خطوات متسارعة لتحقيق مستهدفات رؤية المستقبل    ذكرى البيعة    الجدعان: نواجه تحدي التخفيف من الاعتماد على النفط    تبوك: عروض جوية بمناسبة اليوم الوطني    السعودية.. دعم سخي لإنقاذ اليمن    يوتيوب: زدنا «Shorts» إلى 3 دقائق    ولي العهد يهنئ السلطان حسن البلقيه    لمدة 5 أيام.. التعليم تحتفي باليوم العالمي للمعلم    15 يوماً مهلة لضبط أقوال مخالفي أحكام نظام إمدادات الطاقة    القضاء في العهد الزاهر.. استقلال ومؤسسية وعدالة ناجزة    جامعة الطائف تقيم معرض «اسأل صيدلي»    احموا أطفالكم.. لا تعطوهم الجوال    5 معادن «تُحصّن» جسمك من عدوى الفايروسات    بحث مع الوزير الفرنسي المستجدات .. وزير الخارجية ونظيره المصري يؤكدان التضامن مع الشعب اللبناني    دورة الألعاب السعودية والآمال    أكبر الفعاليات العالمية في قطاع النقل الجوي .. المملكة تشارك في معرض ومؤتمر "روتس وورلد 2024"    من الراحة إلى الأمان    مركز الملك سلمان يكثف مساعداته الإغاثية.. المملكة تواصل جهودها الإنسانية الرائدة في العالم    ضبط (22094) مخالفًا لأنظمة الإقامة وأمن الحدود في مناطق المملكة خلال أسبوع    خط دفاع من الاندثار والفناء.. مهتمون وناشرون: معارض الكتاب تحافظ على ديمومة «الورقي»    محبو العلوم    حضور غفير لمسابقة "مثايل".. إبداعات شعرية على مسرح معرض الرياض    الاختراق    جهود مكثفة    " النقل" تعتمد شرؤوط تأهيل مراكز التدريب والاختبار للسائقين    ضمن تصفيات مونديال 2026.. الأخضر يبدأ الاستعداد لمواجهتي اليابان والبحرين    امرأة تعطس لمدة أسبوعين بلا توقف    طريقة عمل سلطة الأفوكادو بالطماطم    سياسيون مصريون ل«عكاظ»: السعودية قوة سياسية إقليمية وعالمية    تحولات نوعية.. نمو مستدام.. البطالة لأدنى مستوى تاريخي    خالد العيسى: من الصعب الفوز على 12 لاعب من الهلال    إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية الجنوبية لبيروت    «صُنّاع الحداثة والتنوير والتنمية».. إصدار جديد للدكتور عبدالله المدني    حفل لندن.. باهر ولكن !    سباق الملواح..    حكمة ملك وازدهار وطن    ما هي الرجولة؟ وكيف نعرف المرجلة؟    فلاتة يخطف ذهبية المصارعة    جدول ترتيب الدوري السعودي بعد فوز الهلال على الأهلي    نصر جديد مع بيولي    الشركات العالمية.. تتجاوز المستهدف    سعود بن نايف: الملك جعل همه الأول الوطن والمواطن    غارات جديدة على الضاحية.. واشتباكات بين حزب الله وقوات إسرائيلية    المملكة تشارك العالم في الاحتفاء بيوم المعلم    ذكرى غالية ومجيدة    السياحة تطلق تقويم «شتاء السعودية»    «هيئة العقار» تعلن بدء أعمال السجل العقاري ل 26 حيّا بمدينة الدمام و14 حيا بمحافظة الخبر    المدبر هو الله.. لا تقلق    وزير الإعلام يزور معرض "الرياض تقرأ"    الإدارة العامة للمجاهدين تشارك ضمن جناح وزارة الداخلية في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024 بمَلْهَم    تقدم مستدام واقتصاد متجدد 10 سنوات من الحكم الرشيد تطلق النمو الاقتصادي وتحقق التنمية    ضبط شخص في جدة لترويجه (8) كيلوجرامات من مادة الحشيش المخدر    الألفة مجلبة للتعاون على البر والتقوى    وزير الحج يستقبل وزير السياحة والآثار المصري    "سلمان للإغاثة" يدشّن مشروع توزيع المساعدات الغذائية للأسر الأكثر احتياجًا في جمهورية قرغيزستان    ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتبر مذكرتهم "برميل فارغ يحدث صوتاً كبيراً" وحذرهم من الاضرار بالامن القومي . افورقي يرد للمرة الاولى في حديث الى "الحياة" على مجموعة من قادة حزبه طالبته باصلاحات
نشر في الحياة يوم 22 - 06 - 2001

دافع الرئيس الاريتري اساياس افورقي عن نهجه في الحكم بعدما وزع 14 قيادياً في حزب "الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة" الحاكم في اريتريا مذكرة في شكل رسالة مفتوحة تطالب باجراء إصلاحات في نهج الحزب، وتحمله مسؤولية انتهاك انظمة الحزب الداخلية مما ادى الى سلسة من الاخطاء. ونفى فورقي، في حديث الى "الحياة" في اسمرا، اتهامه باحتكار السلطة. واعتبر ان الرسالة المفتوحة لا تحمل اي جديد وانه ملتزم الثوابت التي نصت عيها "الجبهة الحاكمة".
واعتبر ان النظام الاثيوبي الذي اوجد دستور 1995"هو سبب كل المشاكل" في المنطقة. مشيراً الى انه كان حذر من ان نظام الائتلاف الحاكم في اثيوبيا في اطار الجبهة الثورية الديموقراطية لشعوب اثيوبيا "سيؤدي الى مشاكل إذ ستكون هناك تنظيمات عدة خاضعة لتنظيم واحد ورأينا أن ذلك لن يحل مشكلة القوميات". واكد ان بلاده ما زالت تتحفظ عن بعض القضايا السياسية في العلاقات مع السودان والتي لم تصل بعد الى مرحلة التطبيع الكامل. وهنا نص الحديث :
أصدرت مجموعة من المجلسين المركزي والوطني ل "الجبهة الشعبية للعدالة والديموقراطية" أخيراً مذكرة تنتقد اسلوبكم في الحكم وتتضمن آراء مخالفة للسياسة العامة التي تنتهجها في البلاد. ما هو ردكم على هذه الآراء والاتهامات؟
- ليس هناك رأي جديد او رأي مخالف، ويمكن أن تثبت الأيام ذلك. لكن عندما بدأت بعض الأشياء تبرز خلال الجولة الأخيرة من الحرب الاريترية - الاثيوبية، كثر الحديث عن قضايا في هذا الشأن، فقلت إن الشعب هو الحَكم في نهاية الأمر، وربما يكون من الخطأ ان اعطيك رأيي في هذا الامر، وأي شخص يعتقد بان لديه قضية فليطرحها على الشعب. وهذا ما اعتدنا التعامل على أساسه كتقاليد سياسية في اريتريا. وأنا لا أقرأ الجرائد ولم أقرأ ما صدر في الصحف المحلية عن هذا الموضوع، وليس عندي استعداد لذلك، لكن استناداً الى التقارير عن هذا الموضوع أقول انه فارغ المحتوى. وإذا اضطررت الى ان اقول شيئاً فسأتحدث عن قضايا، والقضايا المطروحة محسومة سلفاً حتى قبل 1991تاريخ تحرير اريتريا وليس هناك أي جديد فيها. وكما يقول المثل الانكليزي "لا يمكنك اختراع العجلات مرة ثانية".
ففي تلك الفترة الماضية نوقشت قضايا اساسية مثل مستقبل اريتريا ومصيرها، والنظام السياسي والاقتصادي المستقبلي، وكانت كلها تخيلات في بعض جوانبها، وواقعية في كثير من الجوانب. واذكر حينما طرحت في العام 1980 فكرة الاستفتاء وتفاصيلها والخيارات والتكتيكات التي يجب أن تتبع، حصل استنفار وتساءل الناس في استغراب وقتذاك، كيف يمكن اجراء استفتاء؟ فالاستقلال نحصل عليه بنضالنا وعرقنا وبدمنا وبتضحياتنا. لكن الشرعية القانونية لبلد مستقل لا تأتي من خلال قوة عسكرية وإعلان استقلال أحادي. وعندما حررنا البلد واستقل في العام 1991 التزمنا هذا المبدأ، قلنا سنجري الاستفتاء قبل إعلان الاستقلال، فأي عمل سياسي داخل هذا البلد كان يتم بمشاركة الناس ومناقشتهم لقضاياهم. واليوم ربما يكون هناك حديث في الجرائد، لكن موقفي هو منح الشعب الفرصة ليسمع ويناقش، وكما يقول المثل العربي اذهب مع الكذاب حتى يصل إلى الباب، ولا استطيع أن أقول عن رأي ما بأنه سليم أو غير سليم. وفي النهاية صاحب أي طرح يعتمد على الحكم من الشعب ويجب أن نلتزم الصبر حتى يعطي الشعب رأيه. لكن قراءتي لرد فعل الشعب في هذا الشأن أنه استفاد من ما طرح وبدأ يفهم، ولا جديد في الأمر بالنسبة إليه. وانطباعي عن رد فعل الناس هو أن ما يدور في هذا الشأن بالنسبة اليهم عبارة عن برميل فارغ يحدث صوتاً كبيراً لا أكثر ولا أقل.
لكن كيف تكّون لديك الانطباع، خصوصاً أن المجلس الوطني البرلمان لا يعقد اجتماعات كي يعطي رأيه في الموضوع؟
- شعبنا موجود في الشارع. والمجلس الوطني ناقش هذه القضية أكثر من مرة، واعتقد أنه خصص ثلاثة أو أربعة اجتماعات للبحث في هذه القضية.
غياب الاحزاب والتعددية
من دون الدخول في تفاصيل المذكرة، فلنأخذ خطوطاً عامة، مثل قانون الأحزاب وإقراره، وكنت سألتك مرات عدة عن هذا الموضوع، واليوم بعد عشر سنوات من الاستقلال جرى صوغ مشروع قانون في هذا الشأن، لكننا لا نرى أي توجه حتى الآن نحو التعددية السياسية، لماذا؟
- هذا التوجه ليس جديداً، وكان طرح منذ 18 سنة وحسم النقاش فيه.
لكن لا يوجد أحزاب في البلاد حتى اليوم باستثناء الحزب الحاكم؟
- نحن لا يمكن أن نُفرخ أحزاباً أو أن نستوردها من الخارج. فهذه عملية طبيعية تتم داخل المجتمع ولا يمكن ان يفرضها اي انسان، ونحن لن نعمل معجزة في هذا الموضوع، وكثير من دول العالم العربي لا توجد لديه أحزاب. وحتى الأحزاب الموجودة في المجتمعات العريقة لها تاريخها وسلوكها واسلوب بروزها، فهي عملية سياسة طبيعية، ونحن ليست لدينا آلة لتفريخ الأحزاب أو صلاحية لذلك.
لكني اسأل عن القوانين التي تسمح بتأسيس الأحزاب رسمياً كي تسمح لها بالطهور؟
- القانون ليس جديداً. والثوابت للعمل الحزبي في هذا البلد محسومة سلفاً ولا يوجد خلاف على هذا الموضوع او نقاش فيه. والقانون كي يجاز ويصدر استغرق الوقت الذي يحتاجه. ثم حصلت عملية الاستفتاء على الاستقلال في غضون عامين 1991-1993 ولم يكن في الامكان مناقشة قضية الاحزاب في تلك الفترة. وفي العام 1993 كانت الأولوية للعمل السياسي وصوغ الدستور، فتشكلت مفوضية لهذا الأمر ونوقشت المسودة على مستوى الشارع خلال ثلاث سنوات، وكان من ضمنها قانون التعددية. ثم تشكلت هيئة تشريعية لإجازة المسودة، وبعد ذلك جاءت أزمة الحرب مع اثيوبيا التي فرضت علينا لثلاث سنوات متواصلة. وقضية الثوابت في العمل الحزبي أو التنظيمات السياسية محسومة. فإذا سألت أي إنسان هل ستؤسسون أحزاباً إسلامية أو مسيحية سيكون جوابه لا، وكذلك سيكون الجواب في حال سألت عن إمكان تأسيس أحزاب تمول برؤوس أموال أجنبية. وهذه ثوابت لا استطيع أن أغيرها، وناضلنا لانشاء هذه الأمة، ولا يمكن ان نعمل على تفتيتها بتغيير هذه الثوابت. فبعد اتفاق السلام مع اثيوبيا في الجزائر قلنا إن الوقت حان لمواصلة المسيرة التي كانت توقفت بسبب الازمة، ونحن ملتزمون الثوابت، وهذا التزام شعبي وسياسي وأدبي. لكن لا يمكن ان نؤسس أحزاباً بالنمط نفسه الذي تسير عليه دول أخرى.
المنتقدون يتحدثون عن عرقلة الآلية لقيام الاحزاب، وعن عدم عقد اجتماعات للمجلسين المركزي والوطني.
- أنا لا أخاف من الاجتماعات، لكن لا اعقد اجتماعات بأسلوب غير قانوني، واذا كنت في حال حرب لا أدعو الناس الى اجتماع. واذا نظرنا الى تاريخنا في "الجبهة" هل كانت الاجتماعات تعقد في حينها؟ وهل كان هناك انضباط والتزام بالمواعيد؟ أجيب بالنفي، وكذلك في التنظيمات، لم يكن هناك التزام في هذا الشأن.
فهذا عمل سياسي مفتوح ولا أحد يعلم بالغيب، وعلى رغم ذلك، عندما كنا في فترة الحرب وبعدها عقدنا اجتماعات ناقشنا قضايا لم تكن جديدة. وقضايا كانت حسمت وأثيرت مجدداً. ومنذ فترة طويلة تشكلت لجنة لصوغ مسودة قانون الاحزاب وتعرقل عملها بسبب الحرب. واذا سألوا لماذا لا تواصل اللجنة عملها، اقول انها تفعل ذلك وتناقش المسودة قبل عرضها على الناس في الشارع.
عن احتكار الرئيس السلطة
لكن كيف نفسر هذه الحركة، خصوصاً ان أعضاءها يتحدثون عن احتكارك السلطة؟
- إذا كان هناك أي انسان يتحدث عن اني محتكر لكل شيء، فأقول له ان العكس هو الصحيح، الى درجة يمكن القول بأن الأزمة كانت في عدم تدخلي في الوقت المناسب لمراقبة أمور الحكومة ومؤسساتها. وأنا لا أتدخل في البت في قضايا صغيرة. والتاريخ كفيل بأن يُثبت ذلك وكيف تسير الامور في المؤسسات التنظيمية والحكومية والوثائق موجودة. وعلى هذا الاساس اتفق الناس على ما اطلقنا عليه عملية التأهيل ومراجعة الأداء الوظيفي للاشخاص، ولم نصل الى المستوى الأرقى الذي نطمح اليه ونحتاج الى عملية غربلة، خصوصاً اننا نعاني من قلة الكفاءات في المؤسسات الحكومية، ولا يمكن ان نستورد الكفاءات، فهذه العملية يجب ان تأخذ مجراها الطبيعي وتحتاج الى مجهود. واي انسان يأتي ليقول لك ان الرئيس هو الذي يفعل ويقرر ويحتكر فهو يعيش في حال هوس ولا يعرف الواقع ولا يعرف العالم. وفي نهاية الأمر فإن الحقائق والوثائق هي التي تثبت صحة أقوالي، ولا أريد التعقيب على هذه الأمور. لكني أقول انه اذا كان هناك ثمة قضايا قيل اني تدخلت في حلها وكان يفترض ان تحل أو تعالج في اطار مستويات معينة، فإن الوثائق تثبت الأمر أو تنفيه. وأنا لا يمكن ان أكون حكماً في هذا الأمر، خصوصاً اذا كان هناك اتهامات موجهة، فالوثائق موجودة والتاريخ موجود.
كيف اذاً ستتعامل مع هذه الحركة أو الانشقاق داخل "الجبهة" اذا جاز التعبير؟
- من بين التقاليد التي أردنا زرعها داخل المجتمع الاريتري ان نترك للناس الفرصة كي يتكلموا. وإذا كان هناك اي انسان يريد ان يطرح اي شيء فليطرحه على الملأ، والحكم على ذلك هو التاريخ والوثائق والحقائق والأرشيف في المؤسسات الحكومية، وفوق كل ذلك الشعب هو الذي يحكم.
قوانين تردع المنتقدين
ألا تخشى ان يتطور هذا الموضوع الى دائرة أوسع ربما تهدد الأمن والوضع الداخلي في البلاد؟
- لم أشعر أبداً بهذا الإحساس، لكن لاحظت وجود انزعاج لدى بعض الناس وكثير من اللغط في هذا الأمر، فقلت لهم يجب ان تصبروا. لكن عندما يبدأ أي شخص بالخروج عن القانون والنشاط في اتجاه الإضرار بالأمن القومي والمصلحة القومية ويتجاوز حدود مسؤوليته فيجب ان تكون هناك مساءلة ولدينا قوانين لكل شيء، ولا أرى اي سبب للانزعاج اطلاقاً. ولا نحتاج الى فيلسوف الآن كي يعلمنا عن جدوى الاحزاب والتعددية في أي مجتمع، فقد حسمنا هذا الأمر، وفي عملنا السياسي ونظامنا السياسي وثوابته نعتبر مشاركة الشعب هي الاساس. ولا يحصل اي شيء في هذا البلد من دون ان يكون الشعب مقتنعاً به. وانا لا أخشى من طرح قضايا جديدة، واذا كان لدى اي شخص افكار جديدة فأنا مستعد للمناقشة حتى نصل الى شيء مفيد. وهناك آراء تُطرح وبعضها تتم معالجته بصبر ومثابرة.
لكن أصحاب المذكرة يؤكدون أنك ترفض مناقشة هذه الأفكار.
- إذا كانوا يريدون اجراء ملاكمة معي فأقول إنه ليس لديّ القدرة على الملاكمة ولا أدخل لعبة ملاكمة الأطفال. وإذا كان ثمة رأي تريد أن تطرحه، فالشعب أمامك أطرحه عليه.
عرضت أخيراً مسودتي قانوني الأحزاب والانتخابات أمام الشعب، هل يعني ذلك ان الانتخابات ستجري في موعدها خلال السنة الجارية؟
- أهم شيء في هذا الإطار هو أنه لا يمكن فرض أي شيء على المجتمع، حتى لو اقرينا أن شيئاً ما سيحدث في موعد معين، فالثوابت هي الأساس، وقبل تحديد الزمن وإعلانه تكون مناقشة الشعب هي الأساس في هذا الشأن. فالمشاركة في المرتبة الأولى وتحديد الزمن في المرتبة الثانية. وتحديد الموعد ليس مقدسا، وإذا رأى الشعب أن يتريث، فالمجلس يحترم ذلك.
هل سترشح نفسك للرئاسة؟
- الأمر متروك للشعب، فهو الذي يقرر.
لكن أنت شخصياً هل قررت الترشح؟
- لا تعليق لدي على هذا الموضوع.
كثر حديثكم أخيراً عن محاربة الفساد، هل هناك ملفات في هذا الشأن ستفتح ضد مسؤولين في الدولة؟
- الفساد ظاهرة، ونحن لدينا ثلاثة تحديات تواجهنا أولها الحرب، وهي فرضت علينا من الخارج، وثانيها الفساد وثالثها مرض الايدز. وأي مجتمع يوجد فيه فساد لا يستقر، خصوصاً إذا دخل الفساد المجتمع وأصبح ثقافة، فلا يعود هناك مجال للتنمية والمشاركة السياسية في ظل شراء الأصوات في الانتخابات، أو وجود أجانب يسيطرون على البلاد. وبالمقارنة مع دول أخرى نجد وضعنا الأفضل في هذا الشأن، لكن ذلك لا يعني أنه لا يوجد لدينا فساد، إلا أننا متيقظون لمحاربته بوسائل عدة.
لكن ثمة شكوكاً في المحاكم الخاصة التي تبت في قضايا الفساد؟
- كل المحاكم ليست بمستوى طموحنا بسب ضعف امكاناتنا وكفاءاتنا البشرية في المؤسسات القضائية، لكن المهم عندنا محاربة الفساد وهو الأولوية. والشعب سيحكم عندما يسمع نتائج المحاكمات والأحكام الصادرة والمسألة ليست مزاجية. وقانونياً هناك هدف مطروح على مستوى الأمة والحكومة. لكن ذلك لا يجعلنا نؤجل محاربة الفساد حتى تصبح لدينا كوادر مؤهلة.
بعض الأوساط السياسية يتحدث عن استخدامكم قضية الفساد غطاء في صراعكم السياسي؟
- أنا لا احتاج إلى أي غطاء، ولا احتاج إلى الكذب لمعالجة قضايا سياسية.
لاحظنا أن إقالة وزيرين من حكومتك جاء بعد توقيعهما على الرسالة المفتوحة أو المذكرة التي تنتقدك، وكذلك بعد تصريحاتهما التي تستند إلى المذكرة. هل ثمة علاقة بين اقالتهما والانتقادات التي وجهت إليك؟
- قرار الإقالة كان موجوداً داخل المجلس الوطني وأعلنته رسمياً. وعندما أجريت تعديلاً أخيراً عينت بموجبه وزير التجارة والصناعة مكان وزير الخارجية، سُئلت عما إذا كان هذا التغيير لشخص أم أنه ضمن التغيير الوزاري، فأجبت بأن هذه عملية مستمرة ضمن المفهوم الذي نتبعه في هذا البلد ويستند إلى مراجعة الأداء وتغيير كل أجهزة الدولة، رؤساء الإدارات وحكام الأقاليم وغيرهم من المسؤولين، وليس وزيراً معيناً. وهذه العملية ستكون مستمرة. وإذا كان السبب سياسياً وراء إقالة الوزيرين لما كنا نعطيهما المجال لقول آرائهما. التعديل عملية مستمرة وهذا لن يتم بين يوم وليلة لأنه يحتاج إلى ترتيبات، وإذا ربط أي مراقب أو سياسي المسألة بمشكلة سياسية، فالأمر متروك له. والمشكلة السياسية نعالجها بأسلوب من دون أن ندفن رؤوسنا في الرمال، وأنا لا أحب هذا الاسلوب، فهناك وزراء يذهبون وآخرون يأتون من دون ربط قضية بقضية أخرى.
العلاقات مع السودان
أين أصبح التطبيع مع السودان بعد اتفاق الدوحة، خصوصاً ان هناك زيارات متبادلة بين البلدين كان آخرها وصول وفد من الحزب الحاكم في السودان الى اسمرا؟
- لا يوجد شيء اسمه تطبيع في شكل كامل، والعلاقات بين الدول تتأزم لأسباب ما، ويكون هناك اقتناع واستعداد لتجاوز هذه الأزمات عبر اللقاءات، لكن لا يتم تجاوزها بين يوم وليلة. وعندما دخلنا في حوار مع السودان اعتمدنا سياسة اطلقنا عليها اسم التفاعل البناء، بمعنى ان نتعامل مع هذا النظام السوداني مع بعض التحفظات. لذلك فإن التحفظات موجودة ولا يمكن ان نقفز مرحلة لنتحدث عن تطبيع كامل الآن، خصوصاً اننا لسنا الطرف الذي تتسبب في هذه الازمة. وعندما جاءت "ثورة الانقاذ" في الخرطوم كنا نتعامل مع حكومتها، ولم يكن ذلك من منطلق تكتيكي، لأن علاقتنا السياسية مع "الجبهة الاسلامية القومية" تعود الى عشرات السنين. واذا كان انقلاب جاء ب"الانقاذ" الى السلطة في الخرطوم، فهذا شأن سوداني داخلي. لكن هذا النظام أتى لاحقاً ببرنامج محلي واقليمي ودولي خارج نطاق السودان وقدرته، فدخل هذا البلد في مشاكل مع جيرانه كان في غِنى عنها، وأصبحنا نحن ضحية لان نياتنا كانت حسنة تجاه هذا النظام، ووصلت الظروف الى مرحلة اضطرنا معها الى قطع علاقاتنا الديبلوماسية، وكنا في الوقت نفسه نبحث عن بديل. وقلنا لهم بصراحة لما بدأتم تحاربوننا فان من حقنا ان ندافع عن أنفسنا، والدفاع عن النفس حق مشروع. لكن عندما حصلت بوادر تغيير في النظام في الخرطوم رأينا ان نغير سياستنا وندخل في التفاعل البناء معه.
ما هي التحفظات الموجودة؟
- التحفظات الموجودة، هي القضايا السياسية والتي لا يمكن فصلها عن بعضها، ولا يمكن ان يقول النظام في الخرطوم ان يفعله هو ضمن سياسته داخلية، فإذا كان الامر كذلك، فلماذا اذاً الترويج لمشروع ضخم لتغيير العالم كله؟ أنت لخبطت العالم واحرجتنا وخلقت لنا مشكلة ونود حلها، لذلك لا يمكن ان تأتي اليوم وتقول لي دعنا ننسى الماضي. ولكن اذا كان ثمة استعداد لدى الطرفين يجب ان نعالج هذه الأمور من جذورها حتى نصل الى تطبيع كامل، ولا يمكن تجزئة الأمور الى قضايا أمنية واخرى سياسية او اقتصادية. الأمور التي دفعت النظام السوداني الى الموقف الذي شهدناه خلال ال12 سنة الماضية، هي جزء من هذه المشكلة، موقف السودان وتصوره جزء من المشكلة، لكن على رغم ذلك كنا نتعامل باتجاهات ايجابية مع بذل مجهود لحلحلة المشاكل الأمنية والسياسية. وحتى هذا اليوم نسير في هذا الاتجاه. والزيارة الأخيرة للوفد السوداني من حزب المؤتمر الوطني الحاكم كانت تهدف الى التفاكر وتبادل وجهات النظر في القضايا العامة مع القضايا العالقة من دون فصلها.
المبادرة الاريترية
سبق ان عرضتم اقتراحات لحل الأزمة السودانية وتعرضت لانتكاسة ان لم نقل الى طريق مسدود، هل تم احياء هذه الاقتراحات اثناء زيارة الوفد السوداني؟
- نحن نسميها مساهمة وليست اقتراحات، فنحن شركاء والوضع في السودان يؤثر علينا ونحن نؤثر فيه طالما ان العلاقة استراتيجية والمصالح مشتركة. نحن لسنا بديلاً للمبادرات المطروحة، وليس لنا رأي جديد لطرحه خارج المبادرات القائمة مثل مبادرة السلطة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف "ايغاد" وغيرها. هذه مساهمة وآراء تساعد في حلحلة المشاكل وخلق مناخ لحوار سوداني - سوداني. وتقويم هذه المساهمة متروك للسودانيين والآراء اصبحت منشورة ومعروفة لكل الناس. اما هل هي واقعية أم غير واقعية، فالحكم متروك للمراقب، واذا كانت المساهمة غير مقبولة لماذا لا تكون هناك مساهمات عدة. ورقتنا ما زالت موجودة كمساهمة، واعتقد ان الأمور الجوهرية هي هل هناك امكان للقاء بين الحكومة و"التجمع" المعارض؟ أنا أقول للشعب السوداني ان لا ينتظر حلاً يأتيه من الخارج أو اقتراحات لحل مشاكله، لكن يجب ان تكون هناك مساهمة، ونحن نعمل من دون تحفظ، وندخل في حوارات. والحوار الأخير كان مفيداً وصريحاً وأوضحنا مواقفنا وأوضحوا مواقفهم، واتفقنا على تواصل المساهمة ضمن هذا المفهوم.
تجربة السنوات العشر
قبل الحرب الاريترية - الاثيوبية كان هناك طموح للتكامل في القرن الافريقي، لكن حدثت انتكاسة مع السودان في العام 1994، ثم حصل النزاع مع اليمن على جزر حنيش، وتوتر بسيط مع جيبوتي والحرب الدموية مع اثيوبيا. هل راجعتم فترة الاعوام العشرة في الحكم، وما إذا كانت هناك اخطاء من جانبكم في التعامل مع الوضع الاقليمي أو دول الجوار؟
- التقويم يحدث كل عام، وأنا مقتنع أكثر من الفترة بين 1991 و1993 بالتكامل في المنطقة، وعلى رغم أنه كانت هناك اخفاقات مبررة، قد يكون للآخرين تفسيراتهم، وربما جرى تفسير نياتنا الصادقة بسذاجة من قبل الآخرين، لكن هذه النيات الصادقة ما زالت موجودة، وإذا نظرنا إلى الأزمات داخل المنطقة نقول إنها موجودة وليست مستعصية، فقضية الصومال ما زالت قابلة للحل، وقضية السودان تحتاج إلى فهم وتعاون اقليمي ودولي ومحلي. ومشكلتنا مع الاخوة في اليمن حصلت وتعلمنا منها الكثير وتجاوزناها. مشاكل السودان تحدثت عنها أكثر من اللازم ولسنا سبباً فيها.
اما عن موضوع العلاقات بين اثيوبيا واريتريا فلا ارغب في التعليق، لكن عندما اراجع السياسات التي اعتمدناها في بداية أو منتصف التسعينات، أقول إنها كانت ايجابية وربما خيالية، ويمكن أن تكون اعتبرت من السذاجة عند الكثيرين. لكن كنا مقتنعين فيها ونعمل من أجل عملة واحدة وتكامل اقتصادي وتعاون أمني، وكل هذا الكلام اخفق، لكن ليس لأننا لم نكن صادقين أو غير جادين أو لأننا وقعنا في اخطاء. لكن حصل ما كنا نخشاه ولا أريد الآن التعليق على الظروف والأحداث مع اثيوبيا.
وعلى رغم ذلك، أنا مقتنع اليوم أكثر من اقتناعي في فترة الأعوام 1994 و1995، بان الأوضاع الجارية في اثيوبيا اليوم ستقودها إلى مشكلة، وليست اريتريا السبب فيها، وإنما هي قضية داخلية محض. وهذا لم يترك لدينا حساسية ولم نقل ان الحرب نسفت كل شيء ونتيجة لذلك لا يمكن إقامة علاقة مع اثيوبيا، فالعلاقة ما زالت راسخة بين الشعبين. والعوامل الداخلية في المنطقة وتفاعلها مع العوامل الخارجية اثبتت ما كنا مقتنعين به منذ أكثر من عشر سنوات. ولذلك فإننا لا نشعر بأي حرج، ولن نقول إنه طالما اخفقت التجربة فعلينا أن نترك المنطقة ونتخلى عن طموحاتنا في التكامل، بل يجب أن نتعاون مع بعضنا إذا أردنا أن نستقر.
في هذا الإطار، هل تأمل في علاقة طبيعية مع اثيوبيا قريباً أم ما زلت تخشى حرباً جديدة معها؟
- أنا لا أحب أن أفكر أو أتصور أن تكون حرب جديدة مع اثيوبيا، لكن الاحتراز واجب، وأتمنى أن تكون الأمور أفضل، وتكون علاقة تعاون.
في الإطار نفسه، اريتريا تتهم اثيوبيا بالتورط في الصومال، واثيوبيا تتهم اريتريا بدعم الأورومو وتسليحهم وارسالهم إلى الصومال لعبوره إلى الأراضي الاثيوبية، ما صحة هذه الاتهامات؟
- هذا شيء يجب النظر اليه من المنظور التاريخي. إذ كان تعاوننا مع كل التنظيمات الاثيوبية يهدف إلى ايجاد اثيوبيا حديثة تشارك فيها كل الشعوب وكل القوميات في مناخ ملائم، وعلاقتنا مع الأورومو وكل التنظيمات الاثيوبية الأخرى، بما في ذلك الحزب الحاكم حالياً، كانت مبنية على هذا الفهم، ثم ساءت العلاقات لسبب ما، وحصلت قضية الحدود ثم باتت الحكومة الاثيوبية تستهدفنا وتخلق مشاكل وكان لنا موقف منها. والمعارك كانت هنا على حدودنا ولم يكن هناك أي مبرر لأن ندخل في معارك عبر الصومال أو مناطق أخرى.
وتعاطفنا مع بعض القوى السياسية داخل اثيوبيا كان بمستوى تعاطفنا مع الحكومة، لكن معالجة هذه الحكومة والنظام السياسي التي أوجد دستور 1995 في اثيوبيا هو سبب كل هذه المشاكل.
وإذا كانت لدينا مساهمة، فهي لحل هذه المشاكل حتى تستقر المنطقة، وقضية الصومال هي قضية منفصلة. ونحن لم ندخل مع فصيل لمحاربة فصيل آخر.
دعم اسمرا للاورومو
أما عن دعمنا للأورومو المعارضة الاثيوبية المسلحة، فهذه اتهامات صدرت عمداً من مسؤولين معينين في اديس ابابا، وكان هؤلاء أنفسهم، حين كانت علاقاتنا جيدة مع اثيوبيا، يدعمون جماعات أو فصائل أو أفراداً من الاريتريين الذين افلسوا في النضال، وكنا نقول لهم ما قلناه للسودان، أنتم في غنى عن دعم أي من هذه الجماعات، وطالما نحن حلفاؤكم وأصدقاؤكم ودفعنا الثمن في كل هذه المراحل، لذلك نسأل ما هي الضرورات التي تحتم عليكم أن تنتهجوا هذا السلوك. يقولون والله فلان لديه رأي في هذا الشكل وآخر لديه رأي مختلف، وسارت الأمور إلى أن فجروا هذه المشاكل في الحدود، وأصبحت عملية دعم المعارضة وخلق تنظيمات وتحالفات، حتى من التي لم تكن موجودة في اريتريا، مستمرة. ويبرر المسؤولون الاثيوبيون هذا العمل السياسي العدائي بأن اريتريا تدعم الأورومو وجماعات اثيوبية معارضة. ولو كانت هذه السياسة هي التي تعتمدها فعلاً منذ فترة طويلة، لما كنا دخلنا مع جماعة وياني جبهة تحرير تغراي الحاكمة في تحالف منذ العام 1991 وقبل ذلك.
وعندما دخلت جبهة تحرير الأورومو وقوى أخرى في تحالف داخل الحكومة الاثيوبية، ساهمنا في شكل متواضع لانجاح هذه العملية، ذلك لأن هذه القوى المقاومة داخل اثيوبيا ساهمت في تحرير البلد. ولكن عندما جاءت قضية "الجبهة الثورية الديموقراطية لشعوب اثيوبيا" الائتلاف الحاكم في اثيوبيا حالياً، قلنا إن ذلك سيؤدي إلى مشاكل، إذ ستكون هناك تنظيمات عدة خاضعة لتنظيم واحد. ورأينا أن ذلك لن يحل مشكلة القوميات وغيرها في البلد، لكن هذا كان مجرد رأي وليس موقفاً سياسياً نعتمد عليه وندعم، استناداً إليه، قوى معينة ضد الحكومة، واعتبرنا أن هذا الترتيب السياسي هو خيارهم واحترمناه.
والتاريخ يشهد على ذلك، وعندما حصل الخلاف رأينا أن ندافع عن أنفسنا. والدفاع عن النفس مبرر بكل الوسائل، وإن كنا لا نحب هذه الوسيلة ولم نرغب أن نستخدمها من دون مبرر، وجاءت ظروف كان فيها كثير من القوى السياسية الاثيوبية يقول لنا أنتم تآمرتم مع الحكومة لإضعافنا وقتلنا، ولما كانت اتهامات الأورومو لنا بإعلانات رسمية كنا نقول لهم نحن متعاطفون معكم، لكن لا يمكن أن نعمل معكم ضد حكومة بلدكم، ويجب أن يكون هناك مناخ للتعامل بينكم وما زلنا نعمل في هذا الاتجاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.