تشير الاحصاءات الرسمية الى ان عدد حالات الاصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" في اليمن حتى نهاية العام الماضي 875 حالة وهي الحالات المسجلة فقط، بمعنى انه بحسب المعايير الدولية تصل الى 8 آلاف حالة إذا قيست كل حالة مكتشفة بعشر مجهولة. ويقول مسؤول الإرشاد النفسي والاجتماعي في البرنامج الوطني للإيدز احمد الضبيبي ل"الحياة" ان 209 حالة توفيت والبقية يحملون المرض حالياً. ومن بين المصابين 54 في المئة غير يمنيين وخصوصاً من منطقة القرن الأفريقي وبالتحديد من أثيوبيا والصومال. ويؤكد الضبيبي ان معظم الاصابات بسبب المشاكل الجنسية والممارسات الشاذة وغير السوية ونسبة قليلة ناتجة عن نقل الدم. وأسست وزارة الصحة والسكان اليمنية برنامجاً لمكافحة الايدز بالتعاون مع الأممالمتحدة لكنه يمارس دور التوعية الصحية ويقيم حملات توعية فقط من دون ان يكون لديه الامكانات الكافية، ولديه خطة للتدريب وتأهيل الكوادر اليمنية للتعامل مع المرضى. ولأنه من الصعب الوصول بسهولة في مجتمع محافظ كاليمن على مريض يعترف صراحة انه مصاب بالايدز استعنا بمركز اعلام الأممالمتحدة في صنعاء وبالبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز على تأمين المريض الذي يمكن ان نتحاور معه. في البداية رفض التصوير والتصريح باسمه واتفقنا على ذلك مع الاشارة الى الرموز الأولى فقط، فهو السيد م.ح.س، ويقول: "عمري يتجاوز الأربعين بقليل وكنت أعمل في أحد المطاعم في السعودية. ولأنهم يجرون هناك فحصاً دورياً للعاملين فقد تم اكتشاف اصابتي بالإيدز وتم ترحيلي عبر وزارتي الصحة في البلدين الى صنعاء. كان ذلك قبل أربع سنوات تقريباً ولم تكن معي في حينه زوجتي المسكينة أو أولادي الأربعة الذين يبلغ عمر أكبرهم 12 عاماً وأصغرهم سبع سنوات لأنهم كانوا في اليمن وهذا من رحمة الله بهم جميعاً. وبعد عودتي عشت ظروفاً قاسية فبعد ان عرف اهلي انني مصاب بالايدز قاطعوني بل وحاولوا قتلي في القرية لأن ذلك من وجهة نظرهم عار عليهم جميعاً. ليس ذلك فحسب فقد قاطعني أهل زوجتي وقاطعوا ابنتهم التي حذروها من البقاء معي الا انها رفضت تماماً التخلي عني مما يزيد من ندمي على خيانتها وتجاوز شرع الله. اسكن الآن في منزل بسيط في أحد أحياء صنعاء بإيجار 6 آلاف ريال شهرياً والمشكلة الكبيرة التي أواجهها هي الظروف المادية الصعبة إذ انني من دون عمل وتعطيني وزارة الشؤون الاجتماعية مبلغاً زهيداً كل ثلاثة أشهر لا يسد رمق الأطفال. لا أحد يعرف حقيقة مرضي من الجيران الذين اتعامل معهم ولا في أوساط العمال الذين أذهب معهم احياناً للعمل باليومية في الساحات العامة. في احدى المرات قطعت السكين يدي بينما كنت أنظف في احد المطاعم وحينما رأيت الدم ذهلت خوفاً على نقل المرض الى أحد العمال فقمت بمسح السكين وغسله جيداً وتعقيمه ثم استأذنت من صاحب العمل لمدة أربعة أيام حتى شفي الجرح تماماً. زوجتي وأولادي يعرفون حقيقة المرض ونأكل سوياً ولكن لي أشيائي الخاصة مثل الفوطة ومعجون الأسنان والملابس وأحلق ذقني بشفرات احتفظ بها بعيداً عن الجميع. لا أريد ان ينتقل المرض الى أحد وأحرص على أسرتي جداً في ذلك. أتعامل في شكل طبيعي مع زوجتي بعد ان زودتني وزارة الصحة ببعض العوازل استخدمها وقت اللزوم. لعلكم تريدون معرفة كيفية اصابتي بهذا المرض اللعين: لقد نقل اليَّ دم في احدى المرات بعد اجراء عملية اللوز لكني اعتقد ان السبب الرئيسي في الاصابة هو "المشي البطال" والاختلاط الجنسي مع حبشيات وصوماليات وجنسيات اخرى لعدة سنوات. لم أكن اعرف ان عقاب الله سيكون بسرعة فقد كانت الصدمة أكبر من ان يصدقها عقل عندما أخبروني انني مصاب بمرض لا شفاء منه أبداً. حالياً أنا أعيش في منزلي وبين أفراد أسرتي ولكن أشعر ببعض التعب العام والإرهاق وليس لدي ما يعينني على التغذية السليمة أو شرب السوائل والعسل لتنشيط الدورة الدموية وتقوية الجسم. أنا مؤمن بقضاء الله وأصلي دائماً خصوصاً بعد الاصابة وأتمنى ان يغفر لي كل الخطايا والأخطاء التي ارتكبتها في حياتي وأعرف ان نهاية هذا المرض الموت ولكنني لا أخاف الموت بقدر خوفي على مصير أولادي الذين لا يجدون قوت يومهم. لا أتعاطى اية علاجات طبية لأنني لا أملك مالاً وأذهب احياناً الى بعض أطباء الأعشاب لآخذ بعض الأشياء المفيدة للجسم. أسمع انه هناك علاجات متطورة والعلماء يحاولون الى الآن من دون جدوى ولكن أتطلع وكلي أمل الى ان يتوصلوا الى علاج لهذا المرض فما خلق الله داءً إلا وله دواء وان تأخر اكتشافه. كل فترة اذهب الى المستشفى لتحليل عينات من الدم وكذلك زوجتي وأولادي بدعم من وزارة الصحة. وبين الفترة والأخرى يزورني مرشد من وزارة الصحة ليعلمني كيفية عدم الحاق الأذى بالآخرين وعدم الاختلاط اضافة الى ارشادات نفسية ودينية جيدة تعطي للإنسان بعض الأمل في الحياة. أخفي حقيقة مرضي عمن حولي خشية ان يعتقلونني".