"الجلاد"... أغرب مهنة في العالم، ومع ذلك يتمنى الالتحاق بها كثر، خصوصاً من يعملون في مصلحة السجون. أما اسمها الشعبي فهو "عشماوي" الذي ينفذ أحكام الاعدام في من تصدرها عليهم المحاكم المختلفة لارتكابهم جرائم خطيرة كالقتل أو الاغتصاب. حين التحق بالعمل في مصلحة السجون عام 1907 بوظيفة "جلاد"، أصبح محمد عشماوي من أشهر المواطنين في مصر، فمهمته كانت تنفيذ احكام الاعدام في سجن الاستئناف في مديرية أمن القاهرة، لذلك اصبح لقب "الجلاد" الذي ينفذ هذه المهمة "عشماوي". وشهدت غرفة تنفيذ أحكام الاعدام منذ العام 1907، أي طوال 94 عاماً، جلادين كثراً حتى أصبح اشهر من يمتهن هذه المهنة مساعد الشرطة جمال عبد السميع كيلاني، من قرية بني هلال التابعة لمركز مينا القمح في محافظة الشرقية. أصبح كيلاني أشهر "عشماوي" خلال هذه الأعوام ال94، بشاربيه الكثيفين. إذ التحق بالعمل في مصلحة السجون عام 1971، وكان حارساً لغرفة الاعدام. وعام 1980 اصبح مساعد جلاد، بعدما أجريت له اختبارات نفسية لمدة 14 شهراً، للتأكد من صلابته وقدرته على تنفيذ أحكام الإعدام. أما المسجون الذي ينفذ ضده الحكم بالاعدام، فيرتدي الملابس الحمر في سجنه، ويظل في الحبس الانفرادي، إلى أن تنتهي المصادقات على تنفيذ الحكم باعدامه. والغريب أن المسجون الذي ينفذ ضده حكم الاعدام يلقى رعاية صحية دورية ممتازة، ويأكل طعاماً فاخراً، وتكثف الحراسة عليه خوفاً من أن يقبل على الانتحار، ويفذ الحكم الصادر عليه فجراً، لذلك فالمساجين لا ينامون الليل، وكلما سمعوا وقع أقدام قرب الزنزانة، اعتقدوا أن الوقت حان لتنفيذ الحكم والموت. في يوم تنفيذ الحكم توضع راية سوداء على السجن. أما عشماوي الذي ينفذ الحكم فيرتدي ملابس سوداً وغطاء رأس أسود. أما الذين يحضرون تنفيذ الحكم فهم مندوب السجن ومأموره ورئيس النيابة وطبيب شرعي ورجل دين. أما المسجون الذي ينفذ فيه الحكم، فيجيء محمولاً على الاكتاف لأن قدميه لا تتحملان جسده وهو يساق الى حبل المشنقة، وتبدأ مراسم التنفيذ بأن ينطق رئيس النيابة قرار الحكم ويشرح الجريمة وأبعادها في اختصار، لمنع التعاطف معه. وبعدها يسأل مأمور السجن المسجون عن طلباته، فإذا طلب شيئاً مقبولاً ينفذ، مثل كتابة وصية أو تدخين سيجارة أو الصلاة او شرب كوب ماء. أما إذا كانت طلباته غريبة كأن يقابل زوجته، أو يأكل فاكهة في غير موسمها، فلا يلتفت إليها. بعدها يمسك عشماوي بالسجين ويوقفه على "طبلية" الإعدام، ويقيد ذراعيه من الخلف وقدميه ويضع له غطاءً اسود على رأسه، ثم يلف حبل المشنقة على رقبته، ويقف إلى جوار الذراع الكهربائية. في هذا الوقت يصدر مأمور السجن أمر التنفيذ، وكذلك رئيس النيابة، فيشد الذراع الكهربائية فتدفع "الطبلية" من تحت قدمي المسجون ويترك دقيقتين على الأقل معلقاً من رقبته بالحبل حتى تفيض روحه إلى بارئها. ويترك بعد ذلك نصف ساعة أخرى، ويكشف الطبيب الشرعي على الجثة للتأكد من موت المسجون، لتنقل الجثة الى المشرحة وتبلغ اسرته لاستلامها. وقد توفي جمال عبد السميع كيلاني أو عشماوي اخيراً، وكلفت مصلحة السجون في مصر مساعد الشرطة حسين قرني الفقي ليكون أحدث عشماوي في مصر. ويؤكد "قرني" أنه يحب هذه المهنة، على رغم أن البعض، خصوصاً جيرانه الذين يعرفون طبيعة عمله، يخشون التعامل معه ويعتقدون أنه قد يقتل أي شخص في سهولة. ويضيف: "لدي ستة أبناء، خمسة منهم حاصلون على الثانوية العامة ومتزوجون، وطفل عمره 6 سنوات، ويعيش في شكل طبيعي، وأول حكم نفذته بعد وفاة الكيلاني كان في سجن طنطا العمومي. ويؤكد أنه يحب الاستماع الى أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ. ويوضح أن في مصر 11 غرفة إعدام منتشرة في السجون، وهو يتولى تنفيذ الاحكام فيها كلها، لأن "عشماوي" شخص واحد في مصر.