كلنا لاحظ الفشل في سياسة جورج بوش الخارجية أو "لا سياسته"، غير ان العربي يكتفي عادة من السياسة الخارجية الاميركية بالشرق الأوسط، فأقول له ان سياسة الادارة الجديدة فاشلة على كل صعيد، والى درجة ان بدأ مجلسا الكونغرس يتدخلان، وهو نادراً ما يحدث. قبل أسبوع أو نحوه، هاجم النائب ريتشارد غيبهارت، زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب، السياسة "الفردية" للادارة في طلب مشروع شبكة الصواريخ، وقال ان هذه السياسة تقلق روسياوالصين، وتجعل الحلفاء الأوروبيين يشعرون بأنهم معزولون عن القرار. وحذر غيبهارت الادارة من التفرد الاميركي بالقرار، وقال ان هذه السياسة تؤذي الأمن الأميركي ومصالح الولاياتالمتحدة في الاقتصاد والبيئة، كما تعطل فرصة تاريخية للتعامل مع روسيا في شكل ايجابي. ومضى اسبوع وتبعه السناتور توم داشل، زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، فهو اتهم الادارة بالتنصل من دورها القيادي حول العالم، وبالتنصل من معاهدات دولية، مثل معاهدة الحد من الصواريخ النووية، ثم كرر تحذير غيبهارت من أن التفرد بالقرار يقلق الحليف قبل الخصم، ويجعل كل دولة تقرر العمل لمصالحها الخاصة، بمعزل عن مصالح المجموعة التي تنتمي اليها. وكان داشل انتقد بوش وهو في أوروبا الشهر الماضي، مخترقاً بذلك تقليداً يمنع السياسيين من انتقاد الرئيس وهو في الخارج. غير ان الانتقاد، ثم حملته هذا الشهر على الرئيس، وحملة غيبهارت، أظهرت مدى غضب الديموقراطيين من نهج الادارة. وفي حين انه يفترض ان يكون هناك تجاذب في بلد ديموقراطي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإن مثل هذا الخلاف غير مألوف في السياسة الخارجية الاميركية، والعادة ان يختلف الرئيس مع مجلسي الكونغرس على القضايا الداخلية لا السياسة الخارجية. بعض الجمهوريين يقلل من أهمية الاعتراضات الديموقراطية على الرئيس، ويعتبر انها مجرد مناورة انتخابية لكسب اصوات في الانتخابات النصفية السنة المقبلة، ولإضعاف الرئيس عندما يحاول الفوز بولاية ثانية بعد ثلاث سنوات، وربما كان هذا صحيحاً، الا ان صحته تعكس واقع ان الديموقراطيين يهاجمون الرئيس في نقاط ضعفه، الحقيقية أو الوهمية. الكونغرس الأميركي عادة ما يلتزم مواقف أكثر اسرائيلية من الكنيست، وخلافه مع الرئيس يقتصر على المزايدة عليه، أو الضغط لزيادة دعم اسرائيل ومعاداة العرب. غير ان ثمة قضايا كثيرة اخرى يحتاج البيت الأبيض الى تعاون الكونغرس في معالجتها، وأكتفي بثلاث: القضية في وزارة الدفاع الاميركية هي: هل تستطيع الولاياتالمتحدة خفض قواتها للانفاق على تطوير أسلحة جديدة؟ ووزير الدفاع دونالد رامسفلد يعتقد انه يجب تقديم تكنولوجيا شبكة الصواريخ على الاحتفاظ بجيش يستطيع خوض حربين "منتصرتين" في وقت واحد، كما يريد العسكر. وعبر نائب الوزير بول وولفوفيتز عن الموضوع بالقول ان المطروح ليس مجرد خفض عدد الجنود والأسلحة التقليدية، وإنما: "هل نستعد للخطر الحالي من بلدان مثل العراق وكوريا الشمالية، او نستعد لخطر قد يقوم بعد 15 سنة؟". الديموقراطيون على استعداد للموافقة على زيادة الانفاق على ابحاث تكنولوجيا الصواريخ، الا انهم غير مستعدين للموافقة على زيادة بنسبة 57 في المئة، وداشل يقول ان الطلب يمثل "أكبر زيادة في مقابل أقل خطر". والقضية الأولى تتشابك مع القضية الثانية، وهي العلاقات مع روسيا. فالرئيس فلاديمير بوتين يعارض شبكة الصواريخ، وليس صحيحاً ان الرئيس بوش اقنعه بشيء خلال قمة الدول الثماني في جنوى. وستظل روسيا تعارض من دون قطع شعرة المفاوضات، لأنها تتلقى مساعدات كثيرة من الولاياتالمتحدة ومن طريقها. وحاول رامسفلد في روسيا الأسبوع الماضي الحديث عن أوجه التعاون بين البلدين، وتقليل الحديث عن الصواريخ. ولعل مفاوضاته مع نظيره الروسي تمهد لاجتماع الرئيسين بوش وبوتين خلال مؤتمر التعاون الاقتصادي لدول شرق آسيا والمحيط الهادئ في تشرين الأول اكتوبر المقبل. والقضية الثالثة تتداخل بدورها مع الثانية، فالعلاقات مع الصين تأزمت بسبب طائرة التجسس، إلا أن هذه كانت أمراً عارضاً، غير ان هناك شبكة الصواريخ. فموقف الصين مثل موقف روسيا منها، ثم تايوان. وطرأ اخيراً موضوع بيع الصين تكنولوجيا صواريخ متقدمة الى باكستان، وربما المملكة العربية السعودية وايران أيضاً. وقد توجه أربعة من أبرز اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي الى الصين وقابلوا وزير الدفاع شي هاوتيان، ثم قابلوا الرئيس جيانغ زيمين، واحتجوا على تصدير الصين تكنولوجيا الصواريخ وتراوحوا بين الترهيب والترغيب. وواضح ان اعضاء مجلس الشيوخ كانوا سفراء لاسرائيل في الموضوع اكثر مما هم سفراء لبلادهم. ما يقلقني شخصياً في موضوع السياسة الخارجية الأميركية هو ان الرئيس بوش قد يجد مهادنة الكونغرس أسهل اذا استجاب لطلباته حول المواجهة بين الفلسطينيين واسرائيل. وأراه بدأ يفعل.