الحالمون بالصعود الى السماء كثيرون. عبر خطوط الانترنت يحجزون مقاعدهم الجلدية الوثيرة في الهواء ليشاهدوا، من نوافذ مركبة تعود الى قرن مضى، كيف تبدو الأرض من علَ. يقول أوليفر شوتس، مسؤول التسويق في المشروع ل"الحياة": "لدينا عشرة آلاف راكب حجزوا أماكنهم مسبقاً. بعضهم فعل ذلك منذ 1988 عندما انطلق المشروع تجارياً. وهناك 500 شخص يحجزون كل يوم لتتاح لهم فرصة الصعود الى المنطاد الذي يعتبر أكبر مركب يطير في العالم اليوم". "زيبلين" مشروع ألماني قديم. نبت عام 1890 على ضفاف بحيرة كونستانس بودنسي بالألمانية الممتدة عند حدود النمساوألمانيا وسويسرا. فوق البحيرة، وفي المكان نفسه الذي أطلق فيه الكونت الألماني فرديناند فون زيبلين عام 1900 أول رحلة له بمنطاد مأهول وموجه، اختار أصحاب المشروع أن يطلقوا طائرهم الجديد. منطاد "هايندنبرغ" كان يعتبر أضخم جسم طائر بناه الانسان. في أيار مايو 1937، أدت كارثة اشتعال هذا المنطاد أثناء هبوطه في نيوجرسي خلال إعصار كبير، إلى مقتل ركابه الستة وثلاثين القادمين من أوروبا. الكارثة أثارت مخيلة العالم وقضت على فكرة استخدام المناطيد كأداة نقل كبيرة تساعد على تجاوز المحيطات وسلاسل الجبال العالية. عدد المناطيد المخصصة للنقل التي بنيت بلغ مئة. بعدها طويت الصفحة. خلال الحرب العالمية الثانية استخدمت المناطيد غير المأهولة كعوائق تحرم الطائرات المعادية من المناورة على ارتفاعات متوسطة ومنخفضة، لكن فكرة استخدامها كوسيلة نقل بقيت مستبعدة، خوفاً من احتمالات اشتعالها. تغير الموقف منذ بدء مشروع زيبلين الجديد. الفكرة قامت على استخدام غاز الهيليوم الخامد، غير القابل للاشتعال، لحقن المنطاد، وبذلك تتراجع نسبة المخاطر. في نيسان ابريل الماضي أعطت سلطات الطيران الفيديرالية في ألمانيا موافقتها على استخدام المنطاد الجديد في نقل الركاب. يقول شوتس: "بنينا منطادين حتى الآن. الأول نستخدمه كنموذج لاجراء مزيد من التجارب وتطوير خبراتنا في التعامل مع هذا النوع من المركبات الطائرة. أما الثاني فقد بدأ اليوم أمس رحلاته المنتظمة التي ستستمر حتى آخر تشرين الأول أكتوبر". المنطاد المستخدم وزنه 3،2 ألف طن، أما طوله فيبلغ 246 قدماً 75 متراً وعرضه 57 قدماً، مقابل 803 أقدام و135 قدماً لمنطاد "هايندنبرغ". وهو يتسع ل 12 راكباً ويستطيع التحليق 24 ساعة متواصلة، ويتمتع بمدى طيران يبلغ 950 كيلومتراً مع القدرة على الارتفاع الى علو تسعة آلاف قدم. مرحلة التطوير العملية استغرقت سبع سنوات، واول رحلة بدأت عام 1997 واستمرت ثلاثة أعوام لاجراء الاختبارات. يقول شوتس: "شرعنا في بناء منطاد ثالث ينتظر أن يبدأ الخدمة فعلياً في حزيران يونيو المقبل". معدل الرحلات 6 يومياً ولمدة 5 أيام في الأسبوع، من الأربعاء الى الأحد. والسبب؟. الحذر: "بوسعنا أن نطير عشر رحلات يومياً لكننا نريد أن نمنح أنفسنا هامش راحة في حال كان الطقس غير مريح. يوما الراحة نخصص واحداً منهما للصيانة والآخر لنقل المسافرين الذين قد نلغي رحلاتهم إذا كان الطقس سيئاً في أحد أيام العمل الخمسة". يحظى المشروع باهتمام عالمي كبير. أتى بعد 64 عاماً من وقف رحلات المناطيد المأهولة والموجهة في العالم. لكنه يعاني أيضاً من نقص الأموال. يقول شوتس: "المرحلة الحالية ستييح لنا تقويم أوضاعنا وتجربتنا. المشروع كلّفنا حتى الآن 80 مليون مارك نحو 40 مليون دولار ولم نستطع الحصول على التمويل اللازم لأننا لا نملك برنامج أعمال حقيقياً، ونحن لذك نسير وفق برنامج نظري ريثما تنجلي الأمور". قيمة التذكرة في أيام الأسبوع 600 مارك و660 ماركاً في عطلة نهاية الأسبوع، والرحلة تستغرق ساعة، تضاف اليها ساعة ونصف ساعة يستغرقها حفل خاص للزوار. المقاعد الجلدية الوثيرة، المتاحة حتى 31 تشرين الأول، تبلغ 3600 مقعد حجزت بالكامل. بعد ذلك ستعمد الشركة المالكة إلى توجيه المنطاد للعمل في أحد البلدان الأوروبية المتوسطية، حيث الأحوال المناخية أفضل. "نفكر في اسبانيا أو ايطاليا أو اليونان" يضيف شوتس مؤكداً أن هناك "طلبات كثيرة واستفسارات تأتي من مختلف أنحاء العالم، لا سيما بعد عرض المنطاد في معرض لوبورجيه الجوي الأخير". الطلبيات أيضاً أتت. هناك خمس منها لبناء مناطيد لصالح أفراد. أغلبهم ألمان. ثمة طلب آخر أتى من دبي، تقدمت به شركة محلية. "نفكر أيضاً في العمل في مصر التي أحبها وعشت فيها ثلاثة أعوام، ولكننا بحاجة إلى متمول يستطيع أن يغطي أكلاف تجارب تُجرى على المنطاد أولاً، وهو يعمل في درجة حرارة عالية". ثمن المنطاد الواحد ليس كبيراً. لا يتجاوز 5،14 مليون مارك. الشركة المنتجة تراكم الخبرات حالياً. لديها 100 موظف حالياً متوسط أعمارهم 35 عاماً، وتتوقع توظيف المزيد. تفكير مسؤوليها متجه إلى توسيع سوق استخدام المناطيد. "المنطاد يمكن أن يخدم في أغراض السياحة فوق شلالات نياغرا والأهرامات وصروح روما على سبيل المثال، وفي أغراض الدعاية إذ بوسع شركة ما استئجاره لمدة ستة شهور ودهانه بألوانها، وكذلك في المهام المتخصصة مثل خفر السواحل ومراقبة الحدود". يضيف شوتس: "مشروعنا بدأ، ونحن مسرورون أننا نحقق حلماً نسيته البشرية منذ أكثر من 60 عاماً"