يعرض هذا البحث وضع الاوقاف الاسلامية في الولاياتالمتحدة الاميركية ويلقي الضوء على الوضع المالي والاداري للأوقاف في اميركا الشمالية. كما يحاول ايجاد سبل لتفعيل الوضع الاسلامي من خلال تنشيط الثروة الوقفية التي تتجاوز ال80 مليون دولار ويبحث عن امكان الافادة من التجهيزات المكتبية والمطابع التي تملكها الاوقاف لتخلق اجواء اسلامية فيها حياة في شكل اكبر مما هي عليه الحال الآن. ينقص المباني الوقفية التي في ملكية الاوقاف مؤسسات تجارية صغيرة او كبيرة تكون وقفاً مالياً يضمن للمراكز والمساجد الاسلامية دخلاً يكفي القائمين عليها ذل السؤال. يؤكد البحث على ضرورة ترشيد الخطاب الاسلامي في المراكز والمساجد التابعة للأوقاف وذلك لا يعني بأي حال الحجر على اي نوع من الافكار المعتبرة مهما كان الخلاف بيها كبيراً. لكن على الاقل لفت الانتباه الى الخطاب الذي يقدمه بعض الخطباء هواة كانوا ام محترفين لتفريق الامة ولجعل المسلمين اكثر انغلاقاً في مجتمع اميركي اكثر ما يميزه الانفتاح على الآخر. يقترح هذا البحث الحض على القراءة من خلال وضع حد ادنى لعدد الكتب التي يملكها اي مركز اسلامي او مسجد وعلى الأقل الاحتفاظ بنسبة من آلاف الكتب التي تطبعها الاوقاف الاسلامية الاميركية، وكذلك يقترح البحث رصد منح لطلبة العلم وتفعيل الدور الاعلامي من خلال صحافة فاعلة واذاعة وتلفزة تخدم رسالة الاسلام. ان العمل على تلافي سلبيات الوضع الاستاتيكي للأوقاف الاسلامية يجعل هذه المؤسسة تملك وتحكم في آن معاً. النصوص الشرعية التي يحشدها مؤيدو الوقف الاسلامي من امثال آية "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" 3-92 او "ومالكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والارض..." 57-10 وكذلك آية "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً وله أجر كريم" 57-11 وآيات اخرى تحمل في ثناياها حضاً على الانفاق إن تصريحاً او تلميحاً، وكذلك الاحاديث الكثيرة التي لعبت المهمة نفسها في تحفيز اصحاب الاموال من هذه الامة وفقرائها في نيل الخير بالانفاق. هذه الاحاديث ساعدت الوقف الاسلامي على تنشيط عملية النمو الاقتصادي والاجتماعي والعلمي. وما زال بعض الاوقاف قائماً كشاهد على مدى خيرية هذه الأمة التي تسعى لاستمرار الخير الى ان يرث الله الارض ومن عليها. والمسلمون في الولاياتالمتحدة الاميركية لم يشذوا عن هذه القاعدة اذ آمنوا بأن الحفاظ على الهوية الاسلامية يستلزم تضحيات كبيرة بالمال والجهد والوقت فقاموا بردف المسلمين المهاجرين منهم والمسلمين من اصل اميركي بالكثير من المؤسسات والمنظمات والمساجد والمراكز الاسلامية التي تقوم على ترسيخ دعائم الاسلام في شمال الولاياتالمتحدة وتحاول ايجاد مناخ اسلامي للأجيال المقبلة والسابقة ضمن بيئة التفلت الاخلاقي تحت ظل اعظم دولة علمانية في العالم. لكن السؤال هو الى اي حد نجح مسلمو اميركا في تفعيل هذا الموقف؟ وما هي ايجابيات وسلبيات العمل الوقفي الاسلامي في اميركا الشمالية؟ وما هي سبل تجاوز سلبيات العمل الوقفي؟ تأسست مؤسسة الوقف الاسلامي في اميركا الشمالية The North American Islamicّ NAIT Trust عام 1971 من قبل "منظمة الطلبة المسلمون في اميركا" MSA وهي مخولة بحماية ورعاية الأصول المالية لمنظمة الجمعية الاسلامية لشمال اميركا او ما يعرف بالISNA والMSA وكذلك جاليات اسلامية اخرى اختارت ان تلتحق بمؤسسة الوقف الاسلامي. وتقوم مؤسسة الوقف بادارة رؤوس الأموال بحسب الشريعة الاسلامية وبما يخدم مصالح الاسلام والمسلمين. وصل عدد المراكز الاسلامية التي التحقت بمؤسسة الوقف الى 231 مركزاً اسلامياً عام 1996 بينما لم يكن يتجاوز عددها 40 مركزاً عام 1982، كما وصل مجموع الأصول الثابتة التي تديرها الأوقاف الى اكثر من 83 مليون دولار عام 1996. استفادت بعض المراكز الاسلامية من القروض التي منحتها مؤسسة الوقف الاسلامي NAIT والتي تجاوزت المليوني دولار ونصف المليون ومن هذه المراكز المركز الاسلامي لمقاطعة باسييك في نيوجرسي والجمعية الاسلامية لمدينة كانساس الكبرى والمركز الاسلامي في سان انطونيو في تكساس وجمعيات اسلاميات اخرى في شتى الولايات. تتألف الNAIT من أقسام عدة: 1- قسم المراكز الاسلامية Islamic Centers Division ICD اسس هذا القسم عام 1981 ويقدم للمراكز الاسلامية العون في الاصلاحات والتطوير واعمار المدارس وحمايتها من اي مخاطر قانونية ويعمل هذا القسم على تأمين الاستشارات القانونية للمراكز الاسلامية عبر قسم الخدمات القانونية LSS او في الحصول على تراخيص بناء او حصول التراضي تجاه التزامات مالية سابقة وخدمات قانونية كثيرة لها علاقة بتنظيم المؤسسات والمراكز الاسلامية. كما تمنح مساعدة عبر قسم التمويل التعاوني للمراكز الاسلامية ICCF للتحضير لحفلات جمع الاموال وتزويد المواد القانونية اللازمة في ما يخص العقارات وكذلك محاولة تأمين القروض بلا فوائد للمراكز الاسلامية. 2- مؤسسة مطبوعات الوقف الاميركية American Trust Publication ATP وتتولى تأمين مطبوعات ترعى الشؤون الثقافية والتعليمية الاسلامية توازي حجم المقبلين على اعتناق الدين الاسلامي. تأسس القسم عام 1976، ويطبع كتباً للأطفال وللشباب وللبالغين وللعائلة المسلمة. وبعض المطبوعات يكون عوناً للعائلة المسلمة على التأقلم مع المجتمع الغربي. من الاصدارات: "فقه السنّة" للدكتور السيد سابق بالانكليزية و"حياة محمد" للشيخ محمد هيكل وكذلك كتب للشيخ القرضاوي وغيره من العلماء والمفكرين الاسلاميين أسهمت في اغناء المكتبة الاسلامية في اللغة الانكليزية. 3- مركز المرئيات والسمعيات Audio Visual Center AVC اسس هذا القسم عام 1981 ليسهم مع الاقسام التثقيفية الاخرى في إغناء المكتبة الاسلامية. مهمته التثقيف السمعي والمرئي ويشرف على هذا القسم اصحاب كفايات عالية. بين اعماله تسجيلات لتلاوة القرآن وألبومات و1500 شريط للشيخ جمال البدوي بتعليم الاسلام و6000 نسخة من مفكرات وتقاويم روزنامات اسلامية تحمل التاريخ الهجري وتذكر بالوقائع الاسلامية في الماضي والحاضر. كما يقوم هذا القسم بعمليات الطبع والنسخ والانتاج لكل ما يخص نشاطات منظمة الNAIT التي خرجت الISNA من عباءتها. 4- خدمات الكتب الاسلامية Islamic Book Service IBS اسس هذا القسم عام 1965 ويحتوي على اكبر مكتبة اسلامية في شمال اميركا ويعد احد اهم وأقدم الاجهزة عندما كان تابعاً لمنظمة الMSA ويقوم هذا القسم بالاحتفاظ بكتب من لغات عدة لخدمة المسلمين الاميركيين ولديه اشرطة لمجودين للقرآن الكريم ولوحات حائط وشرائح ضوئية اسلامية. 5- التمويل التعاوني للمراكز الاسلامية Islamic Crnters Cooperative Fund ICCF تأسس عام 1979. ويجمع التبرعات إضافة الى عوائد الاستثمارات الاسلامية من طريق المؤسسة الوقفية ووصل مجموعة المبالغ التي وضعت لهذا الغرض عام 1996، 20 مليون دولار. وكان عائد الاستثمار هذه الاموال 8 في المئة في العام نفسه. تقبل مؤسسة الوقف الاسلامية الاميركية تمويل المشاريع من طريق القرض الحسن او من طريق احد طرق القرض الحلال التي تحقق العائد للمساهم. يلقى كثير من المراكز والمساجد الاسلامية الدعم المالي من الICCF فالمركز الاسلامي في باسييك حصل على مبلغ 250 ألف دولار والمركز الاسلامي في كانساس على مبلغ 75 ألف دولار وكذلك الحال بالنسبة الى مركز سانت انطونيو اذ اقترض مبلغ 65 ألف دولار وهناك مساجد ومراكز اسلامية كثيرة استفادت من هذا الصندوق التعاوني اذ بلغت مجموع القروض 5،2 مليون دولار. 6- قسم الخدمات القانونية Legal Services Section LSS يقدم الخدمات الاستشارية للمراكز الاسلامية. ويشرف عليه متخصصون في شؤون القانون الاميركي، لتقديم الاستشارات في ما يخص تحضير الضرائب المحلية والفيدرالية، 7- قسم الاستثمار الاسلامي أمانة للتمويل المتبادل Amana Mutual Funds Trust لاستثمار الاموال بطريقة اسلامية في اسواق الاسهم العالمية بالمحافظة على تنوع الاستثمار والابتعاد من المؤسسات التي تتاجر في القمار او الكحول او تختص بالعمل الربوي او اي تجارة مخلة بالأخلاق. بلغ مجموع الاموال التي تديرها ادارة الوقف الاسلامي اواخر عام 1996 اكثر من 19 مليون دولار. لامركزية وتنشيط الوقف الاسلامي في الولاياتالمتحدة يتميز بلامركزية شديدة في الادارة وهذه السياسة لم تنتهجها الNAIT انسجاماً مع واقع الرأسمالية والغرب الصناعي والسياسات اللامركزية التي يتبناها الفكر الصناعي الغربي ولكنه واقع الحال فرض نفسه على التركيبة الادارية للمؤسسة الوقفية الناشئة. وعلى ادارة الوقف ان تضاعف جهودها لحماية المسلمين بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الاخرى ان تحاول استثمار المراكز الاسلامية التي انتسبت طوعاً الى الNAIT ولعل من الاقتراحات التي يمكن بحثها. شراء الاراضي او المتاجر او المستوصفات حول المساجد وبناء وحدات سكنية حول المراكز الاسلامية والمساجد وتأجيرها للمسلمين من طلبة وغيرهم وادارة هذه المباني يخلق فرص عمل كثيرة من تنظيف المباني وادارتها ليلاً الى الاشراف على مرآب السيارات او إزالة الثلج وقص العشب وخدمات كثيرة تعد ضرورية في الولاياتالمتحدة يدفع لها لطلبة العلم تساعدهم على تأمين لقمة العيش طوال فترة دراستهم. واقع الحال ان هناك بعض المبادرات الفردية المشكورة هنا وهناك في هذا الاتجاه لكن الأوقاف ليست معنية بتنظيم هذه المراكز. ولا بد من تشكيل ادارة خاصة لتأمين الوظائف في الشركات الاميركية والعربية. وهناك ضرورة حيوية لامتلاك مؤسسة الاوقاف محطة اذاعية وتلفزيونية كي تكون صلة الوصل بين المسلمين في الولاياتالمتحدة ويصل صوت المسلمين الى الرأي العام الاميركي. وقد اجرت احدى المنظمات دراسة لشراء اذاعة تبث على الموجة القصيرة وكلفتها لا تتجاوز نصف مليون دولار وهذا يعد مشروعاً تجارياً مربحاً. * رئىس "منتدى الفكر والثقافة" في أميركا الشمالية.