حسم الاشتراكيون العرب في سورية مسألة خلافة عبدالغني قنوت الذي توفي قبل عدة أشهر بانتخاب مصطفى حمدون أميناً عاماً لحركتهم، في خطوة مهمة جداً على صعيد تطورات الحركة السياسية. فهذه المسألة لها علاقة بآليات التفكير داخل الأحزاب الموجودة التي بدأت تثير أسئلة محرجة، كما ان لها علاقة بشخصية مصطفى حمدون نفسه! فخلافة الأمناء العامين للأحزاب في سورية، مسألة على غاية من الأهمية، وقد سببت، ويمكن أن تسبب ارباكات وانشقاقات تنظيمية تضعف الأحزاب أكثر من الضعف الموجود فيها. وقد بدأت المسألة مع وفاة خالد بكداش أمين عام الحزب الشيوعي السوري، الذي تولت زوجته وصال فرحة الأمانة العامة بعده. وهذه مسألة ليست جديدة في الحركات السياسية في العالم، ولم يثر تولي وصال فرحة الأمانة العامة أية مشكلة رغم الانقسام حول طبيعة مواقفها السياسية في أكثر من مرحلة. على العكس، كان توليها هذا المنصب خطوة مهمة على صعيد دور المرأة في الحركة السياسية، فسجلت بقوة انها أول امرأة تقود حزباً سياسياً في سورية وتدخل القيادة المركزية للتحالف مع البعث! وعندما توفي عبدالغني قنوت طرح اسم ابنه أحمد لخلافته. وبعد أيام توفي أحمد الأسعد أمين عام الحزب الوحدوي الاشتراكي الديموقراطي فطرح اسم ابنه فراس لخلافته. وهنا بدت المسألة غير عادية، فهل تحول الحزب السياسي الى شيء عائلي يورث، كما طرح في أوساط تلك الأحزاب؟! هذا السؤال اثاره الكثيرون لكن أحد أعضاء قيادة الجبهة قال في تصريح صحافي لم يصرح فيه باسمه: ان تولي قيادات الأحزاب على هذا النحو يجعل من الضروري التفكير جدياً بجدوى العمل السياسي! ونقلت عن هذا الشخص صحيفة "الخليج" انه سوف ينسحب من الجبهة اذا ما صار المذكوران أمينين عامين فيها. ومع تطور المسألة، فاز ! فراس الأسعد بأقلية الأصوات بمنصب الأمين العام، مما دفع ب"الأغلبية" الى رفع دعوى قضائية كما شاع في أوساط الشارع السياسي. زما الاشتراكيون العرب فتداركوا الأمر من خلال العمل السريع في أوساط شخصيات مهمة منهم. فلأن تولي أحمد قنوت يعني تفتت الحركة انحصرت المسألة في النهاية بتراجعه وحصول معركة انتخابية بين مصطفى حمدون واحمد الأحمد، انتهت بفوز حمدون بفارق ثلاثة أصوات عن التي حصل عليها الأحمد وهي 22 صوتاً. وهذه العملية رتبها إدوار حشمة في المرحلة الانتقالية التي قاد فيها الحزب بعد جمع شمل عدد مهم من الاشتراكيين العرب. لقد اندفع الحوار حول هذه الآليات بسرعة، وطرحت على الفور مجموعة اسماء ومعطيات: الدكتور عمار بكداش، أحمد اسماعيل، غسان عثمان... وهم يعملون جدياً في أحزاب كان يقودها آباؤهم، وهذا لا يعيب اي حزب سياسي أو صاحب أي موقف سياسي! وفي سورية، وغير سورية كانت هذه الظاهرة موجودة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه، هو: هل هي ظاهرة صحية؟! لقد طرحت هذا السؤال عفوياً على غسان عثمان الذي خلف أباه الدكتور عبدالعزيز في قيادة أحد أجنحة الاشتراكيين العرب، فقال ان كل شيء اذا تم على أسس موضوعية يكون مقبولا، ويمكن ان يكون صحيحاً. فكثيرون من الآباء يدفعون أبناءهم الى أجواء العمل السياسي، وطبيعي في هذه الحالة ان يمارسوا الحقوق والواجبات الحزبية حتى لو كانت هذه الحقوق والواجبات تؤدي بهم الى موقع ما في قيادة الحزب الذي يعملون فيه! وأضاف من دون تردد: لكن وهنا يبدو موقفه ذا معنى انا لست مع انتخاب أي شخص لأنه ابن الأمين العام... أي كرمى له! فهذا، سياسياً، غير صحيح! وكان غسان عثمان نفسه قد تعرض لانتقادات شديدة من قبل نائل محفوظ الذي كان أميناً عاماً مساعداً للدكتور عبدالعزيز عثمان، نظراً لتوليه الأمانة العامة بعد أبيه! بمعنى آخر، ان اثارة المسألة تتم من خلال القدرة وامكانية القيادة ولا ينبغي الاستهانة بالمسؤولية التي تترتب عن كون شخص ما قائداً سياسياً. وإذا كانت طبيعتنا نحن الشرقيين تميل الى فكرة: "من خلّف ما مات" فإن من الضروري التوقف عند امكانات كل شخص ندافع عن حقه في تولي المسؤولية في أي موقع! ان ما قام به الاشتراكيون العرب أخيرا تجربة مهمة على صعيد العمل الحزبي السوري. فقد حسمت طريقة التعامل الموضوعية خلافات كانت قائمة قبل وفاة عبدالغني قنوت، وكان هناك اعضاء منشقون واعضاء مفصولون وأعضاء تركوا العمل السياسي، إلا أن الذي حصل هو تجميع هؤلاء ديموقراطياً لحل المشاكل والخروج بنتائج، وهذا ما حصل! أي ان مؤتمراً تداولياً هو الذي يحسم المسألة ومن خلاله تطرح الحلول والتصورات. اما النقطة الثانية المتعلقة بمصطفى حمدون، فهي انه الشخص الأول الذي ينتقل من المنفى الارادي الى داخل سورية، ثم يتولى مسؤولية قيادية في حزب داخل الجبهة. وهذه حالة تطرح الكثير من الأسئلة. فمصطفى حمدون سياسي معروف، قاد في لحظة من اللحظات انقلاباً عسكرياً ضد الشيشكلي، وله دور كبير في الحركة السياسية السورية منذ بدء الانقلابات العسكرية وصولا الى اليوم. وإذا كان لا بد من الحديث عن الاشتراكيين العرب جدياً، فمن الضروري الوقوف عند دور مصطفى حمدون! ذاك ان عودته بعد عشرات السنين الى سورية وترحيب الرئيس الراحل حافظ الأسد به، خطوة من الخطوات المهمة في المستجدات السياسيةللسنوات الأخيرة. وإذا كان لا بد من سؤال ضروري، فليكن على النحو التالي: - أليست خطوة الاشتراكيين العرب التي من خلالها انتخب مصطفى حمدون، هي العمل الحزبي السليم والمخرج الذي يليق بالاجابة عن كل الأسئلة؟!