طالت طاحونة التفتيش الدائرة في مصر حالياً الرواية الأولى للمخرج السينمائي رأفت الميهي المعنونة "هورغادة... سحر العشق" التي صدرت أخيراً عن دار "درويش برس" في باريس التي يملكها الناقد قصي صالح درويش. اذ منعت رقابة المطبوعات الاجنبية في مصر دخول 2500 نسخة منها قبل اسبوعين، ويبدو أن المنع حصل في اطار "الاحتياط واجب" وفي ظل ملاحقة لعدد من العناوين بدأت العام الماضي برواية السوري حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" ولم تنته بعد. وتتعرض الرواية الميهي، التي تدور وقائعها ما بين الغردقة وقنا وأسيوط، لقصة حب بين مسلم وقبطية ما دعا الى التوجس منها. حصل المنع قبل أيام من نشر التحقيق الصحافي المثير في صحيفة "النبأ" عن راهب مفصول ومغامراته الجنسية والذي سبب صدمة استنكارية للمسيحيين والمسلمين على السواء، فإن موضوع "المسلم والمسيحية" الذي سبق ان طرحه الكاتب وحيد حامد في المسلسل التلفزيوني "أوان الورد" في شهر رمضان الماضي وتداعياته على مستوى الكنيسة خصوصاً، كان في ذهن الرقابة التي قررت منع دخول الرواية. ولعل رقابة التلفزيون الرقابتان تابعتان لوزارة الإعلام أكثر رحابة إذ سمحت بعرض "أوان الورد" ومن قبله "انتبهوا أيها الرجال" ومن بعده "الرقص على سلالم متحركة" بما فيها من دخول في تفاصيل خطوط التماس "الطبيعية" بين مسلمي مصر وأقباطها، حتى أن رقابة ثالثة تابعة لوزارة الثقافة هي "الرقابة على المصنفات الفنية" وافقت على سيناريو مأخوذ عن "هورغادة... سحر العشق" للكاتب نفسه تمهيداً لإخراجها في شريط سينمائي. لكن الميهي قال ل "الحياة" إنه لم يبلغ بأسباب منع روايته "التي لا يمكن تلخيصها"، ففيها خالد ضابط أمن مسلم يعمل في مكافحة الإرهاب الديني في صعيد مصر ويعيش قصة حب مع آمنة باسيلي المسيحية تنتهي بزواجهما في نيوجيرسي في الولاياتالمتحدة، وينشغل أفق الرواية ب "أسئلة عن الإنسان والحب" ومشاهد حميمة وعبارات جريئة وقصص حب معقدة، إلا أنه أكد أنه لم يسيء أبداً الى أي شخصية مسيحية وأن "أنبل شخصية في هذه الرواية هي العم فانوس المسيحي الذي تزوج من "زهرة" بعد إسلامه، و"لم أمس أيضاً شخصية إسلامية". وأشار الميهي الى بديهية ان هذا المجتمع يعيش فيه المسلم والمسيحي وتقوم بينهما علاقات، ومنها الحب الذي هو "فرع في الرواية لأنها اشمل من ذلك"، أما ما جرى على صعيد قضية "النبأ" فإن الميهي يراه "قلة أدب"! كتب الميهي من قبل قصصاً قصيرة ونصوص أفلامه: "الحب الذي كان"، "الهارب"، "على من نطلق الرصاص"، "السادة الرجال"، "الأفوكاتو"، "للحب قصة أخيرة"، "سمك لبن تمر هندي"... وقدم الشخصية المسيحية في أفلامه وحصل على جائزة من الفاتيكان تسلمها في احتفال في المركز الكاثوليكي "حتى أن البعض ظن أنني مسيحي بينما اسمي الكامل: محمد رأفت الميهي". ويعتبر إنه أول من أعاد الشخصية المسيحية إلى السينما بعد اختفاء دام 20 سنة، اذ كان صور قداساً لمدة 9 دقائق من زمن عرض شريطه "للحب قصة أخيرة" كما أن شخصية مسيحية كانت رئيسية في "سيداتي آنساتي"، ويقول: "لا توجد عندي حساسية ولا أريد من أحد أن يسألني: لماذا شخصياتك مسيحية؟ لأنني سأجيب: ولماذا أنفي المسيحيين وهم موجودون في حياتي وفي المجتمع المصري، وشدد على أنه ضد ازدراء دين لحساب دين آخر وأنه يقف ضد أي متعصب من الطرفين. ويعود الى روايته الممنوعة ذات الفصول التسعة: هذه الرواية تبجل فكرة الحب وتقول ان للحب ألف شكل للتعبير عنه وليس من حق أحد إدانة حب طرف لآخر أو تشويه طريقته في هذا الحب، و "هذا هو درس الرواية". والميهي، وهو من مواليد سوق السلاح في حي القلعة في قلب القاهرة، ينوّه بالعوام وموقفهم من مسألة المسلم والمسيحي عكس المثقفين الذين يصفهم بأنهم مصابون بالحساسية، ويتساءل: لماذا ثار البعض ضد "أوان الورد" مع ان ما طرحه وحيد حامد "عادي وموجود في حياتنا"؟ ويقول: إن جريمة مسلسل "أوان الورد" أنه تحدث عن المسكوت عنه في الحياة الاجتماعية للمصريين المحدثين. ولم يخف الميهي دهشته من منع دخول نسخ روايته: "أحسست بأننا نعيش في أكذوبة اسمها "حرية التعبير" وفي جو من المطاردات خصوصاً أن هناك دعوى مرفوعة من أحد المتأسلمين ضد فيلمي الأخير "علشان ربنا يحبك" كما أن التلفزيون يخطط لحذف مشاهد من أفلامي قبل التصريح بعرضها ولكنني أنذرتهم بإلغاء تعاقدي معهم إن هم فعلوا". ويتساءل: "لماذا هذا الحصار"؟ يرفض طبع روايته طبعة خاصة داخل مصر ف "هي وحدها ستقنع من منعوها بأنها بعيدة تماماً عن مسببات هذا المنع"، ولكنه يفكر جدياً في نشرها على الانترنت عبر شبكة تعتمد اسلوب "ادفع واقرأ".