قبل خمس سنوات عاد المخرج العراقي ليث عبد الأمير من إحدى المدن الفرنسية وقد أطلق فكرة مشروعه الجديد بالتعاون مع القناة الفرنسية الثالثة. كانت الفكرة واضحة والمشروع جاهزاً والتمويل ناقصاً مثل معظم المشاريع التي تولد من فكرة متخمرة. أراد عبد الأمير أن ينطلق من فكرة الإعدام التي جاءت بالديكتاتوريات وانتهت بها. وكان العنوان الأبرز: سيرة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. يروي المخرج ويتذكر في فيلمه الذي عرض أخيراً في إحدى القاعات الباريسية بمباركة من القناة الثالثة ورعايتها، الجهة الرئيسة في الإنتاج، كيف نُقل وأقرانه عام 1968 من المدارس بالسيارات إلى ساحة التحرير في بغداد ليشاهدوا عمليات إعدام مَن قيل لهم عنهم إنهم حفنة من «الجواسيس». يقول عبد الأمير في اتصال إن ما حدث في العقود الأربعة الماضية لم يتعدَّ حال الانتقام والانتقام المضاد التي تربينا عليها، إذ دارت الأيام ليقف المسؤول عن إعدام «الجواسيس» ويواجه المصير ذاته. كان صدام حسين أول رئيس دولة يواجه حكم الإعدام وتتناقل مواقع التواصل الاجتماعي صور «حفلة» الإعدام في سابقة هي الأولى. إذ قيل كثير فيها، وفي التفاصيل التي سبقتها، ليولد منها لاحقاً مع «ثورات الربيع العربي» نوع من المطالبة بمعاقبة الديكتاتوريات العربية «بالقصاص المعروف والمشانق على الكفوف». يقف فيلم «دمعة الجلاد» مطولاً أمام هذا النوع من الانتقام والانتقام المضاد. يُعيد التاريخ ذاته بقالب فكاهي مروع، فالفيلم يبدأ من ميدان التحرير بمصر، وليس من بغداد، حيث تقوم مجموعة من المحتجين والمثقفين بمناقشة احتمال إعدام الرئيس المخلوع حسني مبارك وتقليب الفكرة من كل وجوهها، وصولاً إلى محكمة الاستئناف في القاهرة حيث سيظهر لنا في الفيلم «عشماوي»، وهو شخصية رقيقة عكس كل التوقعات، وإن كان يحاول الظهور بمظهر صارم وقاسٍ. لا ينوي عبد الأمير من خلال إظهار هذه الشخصية تبرئة الطغاة الذين اقتادوا معارضيهم إلى حبال المشانق من دون أن يرفَّ لهم جفن. هذه آخر هموم الفيلم كما يقول المخرج، ففي السجون هناك الوجه الآخر لحفلات الإعدام المسكوت عنها، وضحاياها أشخاص وقعوا أسرى العنف والانتقام والحسابات السياسية. ثلاث شخصيات تنتظر تنفيذ أحكام بالإعدام أكبرها لا يتجاوز ثلاثة عقود ما مع يعنيه ذلك من انتظار مروع قد يمتد عشر سنين من دون أن يحدث التنفيذ لأسباب قد تبدو غامضة للمحكومين فقط. «عشماوي» نفذ في حياته المهنية أكثر من 624 عملية إعدام. يمكنه في الفيلم أن يتحدث عنها، وعن تفاصيلها المرعبة، ويمكن أن تطوى صفحة عام 2011 على أكثر من 676 عملية إعدام على مستوى العالم بوجود منفذين لها مجهولين أو معروفين ولاعتبارات مختلفة معظمها سياسي، ولكن دائماً وفق الفيلم ستكون هناك دمعة لهذا «الجلاد» أو ذاك قد يذرفها في أي وقت، ليس بالضرورة على أي من ضحاياه.