كذب الاسرائيليون على الناس حتى صدقوا كذبتهم، وأحاول جهدي ألا أسِفّ، بل أزعم انني موضوعي، ثم أقول ان اللغة السياسية الاسرائيلية تتراوح بين الإسفاف والنجاسة، مع احتقار لذكاء الآخرين يهبط الى درك العنصرية. وأترك القارئ يقدر ان كنت أبالغ أو لا أفي الكذب الاسرائيلي حقه في الأمثلة التالية، وكلها منقول بدقة عن مصادر اسرائيلية فقط. - حققت الشرطة الاسرائيلية مع المستوطن نوعام فيدرمان بعد انفجار في سيارته. وكان الحادث في الأصل نسب الى الفلسطينيين، غير ان الشرطة وجدت ان المتفجرات من نوع يستخدمه المستوطنون، وفيدرمان متطرف من كاخ. وعندما تأكدت الشرطة من حقيقة الانفجار لم تقل ان المسؤول عنه مجرم كان يعد لقتل فلسطينيين بعد أن سرق أرضهم، وانما قالت انه "حادث له علاقة بالعمل". - هدم الجيش الاسرائيلي بيوتاً لمواطنين فلسطينيين، واضطرت الادارة الاميركية نفسها الى التنديد بالجريمة، وقالت ان هدم البيوت عمل استفزازي. هل يصدق القارئ وصف الجيش الاسرائيلي لجريمته؟ هو قال انه نفذ "أعمالاً هندسية"، وهي عبارة تذكرني بالبيانات العسكرية الاميركية في فيتنام. - طعن ثلاثة شبان فلسطينيون في القدس ب"مفك براغي"، ووجدت الشرطة الاسرائيلية ان المهاجمين شبان اسرائيليون، فوصفت جريمتهم في التقرير الرسمي بأنها ارتكبت "بدوافع وطنية". وأريد قبل أن أكمل أن أتوقف للتأكيد مرة أخرى انني أنقل حرفياً، ومن دون "رتوش"، لأن القارئ قد لا يصدق ان هناك قدراً كافياً من الوقاحة يجعل محاولة قتل، حادثاً له علاقة بالعمل أو هدم البيوت، أعمالاً هندسية، أو طعن شاب بأنه عمل وطني. ولكن القارئ قد يجد تصديق ما لا يصدق أسهل، عندما يتذكر ان صحف اسرائيل والعالم وصحيفتنا هذه، نشرت قبل أيام خبراً عن اقتراح شركتي علاقات عامة اميركيتين ان يدهن الاسرائيليون البنادق التي تطلق الرصاص المطاطي بالأصفر أو القرمزي لتجميل قتل الفلسطينيين. ما استوقفني في ذلك الخبر، تصريح ناطق باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية انها تدرس الفكرة وستعرضها على مجلس الوزراء. هل هناك فارق بين القتل بالأسود والأبيض، أو القتل بالألوان الطبيعية؟ لا أعرف ولكن أكمل بأمثلة أخرى اسرائيلية خالصة: - احتجت اسرائيل رسمياً على نشر صحيفة "الأخبار" القاهرية قصيدة تهاجم مجرم الحرب آرييل شارون، وتقول انه خنزير دمر السلام. ما الخطأ في هذا غير اهانة الخنزير؟ هو قاتل دمر السلام، وهذه ربما كانت أفضل صفاته. - المحكمة العليا الاسرائيلية نفسها لا تطيق شارون وعندي له صفات كثيرة، إلا أنني أرفض استعمال كلمة خنزير، وهي طلبت منه معلومات اضافية عن سبب رغبته في تعيين ايهود ياتوم رئيساً لمكتب مكافحة الارهاب. ياتوم هذا قاتل، والاسرائيليون يقولون انه قتل فدائيين فلسطينيين بعد اعتقالهما وتجريدهما من السلاح، عندما كان رئيس الأمن الداخلي، وهكذا فالرد على المحكمة العليا هو أن شارون اختار قاتلاً مثله يساعده على ارتكاب الجرائم. - مارتن انديك اميركي واسترالي، الا انني أعتبره اسرائيلياً وهو أنهى الأحد الماضي انتدابه الثاني سفيراً للولايات المتحدة في اسرائيل، فقد عمل سنتين من 1995 الى 1997، ثم عين من 1999 الى 2001. وهو عائد الى مؤسسة بروكنغ باحثاً، وسيصدر كتاباً عن ثماني سنوات من الديبلوماسية في الشرق الأوسط بعنوان "ذيول غير مقصودة"، وفي حين أن انديك يقول ان الاميركيين أخطأوا وكذلك أخطأ الاسرائيليون، فإن انديك يعتبر ان أبو عمار هو المسؤول عن فشل عملية السلام برفض الصفقة التي عرضت عليه في كامب ديفيد. أبو عمار مسؤول عن فشل انديك وعصابة انصار اسرائيل في الادارة، وهم يقدمون الى الفلسطينيين "طبخة بحص" باسم السلام، ويتوقعون ان يتنازل أبو عمار عن حقوق العرب والمسلمين في الحرم الشريف، كأنه يقدر أو يستطيع. - وقاحة الاسرائيليين أو نذالتهم لا تقف عند حدودهم، فالسفير الاسرائيلي المعين لدى بلجيكا، كارمي غيلون، دافع عن التعذيب في مقابلة مع صحيفة بلجيكية، وهو تحدث من موقع خبرته في تعذيب الفلسطينيين عندما كان مسؤولاً عن الأمن في اسرائيل. والنتيجة ان حكومة بلجيكا وصحافتها هاجمته بشدة، وأصدرت وزارة الخارجية البلجيكية بياناً نادراً هاجم غيلون قبل وصوله، وقال ان بلجيكا تعترض بشدة على موقفه الذي يناقض ميثاق الأممالمتحدة ضد التعذيب، وهو ميثاق وقعته اسرائيل. من أين لاسرائيل هذه الوقاحة المرضية؟ أرد بمثل اميركي يفسر الوقاحة المشتركة. فهناك في الأممالمتحدة الآن مؤتمر دولي ضد انتشار الأسلحة الصغيرة، بسبب الويلات التي تسببها عندما تستخدم في انقلابات في دول صغيرة فقيرة. المندوب الاميركي في المؤتمر، وهو وكيل وزارة الخارجية للحد من السلاح ولشؤون الأمن الدولي جون بولتون، وقف في المؤتمر وأعلن معارضة الولاياتالمتحدة الحد من حق حمل السلاح، لأنه يناقض التعديل الثاني للدستور والولاياتالمتحدة تعتقد ان الاستعمال المسؤول للسلاح وجه مشروع للحياة الوطنية الأميركية. الوقاحة الاسرائيلية في وجه الفلسطينيين والعرب، وربما بلجيكا، والوقاحة الاميركية في وجه العالم كله.