شهدت ألبانيا امس انتخابات برلمانية حامية، نتيجة المنافسة الشديدة بين الحزبين الرئىسيين: الاشتراكي الحاكم والديموقراطي المعارض. ويتوقع المراقبون ان تكون لنتائجها انعكاسات على الاستقرار الداخلي والوضع المتوتر في البلقان. توجه الناخبون في البانيا الى صناديق الاقتراع امس، لاختيار برلمان جديد من 140 نائباً، في خامس انتخابات من نوعها منذ التحولات الديموقراطية التي شهدتها البلاد قبل عشر سنوات. ويشارك في الانتخابات مليونان ونصف المليون ناخب مسجلة اسماؤهم في قوائم التصويت من اصل 3 ملايين ونصف المليون نسمة ويشرف عليها نحو 250 مراقباً غربياً. وبسبب المنافسة الشديدة في هذه الانتخابات بين الحزبين: "الاشتراكي" الحاكم و"الديموقراطي" المعارض بزعامة الرئىس السابق صالح بيريشا، واصل ممثلون عن منظمة الأمن والتعاون الاوروبية والاتحاد الاوروبي جهوداً مكثفة لتسوية الخلافات من اجل الحيلولة دون دخول البلاد في دوامة عنف "باعتبار هذه العملية الانتخابية اختباراً حاسماً للديموقراطية في البانيا". وعلى رغم تلك الاجراءات تخللت الانتخابات اعمال عنف، بينها قيام مسلحين باضرام النار في تجهيزات مركز شلاك الانتخابي شمال البانيا حيث معقل الحزب الديموقراطي. واتهم زعيم المعارضة صالح بيريشا الشرطة السرية للاشتراكيين "بارتكاب تجاوزات انتخابية". لكن رئىس الوزراء الاشتراكي ايلير ميتا أعرب لدى ادلائه بصوته في العاصمة تيرانا، بأن تمر الانتخابات "بسلاسة، بفضل الاجراءات الامنية المشددة التي لا تعطي مجالاً لأحد لأن يلحق ضرراً بالبلاد". وتعهد في تصريحه للصحافيين بأن "يؤسس البانيا جديدة" في حال فوز الاشتراكيين. وكان الحزب الاشتراكي جاء الى السلطة عام 1997 نتيجة انتخابات مبكرة اتسمت بالفوضى بسبب تزامنها مع الاضطرابات الشعبية التي شهدتها البانيا نتيجة انهيار الشركات الاستثمارية التي كانت تتولى توظيف اموال عدد كبير من السكان والتي اتسمت بالعنف وحالات التلاعب. ويمثل الحزبان الرئىسيان الانقسام الجغرافي والعرقي والفكري الذي برز في البانيا بعد سقوط الشيوعية، اذ يعتبر الحزب الاشتراكي تنظيماً للسكان الجنوبيين وامتداداً لحزب "العمل الالباني" الشيوعي السابق، في حين يستمد الحزب الديموقراطي قوته من المنطقة الشمالية القريبة من كوسوفو ومقدونيا التي ينتمي اليها بيريشا وعشيرته ذات الامتدادات في كوسوفو ومقدونيا، كما ان هذا الحزب يصنف في يمين الوسط. انعكاسات الانتخابات وازاء هذا النفوذ للحزبين، فإن اي اضطرابات بينهما كتلك التي حصلت قبل اربع سنوات، تجعل الصراع قائماً بين الشمال والجنوب ما يشكل خطراً على وحدة البلاد. كما ان هذا التباين بين الحزبين، ادى الى مواقف متباعدة بينهما من احداث المنطقة، ذلك ان الاشتراكيين يميلون الى التعاون مع دولة اليونان المجاورة للجنوب ولا تهمهم في شكل مباشر تحركات الالبان في كوسوفو وصربيا ومقدونيا، على العكس من الديموقراطيين الذين لهم روابط وثيقة جغرافية وعائلية وعلاقات تقليدية مع البان المناطق الثلاث الى حد الاتفاق في هدف "البانيا الكبرى". ودولياً، يحبذ الاشتراكيون الالتزام الكامل بالمواقف الاوروبية اقليمياً، وليست لديهم اهتمامات بتوثيق العلاقات مع الدول الاسلامية، ولذلك ألغوا عضوية البانيا في منظمة المؤتمر الاسلامي، منذ توليهم السلطة، كما انهم حددوا عمل المنظمات الاسلامية، بما فيها الخاصة بالمساعدات الانسانية وأعمال الاغاثة التي نشطت في البانيا خلال حكم صالح بيريشا. ويذكر ان 65 في المئة من سكان البانيا مسلمون في حين ان 35 في المئة مسيحيون من اتباع المذهبين الارثوذكسي والكاثوليكي وينتمي كل من رئىس الحزب الاشتراكي فاتوس نانو ورئىس الحكومة ايلير ميتا الى المذهب الارثوذكسي، بينما صالح بيريشا مسلم. وأعربت مواقف المجتمع الدولي خلال هذه الانتخابات عن الأمل في الا تصبح البانيا مصدراً آخر لعدم الاستقرار في البلقان، اذا نشبت فيها اضطرابات عنيفة شمالية - جنوبية. وأشادت واشنطن والاتحاد الاوروبي بحكومة ميتا الاشتراكية "لموقفها المعتدل تجاه مقدونيا وكوسوفو المجاورتين اللتين تشهدان حركات البانية مسلحة".