} "ما مصير الذين أسروا أقل من سنة وأصيبوا بعطل دائم"؟ سأل أحد النواب اللبنانيين في جلسة اقرار مبلغ 390 ألف ليرة 270 دولارا شهرياً لكل من أسره العدو الاسرائيلي لأكثر من سنة. والمبلغ المذكور لا يأخذ بعين الاعتبار عدد أفراد أسرة "الشهيد الحي" ولا يشير الى تكاليف علاجه او الى توفير فرص العمل له. فكأن الأسير عائق اجتماعي تم التخلص منه... بحفنة من الدولارات. "الحياة" زارت بعض أولئك الأسرى وهنا نتيجة الزيارة: بات الكلام الإنشائي عن الأسير بشكل عام مكروراً. الكل يعرف من هو أسير المقاومة، ولماذا أُسر واعتُقل، وكيف تمت محاكمته مع أن كثيرين اعتقلوا لسنوات من دون محاكمة. ومن هؤلاء الأسرى الذين لا يزالون في معتقلات العدو بلا محاكمة: الشيخ عبدالكريم عبيد والحاج مصطفى الديراني وعميد المعتقلين سمير القنطار وسواهم. تحرّر كثيرون، إما بانتهاء مدة الحكم عليهم، أو بعمليات تبادل، أو لأسباب صحية خطيرة وصل إليها الأسير المعتقل فأصبح ميؤوساً منه وافرج عنه لئلا يتحمل العدو وزر استشهاده. التقت "الحياة" ثلاثة من الأسرى المحررين ورافقت يومياتهم: * عفيف حمود، ذهبنا لزيارته بناءً على موعد. استقبلتنا والدته ولم يكن هو عاد الى البيت. فوجئنا بأن والدته اعتُقلت أيضاً في معتقل الخيام حين كانت تستعلم عنه فألقوا القبض عليها عند حاجز لعناصر لحد. * نبيه عواضة وقع في الأسر وهو يواجه العدو مقاتلاً حتى آخر رصاصة وهو ابن 16 سنة. حكم عليه ب15 سنة خلال سنة من توقيفه، أمضى منها 11 سنة وتحرر. * أما ابن شبعا الأستاذ بلال نبعة الزوج وأبو الخمسة أطفال فله حكاية "مع العصافير". إذ وقع في مصيدة عملاء الزنزانة وقعة كلّفته حوالى الثلاثين شهراً من عمره. عفيف حمود لم يكن الوصول الى عرينه سهلاً، انه يقع في منطقة بيروت الكبرى. وحين وصلنا قال البقّال المجاور: اصعدوا الى الطابق الخامس واقرعوا الجرس. إلا أن الصعود الى الطابق الخامس كان عملاً شاقاً. فالمصعد معطّل، والسلالم مظلمة في عز الظهيرة والأدراج الاسمنتية أصابها الهرم فاهترأ بعضها وتساقط بعضها الآخر. المهم وصلنا وقرعنا جرس الباب وبعد لحظات أطلّت سيدة وقور رحبت بنا ترحيباً حاراً. وقادتنا الى غرفة جلوس بسيطة ومريحة وقالت: "أنا أم عفيف سيحضر عفيف بين لحظةٍ وأخرى". وسارعت أم عفيف الى المطبخ وعادت تحمل الشراب وهي تكرر عبارات الترحيب. وسرعان ما فوجئنا بأن أم عفيف كانت هي نفسها معتقلة "استُضيفت" في معتقل الخيام بعد إلقاء القبض على ابنها بفترة وجيزة. سألتها: وهل كنت أنت مقاومة أيضاً يا أم عفيف؟ - لا، لم أكن كذلك بالمعنى الحرفي. ولكن كل لبناني مقاوم . وأنا لبنانية حتى النخاع. أخبرينا يا أم عفيف عن ظروف اعتقالك؟ تنهدت أم عفيف وأخذت نفساً طويلاً وبدأت تسرد الحكاية: "نحن عائلة جنوبية، ضيعتنا كفر حمام احتلها العدو كغيرها، قررت الانتقال بأطفالي الى بيروت. عفيف أصرّ على البقاء في الضيعة هو يعمل "معلّم باطون" في الجنوب. كان عمره 22 سنة عندما اعتُقل أوائل 1988. وصلنا خبر اعتقاله فقررت تقصّي أخباره. وعندما وقف سائق سيارة الأجرة عند حاجز جماعة لحد تمّ نقلي الى سيارة أحد أفراد الحاجز. ومنذ تلك اللحظة ابتدأت رحلة العذاب، وصلت الى معتقل الخيام وبدأ التحقيق معي على الفور. تعددت التهم ضدي وتنوعت أشكال التعذيب: ضرب جسدي موجع، انتقال الى أساليب الكهرباء من أصابع اليد الى أماكن متعددة وحساسة. وتحمّلت، وصمدت. الى أن طلب مني المحقق الاعتراف بمكان "البارودة". دهشت لمعرفته بأمر البارودة وهي بندقية اوتوماتيكية ماركة "كلاشنكوف" أخفيتها في مكانٍ ما في الكرم ليلاً. ألحّ المحقق في طلبه وأصرّ بعنف وصولاً الى تهديدي باستعمال الاعتداء الجنسي. ولم أدرك أن البندقية تستحق كل هذه العذابات فاعترفت بها وأخذوني الى المكان حيث حفرت التراب وأخرجت البندقية وأخذوها مني. لم أنجح في مقابلة عفيف في معتقل الخيام، ولكنهم كانوا يُسمعونني صوته وهو يصرخ في غرفة مجاورة. وعلمت لاحقاً أنهم أسمعوه أيضاً صراخي وأنا في غرفة مجاورة أخضع للتعذيب. ثلاثة أشهر كاملة أمضيتها في معتقل الخيام وبعدها أخرجوني ومنعوني من دخول الجنوب. ألم تشاهدي ابنك في المعتقل خلال اعتقاله؟ - بعد سبع سنوات، استطاع الصليب الأحمر الدولي ترتيب موعد زيارة لم تدم أكثر من دقائق عبر جدار مرتفع وشريط مشبك. لم أتمكن إلا من رؤية وجهه فقط. تعددت مثل هذه الزيارات العقيمة الى أن تمّ الإفراج عنه وأخلي سبيله في عملية تبادل أشلاء يهودية عام 1998. رنّ جرس الباب وذهبت أم عفيف مسرعة لتفتحه وكان عفيف عند الباب فسارع الى حيث نجلس وعرّف بنفسه. وروى لنا حكاية اعتقاله باختصار: "اعتقلوني 22 مرة بين عام 1983 الى 1988 وكانت تدوم مدة توقيفي كل مرة بين 3 و10 أيام. أما المرة الأخيرة فطالت 10 سنوات ونصف السنة بالتمام والكمال". وقال انه استدعي الى مكتب الأمن كالعادة، وهناك بدأ معه تحقيق مطول هذه المرة. واستمر اعتقاله كل هذه المدة. وذكر لنا أنواع التعذيب والتفنن في الأساليب، بين جلد وضرب وحرق بالماء الساخن ولسعات الكهرباء والتعليق والصلب وبقية الظروف التعذيبية التي أصبح ذكرها روتيناً معروفاً للجميع. أكثر ما حزّ في نفس عفيف وقوعه في مصيدة "العصافير" أو عميل الزنزانة. وهو اصطلاح أصبح معروفاً يعني أن رجال أمن العدو يزرعون بعض الأشخاص من المعتقلين بين المعتقلين الجدد لاستدراجهم في حديث عاطفي وانتزاع بعض الأسرار التي لم يستطع انتزاعها المحقق من المعتقل. سألنا عفيف في نهاية اللقاء: كيف تتصرف إذا التقيت مصادفة بعميل الزنزانة أو أحد المحققين؟ - لقد حصل ذلك فعلاً، كان ردّ فعلي أن صفعته على وجهه بكل قوتي كانت فشّة خلق. أنا تركت الأمر للقضاء، ولم يكن القضاء صارماً في إصدار الأحكام على هؤلاء. ربما يستدعي ذلك مصلحة البلاد العليا. لم يكن القصاص عادلاً بمستوى الجرائم، ولكن القضاء قال كلمته وانتهى الأمر. لماذا لم تتزوج حتى الآن يا عفيف؟ - أتزوج؟ هل الزواج تسلية؟ أين الامكانات المادية التي تشجع على الزواج؟ ماذا تريد أن تقول في نهاية هذا اللقاء؟ لنا حقوق على الدولة، وعلى الدولة أن توفينا ولو جزءاً من حقوقنا. وشكراً. نبيه عواضة - كان نبيه عواضة في الخامسة عشرة عند اعتقاله. أمضى 11 عاماًَ في المعتقلات داخل الأرض المحتلة وتحديداً في سجن عسقلان. كان نبيه في انتظارنا عند مفترق طريق اتفقنا عليه لننتقل سوياً من هناك الى المنزل الذي يقيم فيه مع عروسه ضيفين على شقيقته. لم يكن منزل شقيقته بعيداً من مكان اللقاء. بضع دقائق وكنا نصعد في المصعد الكهربائي الى الدور السابع. كان أفراد الأسرة ينتظرون. الأخت صاحبة المنزل، الخال، أخوه الصغير الذي يعمل مصوراً صحافياً. أما العروس فهي لا تزال في عملها كمصوّرة أشعة في أحد مستشفيات بيروت. رحّبت بنا الأخت "زويا" صاحبة المنزل وقادتنا الى غرفة الجلوس الواسعة. طلبت من نبيه أن يحدثنا عن تجربته في معتقلات الأرض المحتلة، وكيف وصل الى هناك. قال: كنا تسعة عناصر تؤلف 3 مجموعات توجهنا الى الجنوب في مهمات فدائية في منطقة دير سريان بتاريخ 10/9/1988. كنت أصغر أفراد المجموعة سنّاً 15 سنة ولكنني مدرّب تدريباً جيداً ومهيأ نفسياً لخوض المعارك. يبدو أن أحدهم وشى بنا فوجدنا أنفسنا مطوقين بمجموعة ضخمة من عناصر العدو الصهيوني حيث سقط رفيقنا مسؤول المجموعة جريحاً وقاومت ورفيقي الثالث حتى آخر رصاصة. وقعت ورفيقي في الأسر ونقلنا فوراً الى المطلة، داخل الأرض المحتلة، ومن هناك الى مقر "الموساد" في الصرفند حيث أُجري معنا تحقيق استغرق مئة يوم. ثم نقلونا الى مركز الجلبة شمالي فلسطين قرب حيفا حيث بقينا الى أن صدر الحكم بسجني 15 عاماً بتهم، منها حملي سلاحاً غير مرخّص اعتقلت وأنا داخل الأراضي اللبنانية وكذلك تهمة نياتنا الشروع في قتل جنود يهود. وبعد صدور الحكم تم نقلنا الى سجن عسقلان حيث بقيت لتمضية العقوبة. هل تعرّضتم الى تعذيب كبير؟ - التعذيب أمر روتيني لا ينجو منه أبرأ الأبرياء فكيف بنا نحن؟ الكلام على التعذيب أصبح مكروراً وممجوجاً ولا طائل منه إلا المزيد من الذكريات الحزينة المؤلمة. المضحك أنهم كانوا يهددوننا بنقلنا الى معتقل الخيام إذا لم نتجاوب مع التحقيق. وهذا يعني أن التعذيب في معتقل الخيام على أيدي العملاء كان أقسى وأشد من التعذيب على يد الأعداء! حكموك 15 سنة وأمضيت في السجن 11 سنة، لماذا؟ حسن سلوك؟ - بل نتيجة تبادل أشلاء يهودية في 26/6/1998. هكذا كتبت لي النجاة قبل انتهاء مدة العقوبة. وهل وقعت في مصيدة عملاء الزنزانة؟ - "العصافير"! لقد حاولوا كثيراً معي.. ولكنني سبق أن قلت كل ما لديّ، ولم يبق لديّ شيء للعصافير، لقد خيّبت ظنهم وأملهم. وكيف كنت تمضي أوقاتك في المعتقل؟ - بدأنا بمنتهى الصعوبة واعتدناه تدريجاً. واستطعنا تحسين أوضاعنا المعيشية بإضرابات مكلفة، ولكننا نجحنا في الحصول على كتب نقرأها وجهاز تلفزيون بعدما فشلنا في ثلاث محاولات للهرب. دخلت المعتقل طفلاً وحاكموني وحكموني 15 سنة سجناً وأنا دون السن القانونية ولكنني خرجت رجلاً أحمل مشكلات صحية عدة. ماذا تعمل؟ - كنت من الأسرى المحظوظين الذين تم تعيينهم في شركة "أوجيرو" منذ حوالى السنة والحمد لله تزوجت منذ ستة أشهر. وهل كانت العروس خرّيجة معتقلات أيضاً؟ - لا، أحد أفراد أسرتها كان. كيف تعارفتما؟ - زارتني تستفسر عن قريبها المعتقل، وجرت حوارات حامية بيننا. تكررت الزيارات وازدادت الحوارات سخونة الى أن نضجنا، فتزوجنا. وهنا تدخلت زويا أخت نبيه قائلةً: "غادر المنزل صباحاً بحجة أنه ذاهب للعب كرة القدم بدلاً من ذلك كان مقرراً الذهاب الى الجنوب في عملية فدائية مع عددٍ من رفاقه. وعندما تأخرت عودته الى المنزل شعرنا أن شيئاً ما حصل. فتبين أنه أُخذ أسيراً وقد ذُكر اسمه في النشرة الاخبارية. أما تفاصيل اعتقاله فقد ذكرها نبيه لكم". منذ متى يقيم نبيه في منزلك يا سيدة زويا؟ - منذ حرر... أكثر من سنتين. والى متى تتحمّلين وجوده وعروسه هنا؟ أجابت ضاحكة: "الى الأبد إذا كان ذلك يناسبه وعروسه". وصلت العروس واسمها "فييتنام" وهي جنوبية من قرية حولا، سلّمت وجلست وكان السؤال حاضراً: كيف أوقعتِ البطل في غرامك؟ - أنا من وقعت في غرامه. مع أنه تخرّج في المعتقل وهو مصاب بقرحة في معدته وبضعف نظر الى درجة أن الضوء كان يزعج عينيه وبه آلام حادة في الرأس نتيجة التعذيب. سألتها هل أنت حامل؟ - قالت: لا، وانها لا تفكر بالإنجاب في الوقت الحالي فالأسباب التي تحول دون ذلك كثيرة ومتعددة، كونها تعمل في قسم الأشعة وقد يتأثر الجنين بذلك ولأسباب مادية يحاولان تجاوزها في الوقت الحاضر وهي تعمل ساعات إضافية عندما يتاح لها ذلك من أجل تحسين وضعهما المادي. بلال نبعة لقاؤنا الثالث كان مع الأسير المحرّر بلال نبعة. اتفقنا على موعد أمام معامل غندور في منطقة الشويفات ومن هناك انزلقنا في متاهات الأزقة الضيقة الى أن وصلنا الى مبنى متوسط لم يكتمل بناؤه بعد. ليس مزوداً بمصعد أصلاً، فكان علينا صعود الأدراج وهو يرافقنا. وأخيراً وصلنا لنجد في استقبالنا تظاهرة كاملة من الأطفال والنساء: أولاده الخمسة، وأبناء شقيقته وشقيقته وزوجته.. إضافة الى زوج شقيقته - صاحب المنزل. جلسنا في غرفة جلوس علمنا في ما بعد أنها أيضاً غرفة نوم لبلال وزوجته وأطفالهما. البيت صغير، غرفة نوم واحدة. وغرفة جلوس فقط لا غير. نترك بلال يروي لنا حكايته: - اسمي بلال علي نبعة 30 سنة من أهالي بلدة شبعا. متأهل ولي خمسة أطفال. وُلد ثلاثة منهم قبل اعتقالي، وتوأم عمره 8 أشهر بعد الإفراج عني. مهنتي مدرّس وكنت متعاقداً مع الدولة للتدريس في مدرسة شبعا الرسمية الابتدائية لمدة 4 سنوات أدرّس حوالى 18 ساعة في الأسبوع بمبلغ 2500 ليرة لبنانية للساعة وقد أكملت دراستي الثانوية بكالوريا قسم ثان. كنت أتعاون مع مخابرات الجيش اللبناني متطوعاً من دون مقابل وأنا أنتمي الى حركة "أمل". لم يكن أحد يعلم بموضوع تعاوني مع مخابرات الجيش أو حركة أمل وكنت أقيم في شبعا إقامة دائمة، نظراً لحاجتي الماسة الى بعض المال وكنت أزاول عملاً آخر هو نقل علب السجائر من شبعا الى سورية لحساب بعض التجّار ألقي القبض على شاب من الأقرباء اسمه ماهر حمدان وجرى معه تحقيق واضطر للاعتراف بما يعرفه عني بأنني أتعاون مع مخابرات الجيش اللبناني وأنتمي الى حركة "أمل". نتيجة لاعتراف ماهر حمدان جرى استدعائي والتحقيق معي فأنكرت التهمة جملةً وتفصيلاً. لم أكن أعلم أن ماهر يعرف انتمائي ولا أدري كيف وصلت إليه هذه المعلومة. جرى توقيفي وزجّ بي في غرفة كان بداخلها 3 أشخاص بدأوا يستدرجونني في الحديث لمعرفة حقيقة أمري. راودني الشك بأنهم عملاء فتحفّظت في تبادل الحديث معهم. الأمر الذي جعل المحقق ينقلني الى غرفة أخرى وجدت فيها شبان من شبعا منهم محمد نعمان نصير وجمال عمر نبعة وهو أحد أقربائي. وثقت بهما ولم تراودني أية شكوك بأنهما "عصافير". تبادلت معهما حديثاً ودياً وأخبرتهما بحقيقة الأمر. قالا لي انهما يستطيعان توجيهي الى الطريقة التي تنقذني بحكم تجاربهما ومعرفتهما بمثل هذه الأمور. وعليّ أن أخبرهما بالحقيقة لكي يُسديا لي النصح. وقعت في مصيدتهما وأخبرتهما الحقيقة التي نقلاها بدورهما الى المحقق. هكذا وقعت. وانتهى الأمر وكلّفني "عصافير" الزنزانة العملاء حوالى الثلاثين شهراً من عمري. وكيف كانت ظروف الإفراج عنك؟ - تمت عملية تبادل 22 شاباً و3 فيتات مع 2 من اللحديين بواسطة الصليب الأحمر الدولي بتاريخ 13/1/2000. ماذا تعمل حالياً؟ - لا أعمل شيئاً، أفتش عن أي عمل، أي عمل من دون جدوى. "لا شغلة ولا عملة" وأقيم وزوجتي وأولادي الخمسة في هذه الغرفة في بيت صهري. وماذا عن لجنة الأسرى والمعتقلين التي تنسق أوضاعكم وتطالب بحقوقكم؟ - تعنين محمد صفا؟ لا يعنينا شيئاً، ولا يفيدنا وليست لنا علاقة معه ولا نعترف به. لأنه اشتغل كثيراً على ظهر المعتقلين وجمع أموالاً ولم نر منها شيئاً. ولدينا مستندات وأرقام وتواريخ فهو جمع الكثير من المساعدات المالية "قبضها قبض اليد" من الدول العربية ولدينا أدلة تؤكد ذلك أصبحت بيد الجهات المعنية. هل استلمتم أية مساعدات من أي جهة؟ - لم نستلم شيئاً من أحد. كيف تعيش إذن؟ - لي شقيقان في الجيش، وصهري. يساعدونني قدر الإمكان، ولكن ذلك لا يكفي. جميعهم متزوجون ولهم أولاد، وعليهم مسؤوليات. كانت شقيقة بلال تستمع الى الحوار وسألناها: كيف كان وقع اعتقال بلال عليك؟ - اعتقلوه وكنت في شبعا بزيارة لأهلي ولكني علمت بعد عودتي الى بيروت. الى متى تستطيعين تحمّل أعباء بلال وأسرته في منزلك؟ - أنت ترين الوضع والضيق، ولكنه أخي، ماذا أفعل؟ أتمنى أن يكون له منزله الخاص وأن أكون أنا بضيافته وليس العكس. هو أخي الأكبر ولكني سأتحمّل الوضع قدر المستطاع الى أن يجد حلاً لنفسه. زوجة بلال قالت: "اسمي زينب أبو قيس من بلدة الهبارية تعرّفت الى بلال بواسطة أحد أصدقائه وكان النصيب، أنجبنا غدير وعبير وعلي قبل اعتقاله وبعد خروجه من المعتقل أنجبنا التوأم ريم وريان وهما الآن بعمر 8 شهور". كان التوأم يرضعان الشاي من "المصاصة" بدلاً من الحليب، ذلك انها لا تستطيع إرضاعهما من صدرها ولا مال لديهم لشراء الحليب. وتكمل زينب حديثها قائلة: لجأنا الى بيت صهرنا إذ لا مكان لدينا يؤوينا. نعيش أنا وزوجي وأولادي الخمسة في هذه الغرفة. أنا أعلم أننا عبء عليهم وانتظر لحظة يصبح لي بيت مستقل. وضعنا كئيب ونحتاج الى إسعاف سريع. لماذا لا تجد الدولة وظيفة لزوجي تدرّ علينا بعض المال لنعيش بأبسط التكاليف بدلاً من أن نكون عبئاً على الآخرين؟ زوجي متعلّم ويستطيع أن يعمل إذا توافرت له وظيفة.. أي وظيفة. يدخل بلال على خط الحديث قائلاً: "المذهل أن الحكومة دبرت عملاً ل 75 أسيراً محرراً في أوجيرو منهم عدد من "العصافير". لماذا عملاء الزنازين بدلاً منا؟!". الحديث يطول مع بلال وأسرته، وشكواهم واضحة، وطلباتهم ليست تعجيزاً. هنا انسان يريد أن يعيش بكرامته، يريد الحليب لأطفاله بدلاً من الشاي، يريد منزلاً متواضعاً لعائلته. حتى ولو كان غرفة واحدة، يريد وظيفة أية وظيفة بدلاً من هذه البطالة القاتلة.. وعدتهم الدولة بتعويض 5 ملايين ليرة. تعويض عن ماذا؟ عن سنوات العمر؟ ما الذي يعوّضها؟ عن العذاب والتعذيب؟ عن الكرامة والإذلال؟ أم عن تأمين أبسط سبل الحياة له ولأسرته؟ ومع ذلك لم يقبض شيئاً على الاطلاق لا من الدولة ولا من سواها حتى الآن.