يحلمون بالحياة الطبيعية كغيرهم، ويأمل بعضهم أن يصفح الناس عنهم غلطة ربما لا ذنب لهم فيها، إنهم المصابون بمرض نقص المناعة المكتسب «الإيدز» الذين أجبرتهم نظرة المجتمع على الانزواء بعيدا في زاوية لا تعرف سوى الظلام والنظرة القاصرة. ويعاني مرضى الإيدز من فقد الحياة التشاركية مع بقية أطياف المجتمع، أولئك الذين يرمقونهم بنظرة فيها من الازدراء الشيء الكثير، وفيها من التخلي عنهم ما يكفي ليشعرهم بذنب خطيئة قد لا يكونون ارتكبوها. في البداية، تحدثت أم حسين عن معاناتها، حيث تذكر أنها واجهت مصاعب كثيرة على فترة امتدت لنحو 13 عاما، وروت أم حسين قصتها قائلة «في البداية، واجهت مصاعب كبيرة منذ 13 سنة، وبقيت أخفي إصابتي بالمرض طيلة فترة ليست بالقصيرة؛ خشية تعليقات الناس والذين لن تقنعهم الأسباب الحقيقية لعدم وجود التثقيف الكافي عن المرض، كذلك لعدم درايتهم بمسببات نقل الفيروس». وأضافت «اكتشفت المرض وأنا حامل بالشهر التاسع، قمت بالمراجعة المعتادة للحمل وقالوا لي بأني مصابة بمرض نقص المناعة المكتسب، أصبت بصدمة وانهيار ولمدة سنة كانت المهدئات تلازمني لأتمكن من الراحة ولأحصل على ساعات معدودة من النوم». وأشارت أم حسين إلى أن المجتمع يعتبر العائق الوحيد الذي واجهته، فالناس على حد وصفها يخشون المرض ويخافون من الاقتراب ومصافحة المصابين به، مضيفة «برغم التوعية الحالية وتطور وسائل التثقيف إلا أن المجتمع لا يزال يرفضنا» عيادات ترفضنا وعن أبرز المواقف التي واجهتها تقول «ذات مرة زرت عيادة للأسنان، وأخبرتهم بأني مصابة بمرض نقص المناعة المكتسب ارتبكوا وقاموا بإعادة قيمة المراجعة لي، متحججين بأن الأجهزة متعطلة، وأن العيادة لا تحوي أجهزة مخصصة لعلاج مرضى الإيدز». وختمت أم حسين بمناشدة المجتمع أن يتفهم حقيقة المرض، وأن يعي أن ما أصاب الكثير منهم قضاء وقدر لا ذنب لهم فيه. 8 أشهر بلا دواء من جهتها، قالت أم حسن (متعايشة مع الفيروس منذ 11 عاما): «تلقيت الخبر بعد إجرائي فحصا طبيا في أحد المستشفيات، وبعد اكتشاف إصابتي لم أحصل على الدواء لمدة ثمانية أشهر بسبب عدم توفر العقار المناسب». وأضافت «لم تتقبلني أسرتي وأصبت بالإحباط، كما أن نظرة أبنائي لي زادت من معاناتي، إلا أني تغلبت على المشكلة وتمكنت من تثقيف من حولي وإفهامهم بأسباب وطبيعة إصابتي». أمي رفضتني وتذكر أخرى (فضلت عدم الإفصاح عن اسمها) أن معاناتها الوحيدة تمثلت في المجتمع المحيط بها والذي رفض وجودها تقول: «كان اعتقاد من حولي بأنه لا يصيب إلا متعاطي المخدرات وذوي السلوكيات المنحرفة، وأولئك الذين يقدمون على علاقات محرمة، وهذا التصور أوقعني في مأزق مع أسرتي ومن حولي». وزادت «اكتشفت المرض بعد وفاة زوجي بستة أشهر، واكتشفت أن المرض انتقل إلي عن طريقه، والمؤلم أني سمعت من أحد الجيران يحذر أسرته وأبناءه من زيارتي، ويطلب منهم ألا يقتربوا مني لأني مصابة وزوجي توفي بذات الفيروس»، مضيفة «تألمت من الجميع إلا أن أكثر الألم كان من والدتي التي ابتعدت عني في وقت أنا في أمس الحاجة لأن أكون قريبة من حضنها». نظرة دونية ونفور فيما أكد المواطن (أحمد .ص) بأن العائق الوحيد الذي يراه في حياته نتيجة إصابته بمرض الإيدز هو نظرة المجتمع الدونية للمريض التي تصل إلى حد الاحتقار والتهميش للأسف، مشيرا إلى أنه بمجرد معرفة شخص بأنه مريض بالإيدز، سواء من خلال معاملة شخصية له في دائرة حكومية يجد مباشرة نفورا من قبل هؤلاء الأشخاص. في اتصال هاتفي، قالت أم إبراهيم (مواطنة في العقد الخامس ومصابة بالإيدز بسبب نقل دم ملوث لها قبل 22 عاما) إن معاناتها بدأت عقب أن أجرت عملية جراحية في مستشفى حكومي قبل 22 عاما تقريبا، وتم نقل دم لها، ثم تبين أن الدم المنقول لها يحمل فيروس نقص المناعة، الأمر الذي جعلها تعيش مأساتها، وبعدها قررت مع زوجها كتمان الخبر، لكنها لم تستطع فعاشت مأساة اجتماعية لا مثيل لها بحسب قولها، فزوجها طلقها بعد أقل من سبعة أشهر؛ لأنه كان يخشى على نفسه من الإصابة بالمرض، وجميع من حولها يبتعد عنها ويخاف الاقتراب منها، رغم أن الجميع كان يعرف أن سبب المرض هو نقل الدم، وتواصل «ولكن تسلحت بالتوكل على الله وقاومت بمفردي رغم كل المعاناة، ووجدت فاعل خير –رحمه الله رحمة واسعة – ساعدني كثيرا، واستأجر لي منزلا، ومنحني راتبا شهريا، وتكفل بكل الأدوية المطلوبة لي، ثم بدأ الجميع يعرف أن المرض غير معد إذا أخذت الاحتياطات اللازمة، وأن المصاب يمكن أن يعيش وهو حامل الإيدز بشكل طبيعي طالما توفرت الأدوية المناسبة له . وفي حالة معاكسة، عاش الشاب محمد (28) سنة قصة مأساوية عندما تقدم بطلب للكشف الطبي للزواج . وبدأ فحص ما قبل الزواج وفق النظام في مستشفى حكومي في جدة قبل عامين، ليصدر تقرير طبي يكشف عن أنه مصاب بفيروس الإيدز، ثم أعاد الكشوفات في مستشفيات حكومية أخرى وجاءت ذات النتيجة، فدخل الشاب في حالة نفسية سيئة كادت تنهي حياته، وأوقف زواجه وبدأ الجميع ينظر إليه وكأنه مجرم، وبعد أسابيع من البحث والتقصي كانت المفاجأة أن جميع التقارير الصادرة من المستشفيات الحكومية خاطئة، وثبت أن الشاب غير مصاب بالفيروس، وتقدم على أثر ذلك بشكوى إلى وزير الصحة، وتشكلت لجنة أثبتت أن هناك أخطاء جسيمة ارتكبت، وأحيلت القضية إلى القضاء، فيما اتخذت وزارة الصحة وقتها عددا من القرارات التصحيحية، في حين احتاج الشاب إلى مراجعة عيادة الطب النفسي بعد أن عاش أسابيع عصيبة جدا ابتعدت عنه عروسه وتخلى عنه الجميع. زواج المصابين إلى ذلك، علمت «عكاظ» أن عددا من الحالات المصابة بمرض الإيدز تم تزويجها عبر إحدى الجمعيات المتخصصة، وذلك عن طريق تزويج مريض الإيدز بمريضة إيدز بعد استكمال شروط الموافقة من الطرفين. من جهتها، أكدت جمعية حقوق الإنسان السعودية في وقت سابق أنها تلقت شكاوى من مواطنين مصابين بمرض نقص المناعة «الإيدز» ضد جهات عملهم، والتي يقولون إنها قامت بفصلهم بعد اكتشاف إصابتهم بالمرض، مشيرة إلى أن تلك الشكاوي تعتبر قليلة جدا، ولكنها سجلت ورصدت من قبل الجمعية. وتحدث (س . ز)، وهو أحد المصابين بمرض الإيدز، حيث ذكر أنه تقدم بطلب إلى وزارة الخارجية السعودية للموافقة على عقد قرانه على فتاة مصابة بنفس المرض من إحدى الدول العربية. وأضاف «تم رفض قبول طلبي بالرغم من حصولي على تصريح زواج من قبل وزارة الداخلية السعودية، وبالرغم من قيامي بالكثير من الإجراءات في بلد الفتاة إلا أن السفارة السعودية رفضت الموافقة على إتمام الزواج، وبالتالي عدم حصول الفتاة على تأشيرة دخول إلى المملكة، حيث أن الكشف الطبي أثبت إصابتها ب«مرض الإيدز». وتابع القول «لجأت إلى الزواج من الخارج بعد أن فشلت جميع المحاولات من الحصول على الزوجة التي تقبل بي من داخل المملكة؛ لرفض الكثير من الفتيات الاقتران بزوج مصاب بالإيدز، وذكر حتى الاقتران بزوجة مصابة بات حلما صعب المنال، بسبب الإجراءات التي يتم العمل بها في مثل هذه الحالات». الشابة (ح . ن) مصابة ذكرت أن الزواج متاح لنا فقط عند اختيار زوج يحمل نفس المرض، ولكن بشروط وضوابط تحد من الإضرار بالمجتمع، وأضافت هناك جهات اجتماعية تقوم بالتنسيق مع جميع المصابين في المملكة من الجنسين لتحقيق رغباتهم بالزواج، وذلك من خلال الارتباط بين الشاب المصاب والفتاة المصابة بنفس المرض، على أن يتعهد الزوجين بإجراء فحوصات دورية لمنع انتقال المرض إلى الأبناء في حال الإنجاب. الفتاة (م . ك) مصابة بمرض الإيدز ذكرت أن المجتمع ينظر للمصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز» بصورة قاسية، حيث يمتنعون عن التعامل معهم بأي شكل من الأشكال، وأضافت أن فكرة الزواج من مصابي الإيدز من الجنسين هي فكرة مرفوضة تماما داخل أوساط المجتمع السعودي، مؤكدة في الوقت نفسه أن الطريقة الوحيدة لزواج مريض «الإيدز» هو ارتباطه بآخر يحمل نفس المرض على أن تكون تحت إشراف لجنة مختصة . الشاب (ح . ع) مصاب بالمرض منذ أكثر من 7 أعوام، ذكر أن الطريقة الوحيدة لزواج مصابي الإيدز هو اللجوء إلى الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز، حيث تتولى ترتيب جميع الإجراءات اللازمة لعقد قران شاب وفتاة مصابين بالإيدز. وأضاف أن المجتمع السعودي يرفض التعامل مع مريض «الإيدز»، فكيف له أن يقبل بتزويجه . من جهته، قال المدير التنفيذي للجمعية السعودية لمرضى الإيدز موسى هيازع: «نحن في الجمعية نهتم بجانبين، الجانب الأول الاهتمام مع المتعايشين بمرض فايروس نقص المناعة المكتسب، والجانب الآخر والأهم الجانب التوعي، وذلك بتوعية أفراد المجتمع بماهية المرض والوقاية والانتقال والتعريف بحقوق هؤلاء المرضى بعيدا عن نظرة الوصمة والتمييز». وأضاف «لدينا العديد من البرامج كتوزيع السلال الغذائية والبرامج الترفيهية والتثقيفية وتوفير الأجهزة الكهربائية للمتعايشين مع هذا المرض، وأيضا زيارة المتعايشين في منازلهم وكان له دور إيجابي في تحسين الصورة النفسية لهؤلاء المتعايشين». وزاد «واجهنا صعوبة المجتمع إلى الآن في أن نسبة منهم لا يريدون تقبل المرض ولا يريدون تقبل المتعايشين بهذا المرض، لهم نظرة وصمة وتمييز، وهؤلاء المرضى لهم الحق في الحياة، ولهم الحق في العلم، وأيضا الحق في الزواج، فيجب علينا أن لا ننظر إليهم بهذه النظرة الخاطئة». فيما أوضحت الأخصائية الاجتماعية باسمة عبدالعزيز أن الدعم النفسي يأتي في مقدمة الأمور لتقبل المريض إصابته بالمرض ومن ثم إبلاغ المجتمع بحالته، مضيفة «نبدأ في إقناع المصاب بأن حياته لم تنته، بل إنه يستطيع إكمال حياته إذا طبق العلاج على أكمل وجه، وكانت حالته جيدة والتي يكون لها الأثر الكبير في إخماد الفايروس والحد من نشاطه». وأشار استشاري الأمراض المعدية ومدير الجمعية السعودية للأمراض المعدية والأحياء الدقيقة الدكتور نزار باهبري إلى أن حقوق مريض الإيدز مهدرة ولا تعدو كونها حبرا على ورق، فمريض الإيدز منبوذ في المجتمع ويوصم وصمة عار، وينظر إليه أنه صاحب أفعال مشينة، رغم أن الإيدز ليس بالضرورة أن ينتقل عن طريق العلاقات المحرمة، بل ينتقل عبر نقل الدم وعبر عيادات الأسنان وصوالين الحلاقة.