اعتمد نظام مارديني في مقاله في "الحياة" 18/6، على طريقة النظر والتحليل عن بعد للواقع الكردي في العراق، وعلى منطق الريبة والشك والانتقام من السلام الكردي، وتمني الفشل لكل محاولة كردية لتجذير السلام كحاضنة للانتعاش الاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي يسود الاقليم منذ ايلول سبتمبر عام 1998، حين ابرمت اتفاقية واشنطن بين الحزبين الكرديين الكبيرين في اقليم كردستان العراق. كما ان مقاله حفل بمبالغات قد تكون نابعة من انتمائه اللبناني، وتصوراته لفظاعات الحرب الأهلية اللبنانية والأرقام التي خلفتها في سجلات الحرب. وكان ينبغي ان يتسلح بواقعية اكبر وتناغم وجداني مع الشأن الكردي انطلاقاً من ظروف مأساة بلده. وتعديلاً لنظرة الكاتب نود ان نسجل ما يأتي: 1- الملاحظ ان غالبية الزائرين لكردستان العراق يخرجون بانطباعات طيبة ومشاهدات لا تخطئها العين ومخزون معلومات يساعدهم على تبني وجهة نظر مخالفة لأفكارهم المسبقة قبل الزيارة. فضحايا الحرب الاهلية في كردستان ليسوا اطلاقاً 25 ألفاً، على رغم اسفنا لكل قطرة دم نزفت على ارض الاقليم. فضحايا كل الاقتتالات منذ عام 1992 لا يبلغون ربع الرقم الذي اختلقه مارديني. 2- لم تكن الأوضاع الأمنية في الاقليم فعلاً بالشكل المطلوب ابان الاقتتال الداخلي، وكنا واقعيين في الكتابة عن مخلفات الحرب الاهلية وتداعياتها على الصعد البشرية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ولا بد من ان الكاتب اطلع على بعض منها. ومنها مثالاً لا حصراً مقالنا في "الحياة" في 24/7/1997، وقد استقى منه الكاتب عبارات لوصف حال الاقليم حالياً، على رغم ان الوضع تغيّر كلياً، وأن الاستقرار الأمني والانتعاش الاقتصادي، وتواصل اجتماعات التنسيق هو عنوان المرحلة الراهنة. فالمنطقة ليست قطعاً "بؤرة قاتلة" والموت ليس حالاً "يومية"، ولا الناس هم "مشاريع موتى"، إلا اذا كان الكاتب يمنّي نفسه بذلك. 3- القضايا المتعلقة بالمواطنية والانتماء الى العراق لا تبحث كثيراً لأنها تحصيل حاصل. فالوطنية الكردية في العراق جزء من الوطنية العراقية، ورافد اساس ورقم صعب لا يمكن تجاوزه في معادلة العمل لأجل عراق ديموقراطي تعددي فيديرالي. 4- ان حزب العمال الكردستاني ارتكب من التجاوزات والسياسات والمواقف الغريبة الاطوار ما جعله مقصياً بقرار كردي، وبإجماع الاحزاب الكردستانية وحكومة الاقليم. وقد نجح السيد مسعود البارزاني في مساعيه لتوفير السلام والأمن وإبعاد شبح التخريب الذي مارسه حزب العمال في المنطقة، وكان هذا موقفه وموقف الحزب الديموقراطي الكردستاني منذ عام 1992، ولا صحة اطلاقاً لمحاولات تكوين ما يسمّيه الكاتب ب"جنين كوردي - تركي" لمواجهة حزب العمال. 5- نؤكد لكاتب المقال ان اقصى ما يتمناه السيد مسعود البارزاني هو مراكمة الأمن والسلام ومضاعفة خبز المواطنين وتوسيع حزمة الحريات. وتواضع هذه الشخصية السياسية يعرفه القاصي والداني. وقد قدم اكبر مقدار من المبادرات السلمية دونما مقابل. والتحركات الحالية للسيد جلال الطالباني تتناغم مع الجهد والرغبة العامة في تجذير السلام. 6- لذلك كله فإن برتوكول صلاح الدين في 28/4/2001، وما قبله وبعد من اجتماعات المصالحة والتنسيق تصب في مجرى السلام. كردستان العراق - فوزي الأتروشي