تؤكد الزيارة المرتقبة للرئيس الأسد الى المانيا وزيارته الأخيرة لفرنسا ان سورية تراهن على دور أوروبي أكبر في الصراع العربي - الاسرائيلي، طبعاً لا بد لهذا الدور من مقومات، وهي مقومات لا تقتصر على الرغبة السياسية وانما تحتاج الى قوة ذاتية تستند عليها. فالأوروبيون كثفوا حضورهم السياسي في المنطقة، ومن المؤشرات البارزة الى رغبتهم بالعودة الى ركح الشرق الأوسط ما دار في الاجتماعات التي أجراها مفوض الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا مع جميع الفرقاء في الصراع، إذ عبر عن الرغبة بلعب دور متنام في إطفاء الحريق لكن من دون منافسة مع الدور الأميركي. حتى الآن ما زالت المساهمة الأوروبية في اجتراح التسوية تقتصر على دفع النصيب الأكبر من المساعدات للسلطة الفلسطينية بين الدول المانحة. إلا أنها تبدو غير قادرة على استثمار هذا الجهد سياسياً، فهي ما زالت تعتمد بالكامل على الولاياتالمتحدة في كل المسائل المتعلقة بالأمن الاستراتيجي ليس فقط في الشرق الأوسط وانما في المتوسط بأكمله. وعلى رغم الاعتراضات الصادرة من الفرنسيين وأوروبيين آخرين يرفض الأميركيون التنازل عن تولي قيادة جنوب المتوسط في "الحلف الأطلسي" مركزها في نابولي اضافة الى نشر قوتهم المستقلة في المنطقة المتمثلة بالأسطول السادس والذي يوجد مركز قيادته في نابولي أيضاً. وينطلق الإصرار على الزعامة الغربية من اعتقاد الأميركيين بكونهم يضطلعون بمسؤوليات كونية تتجاوز المتوسط وأوروبا لتشمل كل القارات. في المقابل لا يملك الأوروبيون قوة ذاتية أكانت جماعية أم فردية يمكن الإتكال عليها في الشرق الأوسط والمنطقة المتوسطية عدا قوات "أوروفورس" التي شكلتها أربعة بلدان لاتينية ايطاليا وفرنسا واسبانيا والبرتغال في العام 1995 والتي يوجد مركز قيادتها في فلورنسا. إلا أن دورها محدود بالتدخل في المهام ذات الطابع الانساني والمحافظة على السلام. وهكذا يبدو النهج الأمني الأوروبي، على عكس النهج الأميركي، ميالاً للمفاهمات والحلول الوسطى وليس للمجابهة، وهذا يقلل من هيبة الأوروبيين لدى شركائهم العرب والمتوسطيين عموماً. مع ذلك يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي قطع أشواطاً مهمة في تحقيق الاندماج وتشكيل قوة دولية صاعدة في ضوء نتائج القمم الأخيرة، خصوصاً اتفاق وزراء المال على تسريع إدماج الأسواق المالية الأوروبية على غرار ما حدث في الولاياتالمتحدة مما سيؤدي لتعزيز قدرة أوروبا الموحدة على المنافسة. هذا لا يعني أن القوة الأوروبية تشكلت واكتملت فهي في طور التبلور، إلا أن كل المؤشرات ترشحها لتكون المنافس الأول لأميركا، ومن هذه الزاوية يمكن أن يلعب الموقف العربي دوراً ايجابياً في مساعدتها على الخروج من الإنكفاء والتجاسر على البحث عن دور مستقل. لكن لا معنى لهذه السياسة إن لم تكن خياراً جماعياً للعرب، فليس مجدياً أن يتعاطى بلد عربي أو اثنان مع أوروبا على هذه القاعدة وانما يكتسب "الخيار الأوروبي" ان صحت التسمية وزنه وفاعليته متى ما كان قائماً على رؤية لمستقبل التطورات الدولية ومستنداً على خطة جماعية للتعاطي مع الكتل أقله في مستوى التحرك العربي المشترك الذي كان سائداً قبل اندلاع حرب الخليج الثانية.