بعد عجاج نويهض ونجيب نصار وكمال عباس ومتري أبو حلقة وابراهيم سليم نجار، يصدر لبناني آخر، وهو ميشال سليم نجار، "جريدة سياسية حرة" بدءاً من 18 أيار مايو 1928، ودائماً الدورية يومية ولكنها "تصدر مرة في الأسبوع موقتاً". وميشال هو أخو ابراهيم الذي سبقه الى اصدار جريدة "لسان العرب" في القدس أيضاً عام 1921. ويحدد صاحب الجريدة ورئيس تحريرها سياستها في افتتاحية العدد الأول ذات العنوان "جاء المعاد" بالنّفْيَيْنْ الآتيين: "قد اختطت - المعاد - خطة قومية وهي: ألا تنتمي الى حزب أو جماعة، ولا تتحيز الى فئة دون أخرى". لماذا عدم الانتماء والتحيز؟ لسبب وجيه وهو تمكين الجريدة من ان تكتب "ما تعتقده حقاً وصواباً" أي ما يكون "نافعاً" للأمة العربية مؤدياً الى انجاحها وسعادتها. وتبنى نجار في الافتتاحية قول أحد الفلاسفة "إذا كان افلاطون صديقي فأنا للحق أكثر صداقة". وختم نجار الافتتاحية بكلمتين، أولى وجهها الى "الأمة الفلسطينية والشعب العربي" آملاً معاضدة جريدته أو بالأحرى "جريدتهم"، وثانية جبرانية قال فيها: "وأما انت أيها القلم، فسرْ في خدمة الحق وفي خدمة الأمة". ولكن مخالفة حياد الجريدة بدأت منذ العدد الأول عبر تغطية حفلة الجمعية الأنطونية ومقال موقّع من الأخيرة، وقد احتلاّ صفحة كاملة من الجريدة المؤلّفة من ست صفحات. طبعاً، لو اقتصر حضور الجمعية في "المعاد" على الحفلة التأبينية المتمحورة على الأب بطرس الترك، لكان الأمر عادياً، بمعنى انه يأتي في سياق تغطية الجريدة للأخبار والحفلات. ولكن الانحياز برز في مقال "نعيما" الذي تلا وقائع الاحتفال، وانتقدت فيه الجمعية الأنطونية صاحب جريدة "الشعب" عيسى بندك، بالتكافل والتضامن مع ميشال نجار. خذْ مثلاً قول الجمعية في مستهل النقد: "قالت الأمثال: الشيء لا يستغرب من معدنه، فلا بدع إذا طلعت علينا صوت الشعب بمقال في عددها بتاريخ 12 أيار مايو سداه التخرص ولحمته التهويش، فنحن لا نريد ان نجاري السفيه على سفهه، بل نريد ان نفهمه للمرة الأخيرة عقليته المعكوسة علّه يعود الى صوابه ويرعوي، لأنه يعزّ علينا ان نراه على هذه الصورة وما هو الا ابن بيت لحم". ومما ورد في المقال الموقّع باسم "الجمعية الأنطونية" وكأن كاتبه صاحب المعاد: "ظننت انه بانحجاب الإعلان يحلو لك الجو، وأنت لا تدري ان الجمعية الانطونية ساهرة على أعمالها ومصالح أفرادها وكل من تربطها معهم رابطة. أنت لا تدري ان الجمعية فضلت ان تحتجب جريدة الإعلان الضيقة الصلاحية لتقوم مقامها جريدة المعاد التي تتمتع بأوسع صلاحية صحافية". والإشارة الى جريدة "الإعلان" تكشف سرّ ورود عبارة "السنة الثانية" و"العدد 84" في أعلى ترويسة العدد الأول من "المعاد". اذ كان نجار صاحب "الإعلان" التي استمرت عاماً واحداً وصدر منها 84 عدداً. عيد الشهداء نعود الى الصفحة الأولى ومقال "حياة الرجال" الخاص بالاحتفال الذي جرى في ساحتي المرجة دمشق والبرج بيروت تكريماً للشهداء الذين شنقهم جمال باشا في عامي 1914 و1915، والذي ما زال يجري في السادس من أيار مايو من كل عام. واذا كانت احتفالات العهود الاستقلالية في الجمهوريتين اللبنانية والسورية جرت وتجري منفصلتين، فإنها كانت خلال فترة الانتداب الفرنسي تجري على ضوء "وحدة المسارين". ولم يشذ احتفال 1928 عن تلك القاعدة. فعندما كانت دمشق تحتفل بعبدالغني العريسي وعبدالوهاب الانكليزي وسعيد عقل والمحمصانيَّين والخازنيّين، "اتصل بنا ان بيروت قد اقامت احتفالاً في اليوم نفسه لشهدائها، وقد بعثت وفداً شارك دمشق في حفلتها، كما ان دمشق قد أوفدت وفداً الى بيروت للغاية نفسها". وختم الكاتب بالعبارة المناسبة الآتية: "ألا أيها الشهداء قد عشتم كراماً ومتُّم كراماً". ما زلنا في بيروت، وقد انتقلت بنا الجريدة من شهداء 6 أيار الى "رابطة الأدب العربي": يفيد كاتب الرابطة بشير يموت ان ابراهيم منذر وابراهيم سليم نجار واحمد عارف الزين وأمين تقي الدين وأمين الريحاني وأنيس النصولي وبشارة الخوري الأخطل الصغير وبشير يموت والخوري بطرس البستاني وجرجي نقولا باز وجمال الملاّح وحسن فروخ وعبدالغني شهبندر وعمر فاخوري وفؤاد افرام البستاني والشيخ مصطفى الغلاييني... اجتمعوا في نادي نقابة الصحافة برئاسة الأخطل الصغير وانتخبوا الهيئة الادارية لرابطتهم الفتية. ومن أخبار الجريدة ان الوطني وديع البستاني ألقى محاضرة في نادي الشبان المسيحيين بعنوان "الحياة الدستورية والفطرية العربية". وخبر آخر يفيد ان مؤلف "يقظة العرب" جورج انطونيوس اجتمع بالملك السعودي عبدالعزيز آل سعود. ومن فكاهات "المعاد" ما نُشر تحت عنوان "الجمل والمعلّق بذنبه" ومفاده انه "مرض لأحد المكارين جمل، فخاف عليه من الموت، ونذر انه اذا شفي ليبيعنّه بدرهمين. فاستجاب الله الدعاء، فشفي الجمل. فندم الرجل على ارتباطه بالنذر وقال: كيف يمكنني ان أبيع جملي العزيز بدرهمين وهو رأس مالي ورزق عيالي، ولكنه خاف من قصاص الله إذا حنث بوعده، فأحبّ أن يتخلّص من النذر على طريقة مشروعة، فاستفتى أحد العلماء بذلك، فأشار عليه العالم ان يعلّق بذنب الجمل بسيناً هرّ ويذهب به الى السوق منادياً: "الجمل بدرهمين والبسين بألفين، وشرط البيع على الاثنين"! واحتضنت الجريدة كمية لا بأس بها من الإعلانات منها ان "آنسة اسرائيلية تطلب وظيفة في أحد المحلات التجارية وهي تتقن اللغة الفرنساوية والعبرية والضرب على الماكينة الكاتبة وعندها المام في اللغة الانكليزية". ومن أطرف الاعلانات وأغربها أو بالأحرى أكذبها، الإعلان الخاص بسجائر لوكس وسجائر الأمير. فتحت عنوان "شهادة طبيب" قال المعلن انه "بعد الفحص والتحليل الكيماوي في أكبر المعامل للكيميا في فلسطين، وجدوا ان دخان سكائر لوكس وسكائر الأمير ليست خالية من السموم فحسب، بل هي تفيد المدمنين على شرب الدخان وتساعدهم على حفظ حناجرهم وصدورهم من الأوبئة والأمراض الضارة".