في قاعة فارهة من فندق "رويال كراون بلازا" الفاخر في إمارة دبي، أطلقت شركة "مايكروسوفت" العملاقة برنامجها الجديد "أوفيس أكس بي" OFFICE XP، نهاية أيار مايو الماضي. ويشير حرفا XP في الاسم إلى لفظة EXPERIENCE ومعناها "التجربة"، أذ ترى الشركة أن برنامجها هو على درجة من الجدّة والتطور أنه يحوّل الأعمال تجربة ملؤها الذكاء. فإلى أي مدى يمكن ترجمة اسم البرنامج "مكتب التجربة"؟ ولمَ لا؟ حشدت "مايكروسوفت" ما يقارب من 1200 مدعو أتوا من أماكن عدّة في آسيا والشرق الأوسط، معظمهم من العاملين في المعلوماتية والخدمات والاعلام. ولم تدّخر جهداً في الاشارة إلى عالمية الحدث، أذ أعلن البرنامج في دبي ونيويورك في اليوم نفسه، وأطلق في العالم مترجماً الى الانكليزية والاسبانية والفرنسية والألمانية والعربية والايطالية والصينية. وثبتت شاشتا تلفزيون ضخمتان على المنصة الرئيسة، ومثلهما في منتصف القاعة، لإتاحة الرؤية في القاعة الطويلة. وبمزيج من ملامح طفولية ونظارتي طالب جامعي، أطل وجه بيل غايتس، المدير الأسطوري للشركة، عبر الشاشات العملاقة ليقدم برنامج أوفيس الجديد. فأوضح أن "مكتب التجربة" هو الأجد في سلسلة برامج ترتكز على مبادرة "دوت نيت" التي تشدد النبرة على استعمال شبكة الأنترنت وسيلةً ومنصة في أداء العمل اليومي. وأدرج غايتس البرنامج في سياق خطوات مشابهة مثل "ويندوز xp" و"الصندوق الكبير" وغيرهما. وتعتمد مبادرة "دوت نيت" لغة XML التي تحمست لها "مايكروسوفت" أخيراً. وإذ ظهر غايتس متحرراً من البزة التقليدية ومرتدياً قميصاً مفتوحاً سكري اللون، رافقت البزّة الرسمية ممثلي الشركة الذين تتالوا على المنصة لشرح مزايا متعددة في "مكتب التجربة". وصف وجيز وفي قاعة أرضية من فندق "برج العرب"، قُدم البرنامج العربي من "أوفيس XP" أمام مجموعة من الصحافيين العرب والأجانب، بينهم متخصصون في صحافة العلوم. وتولى المهندس أنس عبّار، وهو أميركي من أصل سوري يعمل في مكتب "مايكروسوفت" في ريدموند، شرح التفاصيل التقنية للنسخة العربية من البرنامج. وفي عرض المواصفات العامة لبرنامج "مكتب التجربة"، يمكن القول إنه يتألف من حزمة التطبيقات نفسها التي تتضمنها الاصدارات السابقة ، أي WORD وEXCEL وACCESS وPOWER POINT، مضافاً إليها تطبيقا "مايكروسوفت" المخصصان للعمل على الأنترنت وهما FRONT PAGE و PUBLISHER، وميزة استعمال الصوت في كتابة النصوص. وثمة كثافة لافتة في عملية الترابط بين المكونات المختلفة، ما ييسر استدعاء المعلومات والملفات من أي مكان في البرنامج إلى نقطة العمل المحددة، وصولا إلى مستوى الكلمة الواحدة. فعلى سبيل المثال، عند العمل على اسم شخص محدد، يمكن استدعاء كل المعلومات والصور المتوافرة، ومن كل الملفات والتطبيقات، بما في ذلك ما استخرج من الانترنت. وتتولى أداة اسمها "البطاقة الذكية" SMART TAG توفير هذه الميزة. وعند العمل على إحدى الوثائق، تظهر أداة تمكن المستعمل من إدارة التطبيقات كافة، واستعمال ما فيها من مزايا لإغناء تلك الوثيقة من دون "مغادرة" الصفحة التي يعمل عليها. فمثلاً، يمكن إضافة صور وموسيقى إلى النص المكتوب، من دون أن يضطر المستخدم إلى ترك الوثيقة ثم دخول تطبيق مناسب ثم جمع الموسيقى المطلوبة فالعودة الى النص وإضافتها إليه! ولمن سبق له العمل على برامج "مايكروسوفت" تبدو بعض هذه المزايا مألوفة، وقد "مُدّت" من تطبيق واحد، لتصبح متوافرة في كل البرنامج. فمثلاً، يمكن القول إن البطاقة الذكية هي افادة من البرنامج الحسابي "أكسيل" منقولة إلى الكلمات والصور. بين إمكانات التكنولوجيا وإملاءات المصالح 3، 2، 1... حسناً، هذا ليس عداً تنازلياً، لكنه حساب السنوات التي تفصل أصدارات برامج "مايكروسوفت" في المكاتب الإلكترونية! وظهر البرنامج الأول عام 1995، واعتبر حدثا مدوياً، إذ وفر مجموعة من التطبيقات التي تسهل العمل المكتبي في معظم أشكاله. وبلغ من ذيوع صيته أن اعتمدته المدارس في أميركا مؤشراً إلى إتمام المرحلة الابتدائية. وبعد أقل من ثلاث سنوات، دفعت الشركة نفسها ببرنامج جديد "أوفيس 98"، وتبعه برنامج "أوفيس 2000" بعد أقل من سنة واحدة، واحتوى كلا البرنامجين على حزمة متشابهة من التطبيقات الأساسية! وفي نقاش المجموعة الصحافية مع المهندس عبار، اتضح أن "مكتب التجربة" يحتوي قاموس مرادفات لم يحظ برضى الحضور. وأوضح عبار أن الشركة هي في صدد تطوير القواميس العربية تحت إشراف ألسنيّ متخصص. فهل يعني ذلك صدور نسخة "جديدة" في وقت قريب؟ ودار نقاش مع مدير المكتب الإقليمي ل"مايكروسوفت" في دبي، والمسؤول عن الشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا السيد بهرام مهذبي الذي شدد على أهمية استخدام لغة XML في أوفيسXP. ومن اللافت أن "مايكروسوفت" شددت إجراءات الأمن في برنامجها، لكنها دفعت الأمور إلى حدّ متطرف تماماً. وهي تفرض تسجيل البرنامج الواحد للشخص الواحد على جهاز واحد فقط .... وحتى لو امتلك الشخص جهازين، لا يستطيع استخدام البرنامج الذي يملكه في صورة قانونية على أدوات يملكها قانونياً! ومن الصعب تذكر سوابق تكنولوجية من هذا العيار، بمعنى التدخل في أوجه استخدام الملكية الشخصية. ولا تفرض شركات السيارات استخداماً محدداً للحافلة التي تبيعها، على سبيل المثال. ومن الصعب تجنب القول إن هذا التقييد للملكية القانونية يتجاوز حتى المعنى الرأسمالي في الملكية. فكيف يكون رد فعل الجمهور الواسع على هذه المصادرة لحقوق ملكية المستخدم؟ ولماذا تشهر الأسلحة كافة لحماية حقوق الشركات، تحت شعار حماية الملكية الفكرية، ولا يطبق المعيار نفسه عندما تصل المسألة إلى حقوق جمهور المستهلكين؟ وتعتزم الشركة تطبيق النظام نفسه في حماية نظام التشغيل الجديد "ويندوز XP"، ما يترك مضاعفات أعمق أثراً. وعن سبب تدافع نظم المكاتب الإلكترونية من "مايكروسوفت"، أشار مهذبي إلى وجود احتياج واسع دلت إليه مسوحات أجرتها الشركة. وهل الشركة على درجة من الشفافية أنها تضع هذه الاحصاءات قيد نظر الجمهور العام؟ هناك احتمال أن تفيد الشركات المنافسة من هذه الأرقام، ومع ذلك رحب مهذبي بالأمر، ووعد بوضع بعض الاحصاءات التي ترجع إلى العام 1995، انسجاماً مع معطى الشفافية. هل تصدق الوعود ؟ لننتظر ونرَ.