أول الكلام: من ديوان "الناي والريح"، للشاعر/ خليل الحاوي: - خفِّفوا الوطء على أعصابنا... يا عابرينْ - نحن في عتمة قبْوٍ مطمئن نمسح الحُمَّى، ونصحو ونُغنِّي نتخفَّى... ونُخفِّي العمر من درب السنين خفِّفوا الوطء على أعصابنا... يا عابرين!! أحببت شخصية هذا الفنان العالمي الذي أطلقوا عليه: أسطورة السينما العالمية، ونادى هو على نفسه، فقال: أنا زوربا... واستطاع أن ينهل من الحياة: ضحكتها، وإن تعرقل بشيء من عقباتها، وأن "يختار" التعبير الذي يُجسّده للناس من خلال شخصيات ذات محور... وأهمها في تقديره :زوربا، الذي تقمَّص شخصيته، وربما تأثر بها الى حد كبير! ولكنه مثل كل حيّ على وجه الأرض لا بد أن يموت... ألقى "أنتوني كوين" عصا الترحال، وأناخ راحلته، واضطجع في إغفاءة أخيرة أبدية! ويبدو أن "أنتوني كوين": لم يكن ينتظر الموت حتى وهو يشارف على ثمالة الثمانين... فقد احتفل بقدوم طفله الثالث عشر عام 1996، ولتوفر هذا الإحساس بالحياة في أعماقه فقد أبدع في أداء دوره الذي استحق عليه جائزة الأوسكار، في فيلم: "شهوة الحياة"... غير أن إنجاب الأبناء: لم يكن شهوته الوحيدة في الحياة، لأنه لخص ملامح شخصيته في هذه العبارة التي صرّح بها وهو في الثمانين قائلاً: "أنا مثل عازفٍ للبوق، أسمع نغمة بداخلي لكني لا أستطيع أن أعزفها الآن... وذات يوم سأعزف هذه النغمة"!! فهل تحقق له عزف النغمة التي كانت تشيع بداخله؟!! ثلاثة أدوار عظيمة على امتداد تاريخه الفني، كانت شموعاً أكثر اضاءة في مشواره الفني والتي ميزته كجذوة النار، وهي: تجسيده لشخصية "زوربا" اليوناني، وأداؤه لشخصية "حمزة بن عبدالمطلب"/ سيد الشهداء في الاسلام، في فيلم الرسالة، وتقمصه لشخصية البطل الوطني الليبي/ عمر المختار... حتى ترددت اشاعات تلمح الى اعتناق "أنتوني كوين" للاسلام... وقد كانت مجرد اشاعات، ولكنها تأسست فوق قاعدة الاعجاب الكبير الذي حصده من ابداعه في أداء دوري: حمزة، وعمر المختار، فتمنى المسلمون الذين أعجبوا بأدائه لو أنه أسلم... وهذه مشاعر محبة لشخص فنان استطاع أن يحدث الابهار لدى مشاهديه من المسلمين والعرب!! ونحسب أن "أنتوني كوين" كان من الممثلين القلائل الذين منحهم مشاهدو اعمالهم هذا الثراء الجميل من الرؤية او الاستمتاع برؤية شخوص انسانية عبر أدوار مميزة... واذا كان "كوين" قد أعجب بشخصية "زوربا" التي اتسمت بالبساطة والحصافة والحكمة، فأشار الى شخصه قائلاً: "أنا زوربا"... فإنه تحدث عن شخصية القائد المسلم/ حمزة بن عبدالمطلب، قائلاً: لو لم أحس بعظمة هذا القائد ما كنت أجدت في محاولتي لتجسيد شخصيته، وألمح يومها الى أنه صار يقرأ عن "الاسلام" كدين عظيم... وتحدث عن شخصية البطل الوطني/ عمر المختار بإعجاب شديد ناقماً على بشاعة الاستعمار الذي حكَمته أطماعه! ولعلني حين أتأمل شخصية هذا الفنان الذي ودّعناه مؤخراً/ أنتوني كوين، فيخيل إليّ أنه في آخر أيامه كان يتوحَّد بفلسفة الفنان الفرنسي التشكيلي/ بول غوغان في لوحته الشهيرة التي أبرز فيها وجه فتاة من جزيرة السحر الجمالي: تاهيتي، سكب فيها موهبته وإبداعه، لكنَّ دائنيه: قهروا كل الفيض في نفسه عندما باعوا اللوحة في مزاد علني بمبلغ: سبعة شلنات!!