سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بعد 53 عاماً ... تعديل لقانون اصول المحاكمات الجزائية يراعي حقوق الانسان ويطلق مئات الموقوفين فور تنفيذه . لبنان يضع سقفاً للتوقيفات ويحرر القاضي من حكم الاعدام
طغى السجال السياسي والدستوري الذي شهده أقرار قانون "أصول المحاكمات الجزائية" الجديد في لبنان أخيراً، على ما تضمه القانون من موادّ قانونية مهمة تراعي حقوق الانسان وكرامته بوضعه سقفاً للتوقيف الاحتياطي او في انتظار المحاكمة، وتحديده الضابطة العدلية وتقييده تصرفاتها حيال المشتبه بهم، اضافة الى اعطاء الموقوف حق الاتصال بذويه ووكيله فور توقيفه. وكذلك أضاع بعضاً من الجهد الذي بذل في اقراراه هيئات قانوية عدة منها اللجان النيابية ووزارة العدل ونقابة المحامين وقضاة، وكذلك السنوات الطويلة التي استغرقها في صياغته. وعلى رغم التعديلات التي شهدها لناحية تمديد مهلة التوقيف الى أربعة أيام على الأكثر خلال التحقيق في جريمة معينة، وتمديد التوقيف الاحتياط الى شهرين بدلاً من شهر في حال ارتكاب جنحة عقوبتها أكثر من سنة، وستة أشهر في حال الجناية على ان تمدد لمرة واحدة فقط، فان تطبيق القانون بعد ثلاثة أشهر من نشره في "الجريدة الرسمية" أي في تشرين أول ديسمبر المقبل، سيفسح في المجال لتخلية مئات الموقوفين في انتظار المحاكمة. الى هذه المواد وأهميتها أقر المجلس النيابي قانوناً لا يقل أهمية وهو ألغاء العمل بالمادة الرقم 302/94 من قانون العقوبات التي تمنع على القاضي منح الاسباب التخفيفية للقاتل وتالياً تفرض عليه اصدار حكم بالاعدام. وكذلك اقرت اعادة العمل بأحكام المواد 198 و547 و548 من قانون العقوبات التي تنص على منح الاحكام التخفيفية. واقرار هذه من المواد من شأنه ان يحول دون الاعدام في لبنان على رغم بقاء هذه العقوبة في القانون. وقانون أصول المحاكمات الجزائية يسمى "قانون الشرفاء" لأن من شأنه حماية الحريات وحقوق الانسان، وكذلك لأن الاحكام التي يمكن ان يتضمنها هي التي تحد من امكان التعسف او الاعتداء على حرية المواطن سواء أكان مشتبهاً به أم مدعى عليه في الأمور الجزائية. ومن هنا يجب توافر توازن بين مصلحتي المجتمع والفرد الذي يجب ان تراعى حقوقه لدى الاشتباه بقيامه بجرم بأن يعتبر بريئاً حتى ثبوت ادانته وان تؤمن له حقوق الدفاع عن نفسه وان يحاكم امام محكمة وفق أصول نص عليها القانون والا يحرم من حريته ولا يعاقب الا بعد ثبوت ادانته في محاكمته عادلة. وبناء على هذه المقدمة التي ساقها وزير الدولة المحامي بهيج طبارة كان تسلم حقيبة وزارة العدل سابقاً "كان لا بدّ من البحث في تعديل قانون اصول المحاكمات واستبدال قانون حدثي به يواكب التطورات التي حصلت والشرائع والمواثيق الدولية ونطل على القرن الواحد والعشرين بقانون يأخذ في الاعتبار هذه الأمور". وكشف نقيب المحامين في بيروت ميشال اليان ان خلال صياغة القانون الجديد ومناقشته في اللجان النيابية "وضعنا نصب أعيننا كل ما يتعلق بحقوق الانسان لأن أكثر ما يعاني منه المواطن هو فترة الملاحقة الجزائية. وكانت هناك نظريتان تقول الأولى: اذا أعطي الانسان حقوقاً بهذا القدر ذهبت حقوق الضحية، الثانية تقول علينا التمسك بحقوق الانسان المتهم بقرينة براءته حتى تثبت ادانته، وكل ما يحفظ حقوق الضحية". لكن بعد عمل كثيف صدر القانون في صيغة فيها الكثير من التركيز على "حماية كرامة الانسان الملاحق وحريته من اعتقاله حتى احالته على المحاكمة. اذ متى وصل الى القاضي للمحاكمة في أي محكمة نطمئن. فمرحلة الاتهام والملاحقة الأولية والتوقيف استحوذت عملاً كبيراً حتى أمنا كل الضمانات للمتهم خصوصاً ان تجاوزات طالما حصلت لدى الضابطة العدلية". وقال اليان: "اذا اعطيت صلاحيات لشخص ليس قاضياً يسيء استعمالها، ونحن حريصون على ان تكون الصلاحيات في يد القضاء وفي اشراف مباشر منه حتى تستقيم الأمور. وحين اقر القانون أقرت معه توصيتان في اللجان مهمتان جداً الأولى تنص على زيادة عدد المحامين العامين واستحداث مركز محامي عام في كل قضاء، الثانية تعيين 300 ضابط عدلي من حملة اجازة الحقوق يشرفون على التحقيقات لا ان تجري التحقيقات في المخافر. وهذان الأمران متممان للقانون ويسهلان تطبيقه أي تتكامل القصص التشريعية. وأخذت التوصية بالتطبيق". ورأى طبارة ان "أهمية القانون وما يجعله متقدماً، تكمن في بعض الأمور منها انه يضع سقفاً لمدة التوقيف في اطار عمل الضابطة العدلية، ويحدد للمرة الأولى في التشريع اللبناني، في مسألة التوقيف الاحتياطي، الحالات التي يجوز فيها لقاضي التحقيق ان يستعمل الحق الاستثنائي المعطى له في توقيف شخص لا يزال قيد التحقيق وهي: ان يكون التوقيف الاحتياطي الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أدلة الاثبات على المعالم المادية للجريمة، وان يكون الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون ممارسة الاكراه على الشهود، وان يكون الوسيلة الوحيدة لتحول دون اساءته الى التحقيق وتعطيل امكان الوصول الى الحقيقة واحياناً يكون الغرض منه حماية المدعى عليه نفسه من ردود فعل المجتمع او الخوف من ان يفر من وجه العدالة. ففي هذه الحالات فقط، يمكن اللجوء الى هذا القرار". وأضاف طبارة ان "الأمر الثاني وهو مهم ايضاًً، ان المشرع وضع سقفاً لمدة التوقيف وفي خلالها يجب ان يكون التحقيق انتهى اما بمنع المحاكمة عن الشخص او تخليته او احالته على المحكمة المختصة التي اعطاها القانون الجديد ايضاً الحق بأن تخليه وان يحاكم غير موقوف". وهذا ما أكده اليان الذي أشار الى ان "أي متهم يقبض عليه له الحق في الاتصال بأهله ورب عمله وتعيين طبيب ويعطي خبراًعن مكان توقيفه. وما كان يزعج المواطن من توقيفات كانت تحصل ولا يعرف احد يعرف مكان الموقوف، وكذلك أصبحت مهلة التوقيف محددة وكذلك الضابطة العدلية عرفت من هي ومتى تكلف بقرار رسمي". وهذا ما أكده النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم لناحية التوقيف الاحتياطي الذي لم يحدده القانون الحالي القديم "الذي كان الموقوف في جنحة يبقى بموجبه، موقوفاً الى حين المحاكمة، وبالنسبة الى الجنايات كان القانون يمنع تخلية الشخص اثناء المحاكمجة، واذا بقي موقوفاً اثاء التحقيق الأولي والاستنطاقي يجب ان يبقى موقوفاً الى حين المحاكمة". ورأى عضوم ان "اهمية القانون الحالي تكمن في تحديده مدة التوقيف الاحتياطي في الجنح والجنايات ما عدا بعض الجرائم المهمة واعطى المحكمة حق التخلية اثناء المحاكمة". أما في قضية الموقوفين راهناً في السجون اللبنانية فان كثراً منهم سيستفيدون من تخليتهم فور نفاذ القانون أي بعد ثلاثة أشهر. واذ اشار عضوم الى ان عدد الموقوفين "2700 في سجن رومية"، ولا يتوافر لديه حتى الآن عدد الذين سيخلون "لأن احصاءه لا يمكن الا بعد درس كل حال على حدة من الاشخاص الذين اوقفوا احتياطاً مدداً أكثر من المدد المحددة". وأوضح النقيب اليان "ان نسبة الذين سيخلون قد تبلغ العشرين في المئة". وعن الذين صدرت في حقهم احكام اعدام وحال دون تنفيذها تمنع رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص، قال عضوم ان "هذه المسألة ستشكل مشكلة اذا لم ينص التعديل على مفعول رجعي صراحة". وقال ان "الحل اذا لم يكن هناك نص بهذا المعنى يعطي مفعولاً رجعياً لقضايا صدرت فيها أحكام مبرمة هو العفو، أما الاحكام غير المبرمة يطبق عليها القانون الجديد". وعن عدد المحكومين اعداماً قال "لا احصاء لديّ". اما النقيب ليان فأوضح ان "عددهم يقدر بالعشرات". وفي مسألة التوقيف الاحتياطي، او على ذمة التحقيق، التي جعلت في آخر تعديل اربعة ايام على الأكثر، فلم يعر النقيب اليان الفترة أهمية كبيرة لأنها "محددة ومعروفة"، لكنه توقف عند صلاحيات النائب العام التمييزي التي "كُرست في القانون الجديد لأن النائب العام التمييزي يمثل الارتباط بين السلطة القضائية والسلطة السياسية. وحين يقال عن تدخل السياسة في القضاء فهذا يتم من خلال النائب العام التمييزي، وما تريده السلطة تطلبه من النائب العام التمييزي وتكرس الآن في نص. حين نزعت هذه الصلاحيات عن النائب العام التمييزي لم تكن الغاية الاستنسابية في القضاء بل لابعاد السياسة عن القضاء بالفعل. فالمعاناة تكمن في توسيع صلاحيات هذا المركز خصوصاً اننا نشعر للمرة الأولى أن هناك عملاً لانشاء سلطة قضائىة مستقلة واحبطت هذا سبب الصرخة. نحن نريد الا تتدخل السلطة السياسية في القضاء وهذا يكمن في تضييق صلاحيات النائب العام التمييزي. القانون كان في واد وجاءت هذه الخطوة في غير مكانها". أما الوزير طبارة فرأى ان "العلاقة بين النائب العام التمييزي ووزير العدل وتالياً السلطة السياسية ضرورية، ولا تؤثر في عمل القضاء الجالس المحاكم طالما يتمتع باستقلال". وساق مثالاً على ذلك "ان رئيس جمهورية فرنسا جاك شيراك ألف لجنة من كبار القانونيين على رأسهم رئيس محكمة التمييز الفرنسية لتجيب عن سؤالين أحدهما كيف يجب ان تكون العلاقة بين وزير العدل والنيابات العامة، وهل يجب قطع العلاقات ام الاستمرار بها، وهل هي تجاوز لاستقلال القضاء؟ واصدرت اللجنة تقريراً طويلاً خلصت به الى ابقاء العلاقة بين وزير العدل والنيابات العامة وعدم قطعها وانها لا تؤثر في استقلال القضاء للاسباب الآتية: هناك نوعان من القضاء الجالس أي المحاكم والواقف اي النيابات العامة وهو طرف يمثل المجتمع، ووزير العدل هو المسؤول عن السياسة القضائية في البلاد وهو مسؤول أمام المجلس النيابي في هذا الاطار. ثمة أمور اذا ادعت النيابات العامة قد تنتج وضعاً اجتماعياً مسيئاً لأمن الدولة. فاذا ترك الأمر الى النائب العام فيقول ان هناك جرماً جزائياً وينفذ القانون، لكن الملاحقة في بعض الحالات تحدث وضعاً اجتماعياً ينعكس على الوضع السياسي العام، وهنا يتدخل الوزير على مسؤوليته السياسية ويطلب عدم الملاحقة لان النتائج التي تترتب على الملاحقة أكبر. فالوزير يأخذ قراراً بين الاعتبارين ويتحمل مسؤوليته. ومن هنا حين تقطع العلاقة نهائياً بين الوزير والنيابات العامة يعني انك سلمت القضاء الواقف صلاحيات من دون ان يكون مسؤولاً تجاه أحد لا بل على العكس، لان عليه ان يطبق القانون في الطريقة التي يراها مناسبة من دون مراعاة اي اعتبارات أخرى. وهذا ما دفع اللجنة الفرنسية الى القول ببقاء العلاقة وانها لا تشكل انتقاصاً من سلطة القضاء طالما القضاء الجالس الذي يبت في الأمور محفوظ استقلاله وصلاحيته كاملة". وأكد عضوم ان "النائب العام لا يدعي ليس لان لا صلاحية له بل لأنه لا ينشغل في الدعاوى العادية التي تأتي من قاضي التحقيق بل يتابعها في معرض الاجراءات مثل اخلاء السبيل. هذا ليس عمله لان لديه اشغالاً كونه المشرف على النيابات العامة وموجهها. ولكن الحق في التحقيق يختلف عن الادعاء. الحق في التحقيق في قضايا مهمة مرتبطة بالمصلحة العامة او الادارات والمؤسسات او غيرها اذ يجب ان تكون له صلاحية تشمل كل الاراضي اللبنانية كون النيابات العامة تابعة له ويمكنه التحقيق في القضايا في شكل شامل واسرع". واعتبر ان "مسألة صلاحيات النائب العام لم تطرح الا في فترة زمنية معينة لأسباب سياسية". وهل تبنى الرئىس لحود هذه المسألة بناء لرأيك؟ أجاب: "لدى الرئيس من المقدرات والوعي ليرى الأمور من الزوايا المرتبطة بمصلحة الدولة كافة. لا يمكن الاتيان بقانون يتجاوز العصرية في أي دولة. والرئىس حريص في ظرف معين ان يكون القانون منسجم وملائم للاوضاع السائدة. فالمسألة ليست تشبثاً او موقفاً بل علينا ان نشرع بما يتماشى مع واقع البلد. لا يمكن اصدار تشريع مثالي في دولة ظروفها غير مثالية. اذا استقامت الأعمال وتطورنا تقنياً وعلمياً واصبح لدينا امكانات كشف الجرائم بالوسائل الحديثة وربطاً الكترونياً بين المناطق فلا مانع من وجود قانون مثالي، لكننا حتى الآن اذا اردنا ان نعرف اذا كان شخص مطولباً بمذكرة اشعار او بلاغ نستغرق ثلاثة ايام لنعرف. كيف يمكنك ان تحقق في 24 ساعة؟ هذا الموضوع يتطلب تكاملاً حضارياً لتطبق قانوناً مثالياً".