فكرة نداء يطلقه الشاعر الفلسطيني محمود درويش في ذكرى النكبة الفلسطينية الأولى، ومن اجل حماية الشعب الفلسطيني من المذابح الهمجية الاسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، تنطوي على مغزى حضاري: الإبداع، في مواجهة الفاشية، بما في هذه المواجهة من تحريض الوعي الانساني على مقاومة غرائز القتل، واعتياد رؤية الدم كمشهد يومي يتكرر فلا يستثير الاحتجاج. صاحب النداء، الشاعر محمود درويش، قيمة ابداعية مرموقة، تتكثف في شخصه مثلما في ابداعه صورة الضحية التي تواجه الذبح المنظم، كما تواجه لعبة تزييف الأدوار، حيث جشع القاتل الذي يتطلع وسكينه تقطر دماً، أن تتصدر صورته شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد الكبرى، باعتباره ضحية، ليس إلا... كيف لا وهو الذي "برع" في توظيف عذابات مذابح غربية من اجل تسويغ مذابح راهنة، ورهانه خلال ذلك كله غياب وعي العالم، كلياً أو جزئياً، بسبب من هيمنة اعلامية ظالمة تقدم جزءاً من الصورة، وبما يكفي لتزييف الصورة كلها. مع ذلك - بل على الرغم منه - فإن العالم يتدبر أمر وعيه: الشاشات ذاتها لا تقدر ان تحجب أسئلة بسيطة عن الفوارق الهائلة بين عنف الحجارة، وعنف صواريخ اللايزر، وبين أقلام ودفاتر التلاميذ العائدين من مدارسهم الابتدائية، وبين بنادق إم 16 الأميركية السريعة الطلقات. النداء إذاً، ضرورة العقل المتحضر في مواجهة انفلات العقل الهمجي، وهو في الوقت ذاته دعوة لأصحاب الضمائر لتأمل ما يحدث بحيادية، ومن ثمّ استخلاص النتائج والتحرك الجدي باتجاه فعل حقيقي يوقف حملات القتل الفاشية الاسرائيلية. صوت محمود درويش لا يجوز ان يظل وحيداً في برية العالم، فالمثقفون العرب على اختلاف آرائهم وأماكنهم يتوجب ان يطلقوا تحركاً عالمياً، في اتجاه ضمائر المبدعين الشرفاء على امتداد الأرض كلها... فهؤلاء الذين يحملون شرف الكلمة، ويرفعون عالياً قيم الحق والخير والجمال مدعوون لصيانة هذه القيم من التمزق والإهانة تحت جنازير الدبابات وشفرات الجرافات المتوحشة وهي تقتلع أشجار الزيتون، وتقوّض جدران البيوت والمدارس والمساجد والكنائس. وإذ نحيي صوت الشاعر محمود درويش، نقترح ان يقوم المثقفون العرب - من خلال منظماتهم أو بدونها - بتحرك جدّي من اجل بيان عالمي لنصرة شعب فلسطين، يوقعه مبدعون وأدباء وفنانون عالميون ممن يخطون باحترام في العالم. هذا التحرك ينطلق أولاً من أوساط المبدعين العرب، بتوقيع بيان يحمل أسماء أهمهم، وفي المقدمة منهم نجيب محفوظ، صاحب جائزة نوبل للآداب، ومن يحملون جوائز أدبية عالمية من الأدباء العرب ومنهم على سبيل المثال أدونيس، الطاهر بن جلّون، أمين المعلوف وغيرهم... على أن يصار بعد ذلك الى الحصول على تواقيع بعض من حصلوا على جائزة نوبل للآداب، وبعض كبار الأدباء والكتاب والفنانين العالميين ممن يناصرون السلام، ويقفون ضد الحرب والعدوان والاحتلال. نقول ذلك ونحن ندرك ان الصوت العربي المبدع له أهميته وشهرته في العالم كله، خصوصاً أن بيننا بعض من حققوا انجازات مرموقة تتجاوز الأدب والجوائز الأدبية لتطال مجالات العلوم أحمد زويل مثلاً، والسينما يوسف شاهين والأخضر حامينا والرياضة بنجومها الكثيرين، وغير ذلك من المجالات. المسؤولية فردية وجماعية، فاتحاد الأدباء العرب، يتوجب - على وجه السرعة - أن يبادر بالدعوة والتحرك والكتاب والمبدعون مدعوون بصفاتهم الفردية أيضاً. ندعو الى البيان والتحرك ونحن ندرك بعمق يصل حدّ الايمان، أن الدور الأساس في ردع المعتدين ودحرهم، هو لأبناء فلسطين في مدنهم وقراهم ومخيماتهم، فهم - إذ يقبضون على الجمر - يحققون فعل الصمود الذي لا بد من أن يلقى الدعم كي يتصاعد الى مراتب النصر والاستقلال. نطلق النداء، فهل من مستجيب؟ * كاتب فلسطيني مقيم في سورية.