تعثر مشروع القمة الافريقية - الأوروبية شهوراً طويلة بسبب خلاف عربي - عربي ثم سقطت الحواجز وانطلق قطار التنفيذ سريعاً بمجرد ما تحقق وفاق عربي - عربي. وقياساً على تذليل العقبات أمام القمة الافريقية - الأوروبية يمكن القول إن الخلافات التي تعطل عقد القمة العربية قابلة هي الأخرى للتذليل والتجاوز. أكثر من ذلك يمكن أن تشكل القمة الافريقية - الأوروبية "بروفة" لقمة عربية - أوروبية تكون إطاراً لوضع كثير من الملفات العالقة بين الجانبين على مائدة البحث. بالطبع ليس وارداً التفكير في لقاء أوروبي - عربي في أعلى المستويات طالما لم تتحسن صحة الوفاق بين العرب أنفسهم ولم ينهض التضامن العربي من غيبوبته. لكن يبقى قبول المغرب مشاركة كاملة في قمة القاهرة بعد الوصول الى حلول وسطى مع الجزائر مؤشراً الى المدى الذي يمكن أن يصل إليه التفاهم على أساس التنازلات المتبادلة بين البلدان العربية التي تباعد بين بعضها البعض جبال من الصراعات والضغائن والخلافات الحدودية. ربما يحتاج العرب أكثر من الأفارقة الى قمة جرد حساب مع أوروبا، قمة تؤسس لعلاقات جديدة أقل اختلالاً وإجحافاً وأكثر عدلاً وندية. وإذا كان العرب قادرين اليوم على استضافة قمة أفريقية - أوروبية فهم قطعاً أقدر على اجتراح قمة عربية - أوروبية، أقله نظرياً، بعد انضاج الظروف الذاتية لعقدها. ماذا يمكن أن يطرح على جدول أعمال قمة من هذا النوع؟ الثابت أن قضيتي المديونية ونقل التكنولوجيا، خصوصاً تكنولوجيا الإعلام التي باتت عنوان العصر وعلامته المميزة، ستتبوآن المركز الأول بين مشاغل العرب، اضافة الى حرية التجارة واستقطاب الاستثمارات ومصير اتفاقات الشراكة. تربط صيغة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وسبعة بلدان عربية بعضها وقع على اتفاقات في هذا الاطار وبعضها الآخر يستعد للتوقيع وبعض ثالث لا تزال المفاوضات بينه وبين الاتحاد الأوروبي تراوح مكانها بسبب خلافات على مضمون الاتفاق. لكن طالما بقيت البلدان العربية تتعاطى مع الأوروبيين في مسارات منفصلة فإن ميزان القوى خلال المفاوضات على توقيع اتفاقات جديدة أو تجديد اتفاقات الشراكة السابقة، سيكون لغير صالح الجانب العربي. ولو استطاع العرب المتوسطيون إعادة صياغة إطار العلاقة مع الأوروبيين للنسج على منوال مجلس التعاون الخليجي الذي يحاور الاتحاد الأوروبي بوصفه تجمعاً اقليمياً لحسنوا شروط الحوار السياسي والاقتصادي وحصلوا على مكاسب أكبر. صحيح ان هناك منافسة بين البلدان العربية ذات الاقتصادات المتشابهة مما يجعل التنسيق صعباً، إلا أن حل هذه المشكلة ممكن في اطار عربي لأن ما يفرق بين البلدان العربية والاتحاد الأوروبي أكبر مما يفرق بين بعضها البعض. وفي غياب ذلك سيبقى الطرف الأوروبي هو الذي يملي اطار الشراكة وأهدافها وشروط اجتراحها. كذلك تتبوأ القضايا الأمنية موقعاً رئيسياً في العلاقات العربية - الأوروبية وستشكل القمة العربية - الأوروبية، لو بدأ الإعداد لها من الآن، اطاراً للدفاع عن وجهة النظر العربية في وجه منطق الريبة والتوجس الذي يرى في المنطقة الجنوبية للمتوسط بؤرة للارهاب ومصدر متاعب أمنية واجتماعية لأوروبا. والأكيد ان البحث في مستقبل العلاقات من ضمن اطار جماعي وفي أعلى مستوى كفيل ليس فقط بمنح ضمانات أقوى للأوروبيين، وانما أيضاً بجعلهم يتخلون عن منطق تشكيل قوات تدخل سريع أو "أوروفورس" موجهة الى بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، وكأن العالم لا يزال يسير بمنطق الغزو العسكري الذي ساد في القرن التاسع عشر. وفي ظل التغييرات الكبيرة التي عصفت بالعالم لا يمكن للعلاقات الأوروبية - العربية ان تستمر في اطار المسارات المنفصلة التي تكرس مزيداً من التفاوت والهيمنة، فإرساء حوار مؤسسي بين المجموعتين على غرار القمة الافريقية - الأوروبية سيكون لبنة أولى نحو إرساء حوار ندي وبناء علاقات متكافئة تضمن مصالح الطرفين من دون هيمنة أو استعلاء. لكن الشرط الأساسي لاقامة هذا النوع من العلاقة مع أوروبا ترتيب شؤون البيت العربي أولاً وانهاء الخلافات تدريجاً للبحث لاحقاً في ما يجمع ويبني مستقبلاًً مشتركاً.