تجاهلت الحكومة اليمنية قرار وزارة الخارجية الأميركية أول من أمس تقليص بعثتها الديبلوماسة واغلاق قنصليتها وتحذير رعاياها في اليمن بمغادرة البلاد بسبب ما اعتبرته "تهديدات ارهابية" وعدم توافر ضمانات أمنية لسلامة رعاياها ومصالحها في اليمن. واستقبل وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي امس القائم بأعمال السفارة الأميركية في صنعاء "براد هانسن" وبحث معه العلاقات الثنائية ومجالات التعاون. ولم يتطرق الخبر الذي بثته وكالة الأنباء اليمنية الى ان البحث تطرق الى قرار الخارجية الأميركية الخاص ببعثتها الديبلوماسية ورعاياها في اليمن. وأكدت مصادر مطلعة ل"الحياة" في صنعاء ان السفارة الأميركية تلقت الجمعة الماضي تحذيراً من مجهول بوجود عبوات متفجرة مزروعة حول مبنى السفارة. واتضح لأجهزة الأمن اليمنية بأن البلاغ كاذب، اذ لم تعثر على أي أثر لوجود متفجرات. غير أن السفارة أبلغت الخارجية اليمنية أول من أمس بوقف التعاملات الرسمية في القسم القنصلي بناء على توجيهات تلقتها من واشنطن. وبُرّر القرار الأميركي خفض الديبلوماسيين غير الضروريين في اليمن وترحيل أسرهم وتحذير الرعايا بأنه مرتبط ب"اعتبارات أمنية" وهي جزء من اجراءات الاستنفار القصوى التي كانت واشنطن أعلنتها حول مصالحها وبعثاتها الديبلوماسية ورعاياها في المنطقة. لكن مصادر مطلعة اعتبرت ان القرار الاميركي بوقف نشاط القنصلية في صنعاء وترحيل الرعايا وتحذيرهم هو رد على قرار الحكومة اليمنية قبل نحو اسبوع الغاء مناورة عسكرية مشتركة كانت مقررة الشهر المقبل بين وحدات من الجيش اليمني ووحدات اميركية. وفُسّر القرار اليمني بأنه احتجاج على سياسة اميركا ومواقفها السلبية الداعمة لاسرائيل. واعتبرت أوساط سياسية وديبلوماسية في صنعاء القرار الأميركي الخاص بالسفارة والرعايا في اليمن بأنه يهدف الى الضغط على السلطات اليمنية لتقديم مزيد من التسهيلات لفريق المحققين الأميركيين في شأن الهجوم الانتحاري الذي تعرضت له المدمرة "كول" في مرفأ عدن في 12 تشرين الأول اكتوبر الماضي وأسفر عن مقتل 17 بحاراً أميركياً من طاقمها. وقالت ان مطالب المحققين الاميركيين في عدن قوبل بعضها بالرفض على اساس انها تتجاوز القوانين اليمنية النافذة وتُعتبر انتهاكاً للدستور، خصوصاً في ما يتعلق بطلب المحققين اجراء تحقيقات مباشرة ومنفردة مع بضعة موقوفين يمنيين على ذمة حادث "كول" واجراء عملية استجواب مع أشخاص ثبت للمحققين اليمنيين عدم وجود علاقة لهم بالحادث، بالاضافة الى المبررات القانونية التي قدمتها أجهزة الأمن اليمنية والقاضية بإحالة ملف القضية برمته على السلطات القضائية. وتأجلت احالة الملف على القضاء اكثر من مرة بناء على رغبة الاميركيين ومن "منطلق التعاون الثنائي" الذي اشاد به مسؤولون اميركيون زاروا اليمن منذ حادث "كول" وآخرهم مسؤول الاستخبارات في مجلس الشيوخ "جورج شلبي" الذي زار صنعاء الاسبوع الماضي وأجرى محادثات مع الرئيس علي عبدالله صالح ومسؤولين يمنيين في الحكومة والمؤسسة الأمنية. وفي هذا السياق أكد ل"الحياة" أمس مصدر أمني طلب عدم ذكر اسمه أن الديبلوماسيين والرعايا الأميركيين في اليمن لم يتعرضوا لأي تهديدات "ارهابية" باستثناء بلاغات "كاذبة" عدة تلقتها السفارة في صنعاء. وقال المصدر إن فريق التحقيق الأميركي الموجود في عدن وبقية الرعايا الأميركيين والغربيين يحظون برعاية أمنية كاملة ومطمئنة توفرها الأجهزة الأمنية. وأكد ان ديبلوماسيين أميركيين يتحركون داخل العاصمة والمناطق اليمنية باطمئنان كامل خصوصاً في ظل خطة أمنية محكمة تنفذها السلطات اليمنية لحماية الرعايا الغربيين من حوادث خطف الأجانب التي يرتكبها مسلحون من بعض القبائل. وأكد ل"الحياة" مصدر ديبلوماسي في السفارة اليمنية في واشنطن أن العلاقات اليمنية - الأميركية تعتبر في أحسن حالاتها في المرحلة الراهنة، اذ شهدت توسعاً كبيراً في مجالات التعاون على الصعيد الاقتصادي والصعيدين العسكري والأمني وهي "محل ارتياح في أوساط الادارة الأميركية السابقة والحالية"، وأضاف "أننا لم نلمس تبعات سلبية لقرار الخارجية الأميركية" أول من أمس. ولفت الى ان الرئيس علي صالح تلقى دعوة من الرئيس جورج دبليو بوش لزيارة واشنطن خلال الأسابيع المقبلة تتويجاً لتطور العلاقات بين البلدين. ولوحظ امس ان الاجواء الأمنية حول السفارة الأميركية في صنعاء طبيعية، وأن أبواب السفارة كانت مفتوحة. غير أن القنصلية اغلقت أبوابها ومكاتبها أمام الزوار والمراجعات اليومية المعتادة.