين العام للأمم المتحدة ضد دولة اسرائيل، يذكر فيها ان اسرائيل صادرت عبر السنوات 97 في المئة من أراضي عرب النقب وهدمت بيوتهم وقتلت ماشيتهم ومنعت عنهم المياه والخدمات الصحية والتعليمية. ويخطط شارون لاسكان 2.5 مليون يهودي في الجنوب، بادئاً بتوطين 700 ألف بانشاء 6 مدن تطويرية في النقب وعلى حدود خط الهدنة مع الخليل، لمنع التواصل المحتمل في المستقبل بين الضفة قريباً من الخليل وبين غزة. وإذا ما استمر الحال على ذلك، فإن أراضي اللاجئين الغائبين ستنتقل ملكيتها بالتدريج من القيم على "أملاك الغائبين" الى عدد كبير من الأفراد والجهات اليهودية في اسرائيل والخارج، ما يجعل تحديد هويتهم ومكانهم ووضعهم القانوني في غاية الصعوبة. وتتخذ اسرائيل هذه الحجة لمنع عودة اللاجئين باعتبار أن هذه العودة ستخلق موجة معاكسة من اللاجئين اليهود. وكان الوضع السائد قبل تحويل ملكية الأرض الفلسطينية الى يهود مناسباً للمحافظة على حقوق اللاجئين، إذ يمكن أن تعود حيازة الأرض من القيّم على الأراضي الفلسطينية الى أصحابها بقانون واحد، وتلغى عقود الايجار مع مزارعي الكيبوتز الذين لا يملكون الأرض بل يستغلونها. وعددهم اليوم 157 ألف شخص يستغلون أرضاً مساحتها 92 في المئة من اسرائيل هي ملك 4.900.000 لاجئ. وحيث أن 80 في المئة من سكان اسرائيل يسكنون في 15 في المئة من مساحتها فقط، وأن الغالبية الساحقة من الباقين تتكدس في مدن قليلة، فإن أراضي اللاجئين الفلسطينيين تعتبر شبه خالية في الوقت الحالي. لذلك فإن على المنظمة والجامعة العربية والدول المتعاطفة مع فلسطين مسؤولية كبيرة في منع استمرار نهب الأراضي الفلسطينية، وذلك باصدار قرار دولي على غرار الاقتراح الذي قدم للأمم المتحدة عام 1964 عندما قدم جارفز - خبير الأراضي لدى لجنة التوفيق في فلسطين - تقريره، وذلك بتعيين قيّم من قبل الأممالمتحدة على أراضي الفلسطينيين. ويمكن اقتراح الخطوات الآتية: 1- الطلب الى الأممالمتحدة ارسال "بعثة تقصي الحقائق" لتحري أوضاع الأراضي الفلسطينية واستعمالاتها وعائدها والصورة القانونية لملكيتها أو استغلالها، والحصول على نسخ كاملة من جميع الوثائق والخرائط الموجودة لدى "الادارة الاسرائيلية للأراضي". 2- الطلب الى الأممالمتحدة اتخاذ الاجراءات المناسبة مع آلية مناسبة للتطبيق لمنع التصرف بأملاك الفلسطينيين. 3- الطلب الى الأممالمتحدة تعيين قيّم دائم على تلك الأملاك يقدم تقريره الى الأممالمتحدة دورياً عن أوضاعها وحمايتها الى أن تتم عودة أصحابها إليها