في الوقت الذي بدا أن قصي النجل الثاني للرئيس صدام حسين قطع نصف الطريق الى خلافة والده بانتخابه الشهر الماضي عضواً في القيادة القطرية ل"البعث" الحاكم في العراق وفي تسميته نائباً لصدام في أخطر المواقع الحزبية "المكتب العسكري" الذي يشرف فعلياً على القوات المسلحة العراقية وبما يفوق صلاحيات وزير الدفاع. في مثل هذه المؤشرات، تحاول السلطات العراقية صعود قصي "أمراً طبيعياً" فهو جاء بعد حصوله على أعلى نسبة من أصوات أعضاء المؤتمر القطري الثاني عشر للحزب الحاكم، وصلاحياته الواسعة جاءت بعد سنوات من اشرافه على "الحرس الجمهوري" الذي يشكل قوات النخبة في القوات المسلحة العراقية، وانه أظهر "مستويات بارعة" في ادارة "مؤسسات حساسة عززت سلطة الحزب والثورة". قصي صدام حسين 36 عاماً أشرف خلال عقد تقريباً على "الحرس الجمهوري" و"الحرس الجمهوري الخاص" المكلف مع "لواء الحماية" حماية الرئيس صدام وعائلته وعلى "الأمن الخاص" المكلف التعاطي مع الاضطرابات وأشكال المعارضة المسلحة التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية وما زالت تشهدها وفي محافظات وسط العراق وجنوبه، كذلك أشرف منذ عامين على "جهاز المخابرات" من خلال عمله في "مجلس الأمن الوطني" الذي شكله صدام عام 1992 من أجل انهاء حالات التمرد التي قد تواجه الحكم، وهو ما كان حصل في "الانتفاضة الشعبية" في آذار مارس 1991 بعد حرب الخليج الثانية 1991. وتحمل قوى المعارضة العراقية قصي المتزوج من ابنة الفريق الركن ماهر عبدالرشيد أحد قادة الجيش العراقي في الحرب مع ايران مسؤولية تنظيم حملة "تنظيف السجون" التي تم فيها بحسب مصادر المعارضة اعدام أكثر من ألف شخص اتهموا بالمشاركة في "الانتفاضة الشعبية" مؤكدة ان الحملة امتدت من الأشهر الأخيرة لعام 1998 حتى الشهرين الأولين من عام 1999، اللذين شهدا أيضاً اعدام الفريق الركن كامل ساجت المستشار لدى "ديوان الرئاسة" واغتيال المرجع الشيعي البارز محمد صادق الصدر ونجليه في 19 شباط فبراير 1999. وكان قصي الذي يحمل درجة بكالوريوس "قانون وسياسة" من جامعة بغداد 1988 لعب أدواراً أساسية في تثبيت سلطة الحكم العراقي داخل الجيش ومؤسسات الدولة عقب حرب الخليج الثانية. وساعدته مواصفات شخصية كتوم، ولا يحب الظهور في الأماكن العامة وقليلاً ما يزج بنفسه في صفقات تجارية على النقيض من شقيقه الأكبر عدي ولم يشترك في خصومات مع أعمامه الأخوة غير الأشقاء لصدام في تقريبه من الرئيس الذي راح يعتمد عليه في مهمات لم تتوقف عند حدود البلاد، بل امتدت الى خارجها، فأرسله الى لقاءات سرية في دول مجاورة لمناقشة "ملفات أمنية" غاية في الأهمية. ومع تعرض عدي النجل الأكبر للرئيس الى عملية اغتيال في كانون الأول ديسمبر 1996 أصابته بحال من العرج الخفيف، بدا واضحاً ان خلافة صدام ستكون شبه محسومة لقصي على رغم نفي كبار المسؤولين العراقيين خلافة صدام في الحكم من قبل أحد ابنائه مؤكدين ان "أمر الرئيس التالي يحدده الدستور وتقاليد الحزب". ومن المهمات التي وطدت "سلطة" قصي في الحكم وموقعه، ترميم آثار "الزلزال" الذي أحدثه هروب صهري الرئيس حسين وصدام كامل اللذين هربا الى الاردن في آب اغسطس 1995 وعادا الى العراق في شباط من العام التالي وليقتلا مع شقيق ثالث ووالدهما في عملية دموية نظمها قصي وابن عم والده علي حسن المجيد بعد يومين من عودتهما. قصي أبعد المقربين لحسين كامل في "الحرس الجمهوري" و"الأمن الخاص" و"الحماية" و"التصنيع العسكري" في عملية سريعة أبعد فيها أي احتمال لامتداد "انقلاب" حسين كامل على السلطة واعلانه من عمّان مشروعه في "تغيير النظام العراقي". وكانت الاشارات الأولى من بغداد حول دور قصي المتعاظم وخلافته المتوقعة لوالده جاءت في مطلع عام 1999 وهو ما أوضحته "الحياة" في اذار 1999 حين أوردت خبر انتخاب قصي ممثلاً لصدام في "مجلس الدولة" الذي ضم شخصيات من "البعث" الحاكم ووزراء ومستشارين، ومنح الرئيس نجله الثاني صلاحيات واسعة فتمكن من خلالها اصدار الأوامر للوزراء ورؤساء الدوائر الحكومية اضافة الى أوامر يلتزم تنفيذها وزير الدفاع وكبار ضباط الجيش وحين حلت الذكرى العاشرة لغزو الكويت أعلن قصي "دوراً سياسياً" حين تعهد لوالده الرئيس أن قوات الحرس الجمهوري التي كان لها الدور الحاسم في تنفيذ عملية الغزو لجار العراق الجنوبي في آب 1990 و"مستعدة لتكرار" واجبها الوطني، معتبراً في رسالة بعث بها الى صدام ان غزو الكويت كان "تحريراً لها". العراقيون الذين يتهامسون حول "مرض" صدام شبه متأكدين اليوم من أن قصي الغامض والكتوم وصاحب اليد الطولى في الأجهزة الأمنية سيخلف والده، لافتين الى أنه سيكون أكثر شراسة من صدام ولم يتردد بعضهم من القول: "حالنا مع قصي سيجعلنا نطلق الحسرات على حالنا مع صدام"، بل ان الأمر أكثر سوءاً عند بعض العراقيين فهناك من يشير: "علينا أن نهيئ أولادنا لحروب قصي المقبلة بعد أن كنا وقوداً لحروب والده". ديبلوماسيون عراقيون سابقون وضباط في الجيش والأمن وسياسيون مقيمون في الأردن يستبعدون تغييراً في الادارة العراقية مع احتلال قصي الشاب موقع الرجل الثاني في الحكم مؤكدين انه سيظل "مخلصاً لنهج والده في التشدد داخلياً وخارجياً، وان عمله طويلاً مع الأجهزة الأمنية السرية والقوات المسلحة سيجعله مع نهج "عسكرة الدولة والمجتمع" بما يبقي العراق في "دائرة العنف" خارجياً وداخلياً.