أظهر التعديل الوزاري الذي شهدته بريطانيا أول من أمس رغبة رئيس الوزراء طوني بلير في ولايته الثانية، في التمهل تجاه مسألة الانضمام الى الوحدة النقدية الأوروبية، في وقت يبدي المسؤولون في لندن مخاوف من انهيار مسيرة السلام في ايرلندا الشمالية. وكان بلير أْعلن بعد ساعات من فوز حزبه الكاسح بالانتخابات العامة عن جملة تغيرات ومناقلات طاولت مناصب رئيسية في حكومته، وشملت خصوصاً تعيين وزير الداخلية جاك سترو وزيراً للخارجية، في حين عُيّن وزير الخارجية روبن كوك زعيماً للنواب العماليين في مجلس العموم. وأبقى بلير على وزير المال غوردن براون الذي يعتبر خليفته المحتمل في منصبه. واعتبر القرار بمثابة تأكيد لنجاح براون في قيادة الحملة الانتخابية للعماليين، إلا أنه أيضاً عنى أن بلير الذي كان وعد بطرح مسألة الانضمام إلى الوحدة النقدية الأوروبية في استفتاء، في حال فاز بولاية ثانية، يرغب الآن في التقاط أنفاسه. ولفت اختيار سترو وابقاء غوردون، وهما معروفان بموقفهما الفاتر والمحايد من الوحدة النقدية الأوروبية، بمقدار ما لفت استبعاد كوك ذي الميول الأوروبية الواضحة والذي شكل التغيير تراجعاً لمكانته في الحزب، ومفاجأة غير متوقعة له أو لمساعديه. ويبدو أن موعد السنتين الذي تحدث عنه قادة الحزب العمالي خلال الحملة الانتخابية كمهلة تسبق البحث جدياً في الانضمام الى الوحدة النقدية، هو الذي حكم اختيار بلير لمعاونيه الرئيسيين في الحكومة خلال هذه الفترة، على أساس أن يتيح له ذلك كسب مزيد من الوقت. وبالنسبة الى حزب المحافظين، الذي يعارض علناً الوحدة النقدية، فقد اعلن انه سينتخب زعيمه الجديد في غضون خمسة شهور بعدما تنحى زعيمه الحالي وليام هيغ. ويترقب العماليون هذا الحدث لمعرفة ما اذا كان الفائز مؤيداً أم للوحدة الأوروبية. ويرغب بلير في الابقاء، بحذر، على كل خطوطه مفتوحة في ما يتعلق بالانضمام لليورو. وقد طرحت نتائج استفتاء أجرى أول من أمس في ايرلندا وأسفر عن رفض "معاهدة نيس" لتوسيع الاتحاد الاوروبي تساؤلات عن احتمال تكرار التجربة نفسها في بريطانيا. ويقول محللون إن هذا الأمر"سينعكس سلباً على قيمة صرف اليورو في الاسواق الدولية ويريح الاسترليني في اسواق الصرف بعدما تراجع سعره بقوة خلال الأيام الماضية". ويتوقع أن يعاود الاسترليني الارتفاع غداً الاثنين، وهو ما سيثير ارتياح المستثمرين من دول مجلس التعاون القطاعان الخاص والعام "الذين تُقدّر استثماراتهم في العالم بنحو تريليون دولار ربعها في المملكة المتحدة. ويعني ذلك ان للخليجيين استثمارات في بريطانيا تصل الى حدود 250 بليون دولار 182 بليون استرليني بسعر الصرف الحالي يمكن ان تهبط قيمتها لاحقاً الى 170 بليوناً اذا تراجع الاسترليني بنسبة 7 في المئة اضافية، في حال خفض قيمته تدريجاً استعداداً لانضمام بريطانيا الى اليورو". وعمد بلير، الذي توجه أمس الى بيته الريفي للاستراحة، إلى تعيين سبع نساء في حكومته إرضاء للناخبات. إلا أن المسألة الساخنة، التي قررت الحكومة معالجتها بسرعة، تتعلق بتطورات الوضع في ايرلندا الشمالية حيث فاز حزب بروتستانتي موالٍ للتاج البريطاني ومناهض للسلام بخمسة مقاعد في مجلس العموم، في حين فاز حزب "شين فين"، الجناح السياسي لمنظمة "الجيش الجمهوي الايرلندي" المناهض للتاج البريطاني بأربعة مقاعد. أما ديفيد تريمبل، زعيم البروتستانت في الولاية الشمالية ففقد حزبه أربعة مقاعد تقاسمها خصماه، وهو ما اعتبر بمثابة رفض من الشارع البروتستانتي لمساعي السلام التي دافع عنها تريمبل الذي كان الوحيد الذي احتفظ بمقعده. وسارع جون ريد وزير شؤون ايرلندا الشمالية الجديد إلى اعلان أن محادثات ستجري قريباً لدفع عملية السلام الى أمام.