لم يتزوج زوربا اليوناني في الرواية الشهيرة التي كتبها نيقوس كازنزاكي، ومع ذلك كانت النساء هن شاغل حياته والمحور الذي تدور حوله هذه الحياة. ولم ينطبق عليه المثل المصري الذي يقول: "من يجعل النساء تجارته فيا خسارته". لم ينطبق عليه هذا المثل ولا أي مثل يوناني آخر. لقد ظل يدور حول النساء ويتعرف اليهن ويعاشرهن ثم يمضي عنهن حراً طليقاً من دون اي خسائر تذكر. ولقد يبدو لنا زوربا اليوناني رجلاً غير ملتزم، قد يبدو لنا رجلاً بلا كلمة... ولكن هذا الحكم لا يخلو من القسوة. لقد كان زوربا رجلاً ملتزماً وله كلمة، المشكلة كلها انه كان ملتزماً امام زوربا فقط. احيانا كان زوربا يقتحم مشروعات لا يعرف عنها شيئاً، واحيانا كان يدخل في امور غامضة لا يعرف لأولها بداية ولا لآخرها نهاية، وكان يفشل! ماذا تظنه كان يفعل حين يفشل؟ كان يمسك آلة السنتوريم ويبدأ في الغناء، ثم بعدها ينخرط في الرقص. فعل هذا حين فشل مشروع المنجم الذي ورط صاحبه فيه، ثم وقف يرقص بعد انهيار المنجم رقصة تقول لنا إن زوربا رجل يعرف كيف يواجه مآسيه، ويعرف كيف يغرقها في الرقص! إن أي إنسان يشاهد زوربا وهو يرقص رقصته الشهيرة ويتمايل مع النغم ويستغرقه النغم، سوف يحس بأن زوربا يرقص بعد نجاحه العظيم في مشروع ما. ولكن زوربا ليس رجلاً تقليدياً ولا نمطياً، إنما هو إنسان حقيقي، وهو صاحب فلسفة خاصة في الحياة. فلسفة تجعل النجاح والفشل يستويان ويستوجبان الفرح معا ويستبعدان الغم او حمل الهموم. وتحولت رواية زوربا الى فيلم سينمائي، وهكذا أتيح للرواية التي قرأها الآلاف أن يشاهدها الملايين. لعب دور زوربا الممثل الاميركي انتوني كوين، وكان المخرج العبقري الذي اختاره للدور قد احسن الاختيار تماماً... ان شكل انتوني كوين وحياته يمثلان شكل زوربا وأطوار حياته تماماً. لقد هاجر انتوني كوين من المكسيك الى الولاياتالمتحدة وهو شاب فقير، ودخل اميركا بصورة غير قانونية بعد ان اختبأ في عربة قطار لشحن الفحم. وظل يحاول العمل في السينما الى ان ابتسم له الحظ وقدمه سيسل دي ميل في احد افلامه. لم يكن "زوربا" انتهازياً حين تزوج ابنة سيسل دي ميل بالتبني، إنما كان يحبها. لم يكن يحبها وحدها إنما كان يحب الحياة بكل ما تنطوي عليه الحياة من نساء وأفراح ومتع ومغامرات غرامية وأبناء وبنات ورحلات وعمل ونقود. بعد ان أنجبت زوجته الاولى كاترين دي ميل خمسة اولاد وبنات طلّقها وتزوج من مصممة الأزياء الايطالية ايولاندا التي تعرّف عليها في احد افلامه بعد قصة حب عنيفة. واستمر الزواج 32 عاماً، كان "زوربا" خلال هذه الفترة مثلاً لزوربا في إخلاصه، وهكذا عرف الرجل عشرات من النساء وكانت له قصة حب مع كل طلعة شمس، كان هذا أيام الحرية والفراغ، فلما انشغل في السينما ولم يعد لديه وقت للفراغ، كان يحب ما هو قريب منه. وهكذا وقع في غرام سكرتيرته كاتي التي تصغره بما يقرب من خمسين سنة. وقد أنجب منها قبل ان يتزوجها رسمياً، وكان عمره يوم وقع في غرامها 78 سنة. ولما كان لزوربا قانونه الخاص الذي لا يخضع لقوانين الآخرين فقد أوقعته زوجته الثانية في شر أعماله ورفعت عليه دعوى تطلب الطلاق وتطلب معه نصف ثروة زوربا المليونير. ولما كان زوربا عاشقاً لحريته اكثر من عشقه لأي شيء آخر، فقد دفع نصف ثروته لها مقابل ان يسترد حريته... ويتزوج من سكرتيرته وهو في الرابعة والثمانين من عمره. المشكلة الجديدة التي تواجه زوجة زوربا ان منصب السكرتيرة شاغر، بينما يصرح انتوني كوين بأنه يشعر بأنه اقوى من أي وقت مضى، والخوف ان يستخدم قوته في نسج قصة حب مع السكرتيرة الجديدة التي لم تتسلم مهام عملها بعد. ومهما يكن ما تقوله الزوجات السابقات عن قلة وفاء زوربا، إلا أنه يمكن القول من دون تردد ان زوربا ظل وفياً لنفسه ولحريته.