عند تناول موضوع التجميل في اليابان لا بد من الكلام على نواح حساسة تتعلق بالتركيبتين الفيزيولوجية والنفسية لليابانيين. من الناحية الفيزيولوجية، طرأت تغييرات كبيرة على هيئة الإنسان الياباني وذلك في المئة عام الأخيرة خصوصاً. فتحديث اليابان بدءاً من أواخر القرن الماضي غيّر النظام الغذائي للبلد في شكل كامل. والجزر اليابانية في تاريخ انعزالها الطويل كانت تفتقر الى التنوع الزراعي/ الحيواني الضروري. ونتيجة لذلك تميز اليابانيون بقصر قامتهم ونحولهم الشديد عموماً. فالدجاج لم يدخل المطبخ الياباني الا على أيدي التجار الاسبان في القرن السادس عشر، وعلى رغم دخول الأبقار من شبه الجزيرة الكورية والخنازير من الصين، الا انها بقيت ظاهرة نادرة واقتصرت الحمية اليابانية على السمك والأرز أساساً وبكميات غير كافية في كثير من الأحيان، مع غياب الحليب عن غذاء الأطفال. إضافة الى ذلك انتشرت تشوهات عظمية متعلقة بممارسات الحياة اليومية كطريقة الجلوس، ومنها نتوء عظام الركبة لدى النساء خصوصاً، وذلك نتيجة لنمط الجلوس الذي كان مفروضاً عليهن منذ سنوات الطفولة والذي يقضي بطي الساقين تحت الفخذين وتلاصق الفخذين في شكل مستقيم أمام الجالسة، والاستمرار في تلك الوضعية طالما استمرت الجلسة بما فيها الجلسات العائلية اليومية الطويلة. تغير كل ذلك في القرن الأخير، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، اذ ازداد طول جيل ال"ماكدونالد" بمقدار عشرة سنتيمترات مقارنة بخمسين عاماً خلت. وفي شهر آذار مارس من العام الحالي اعلنت الحكومة الصينية حملة لتشجيع استهلاك الحليب بعدما تجاوز معدل الطول في اليابان نظيره في الصين لأول مرة في التاريخ. نفسياً ومع بداية عهد الانفتاح بلغت موجة الاعجاب بالجسد الغربي حداً لم يتورع بعض المفكرين اليابانيين معه عن الدعوة الصريحة الى التزاوج مع أوروبيين ل"تحسين النسل الياباني". وعلى رغم غياب الدعوات المماثلة في العصر الحالي الا ان روحها لا تزال ماثلة في اقبال اليابانيين واليابانيات على عمليات التجميل التي "تأورب" ملامح الوجه. فأكثر جراحات التجميل رواجاً في اليابان هي تلك التي تغير اشكال العيون، وبالتحديد الجفون العلوية. فاليابانيون يصنفون الجفون الى أنواع أكثرها قرباً من الغربيين هو جفن ال"فوتايه" أي مزدوج الخط وهو قليل في اليابان. والخط ال"مفقود" لدى اليابانيين هو الخط الأعلى الذي يأتي تحت الحاجب مباشرة ويحدد معالم محجر العين، وهو في معظم الأحيان ليس مفقوداً فعلاً ولكنه قليل العمق في العين اليابانية. وبذلك فإن عمليات تعميق ذلك الخط رائجة بين شابات اليابان. والأكثر من ذلك هو توافر معجون "آيبوتشي" في الأسواق ل"اسعاف" الفتيات العاجزات عن تغطية النفقات الباهظة لعمليات تشكيل جفن "فوتايه" دائم. و"آيبوتشي" هو معجون متخصص يوضع على الجفن ومرفق بأداة خاصة تستعمل لحفر الخط المفقود على المعجون والذي هو بلون الجلد ويزول بغسل الوجه بالماء. والآلاف من الفتيات اليابانيات لا يمانعن من القيام بهذه العملية التي يجب ان تتكرر كل يوم ضمن "حفلة" التجميل الصباحية في سبيل الحصول على الجفن المبتغى. وتلي عمليات العينين في الشعبية عمليات تجميل الأنف، ولكن الهدف من تلك العمليات هو عكس الشائع في البلاد العربية. فاليابانيات يطلبن "رفع" أنوفهن الصغيرة في غالب الأحيان. وتتضمن العمليات اكساء هيكل الأنف بمواد اصطناعية تزيد من حجم الأنف، بينما الغالب في البلاد العربية هو التخلص من الحجم الزائد في عظم الأنف أو أنسجته الأخرى. والملاحظ ان هذا التوجه نحو "أوربة" الوجه لا يرافقه توجه مماثل بخصوص باقي الجسد. فلليابانيين ذوق جمالي خاص ازاء الجسد يفضل النحول الى درجة فيها بعض التطرف. الآنسة توموكو إندو، عارضة أزياء في الثامنة والعشرين، طولها 166 سنتيمتراً ووزنها 48 كلغ، تقول: "أنا محظوظة لأن مديري الحالي يطالبني بخفض وزني الى 45 كلغ فقط، ففي السابق كان الوزن المطلوب 42 كلغ والا تعرضت للتهديد بالطرد، وحتى خارج نطاق العمل اتعرض لسخرية زميلاتي أحياناً بسبب وزني الزائد". ونتيجة لانتشار هذا الحس فإن عمليات تكبير الثدي البالغة الرواج في أوروبا والبلاد العربية شبه معدومة في اليابان، ولعل السيليكون الوحيد الذي يتحدث الناس عن خطره هنا هو وادي "سيليكون فالي" في كاليفورنيا ومنتوجاته التقنية المنافسة لتلك اليابانية!