يبدأ مهرجان "كان" دورته الرابعة والخمسين اليوم الأربعاء، ويجد الحاضرون أنفسهم أمام فيلم أختير ليكون بداية مدوية: فيلم باز لورمان الجديد "مولان روج" الطاحونة الحمراء في ساعتين حافلتين بالموسيقى والغناء، بالرقص والاستعراض وبالكثير من الخدع والمؤثرات الكومبيوتر - غرافيكية 300 منها بالتحديد وهي ستترك الكثيرين مذهولين وعلى استعداد لإعتبار هذا الفيلم أفضل فيلم موسيقي شاهدوه منذ أيام "الغناء تحت المطر" و"صوت الموسيقى". البعض الآخر، والمحتمل أن يكون عدديا أقل، لن يشعر بحماسة كبيرة لمعالجة فاقعة ومداهمة وصاخبة، معتبراً أن كل تقنياتها لم تستطع النفاذ الى قلب القصة العاطفية المتوخاة في الموضوع المستوحى من مسرحية الفرنسي بيير لامور. لكن "كان" الجديد، تحت إدارة تييري فريمو بعدما تسلق المدير السابق جيل جاكوب السلم وأصبح رئيسه، لا يمانع أن يكون فيلم الإفتتاح مدوياً، بل هناك حاجة كبيرة لمثل هذا الدوي في أيام بات من الصعب البحث عن أفلام جيدة تؤلف عموداً فقرياً قوياً لمهرجان رئيسي مثل هذا المهرجان. وقاد ذلك البحث المكثف الى مشاهدة أكثر من 1500 فيلم بين طويل وقصير وتأخير اعلان الأفلام المشتركة رسمياً في المسابقة والتظاهرات والعروض الأخرى خارجها اسبوعاً، ثم اتضحت صورة دورة تعد بأن تكون المحك الذي ستقارن به الدورات المقبلة. عندما أعلنت الأفلام المشتركة في المهرجان اكتشف المراقبون خليطاً جيداً من الأعمال المتنوعة، وغياباً ملحوظاً لأعمال من دول اعتادت الحضور. ففي حين بدا تركيز ملحوظ على الأفلام الفرنسية والأميركية واليابانية، ثم الى حد ما على الأفلام الايطالية والإيرانية، برز تغييب للأفلام البريطانية والألمانية والأسبانية والصينية والاسترالية، من بين أخرى اعتادت أيضاً الحضور مكثفاً أو محدوداً. فعدد الأفلام الأميركية والفرنسية داخل المسابقة وخارجها متساو 13 لكل منهما ويليهما رقم مرتفع للمشاركات اليابانية ثمانٍ ورقم متوسط للسينما الايطالية خمسة مع ثلاثة أفلام ايرانية. أما السينما العربية فغائبة، كما في معظم سنوات الأمس، بإستثناء فيلم تونسي - فرنسي مشترك بعنوان "فاطمة" تعرضه تظاهرة "نصف شهر المخرجين" المستقلة عن البرنامج الرسمي. وكان المخرج المصري محمد خان تقدم في اللحظات الأخيرة بفيلمه الجديد "أيام السادات" الأول له منذ ثماني سنوات لكن المهرجان رده. وكذلك كان من المقرر أن يشترك يوسف شاهين بفيلمه الأخير "سكوت، حنصوّر" لكن أوضاع المخرج الصحية منعت الفيلم من الإنتهاء في الوقت المناسب ولا يزال المشروع قيد التنفيذ. في المسابقة، وحالما يتخطى الجميع بهجة الإفتتاح ودويه، تطالع الجمهور وللمرة الأولى ثلاثة أفلام يابانية لثلاثة مخرجين معروفين يتنافسون في ما بينهم ويدخلون جميعاً مجال المنافسة ضد الآخرين: شنجي أيواما الذي عرض في العام الماضي تحفته التي لم تقدر حق تقديرها "يوريكا" يعود هذا العام بفيلم "قمر الصحراء" حاملاً بصمته كمخرج يميل الى التأمل الهادئ والإمعان الدائم في الشكل وفضائيات المكان. هيروكازو كوريدا، وهو نسبياً جديد كان شهد احتفاء النقاد بفيلمه السابق "بعد الحياة" وحالياً يقدم فيلمه الجديد "مسافة". شوهاي إيمامورا الذي سبق له وقطف سعفتين من المهرجان الفرنسي الكبير في السابق واحدة عن "أنشودة ناراييما" 1983 والثانية عن "ثعبان البحر" 1997- وحينها تناصف السعفة مع الفيلم الإيراني "طعم الكرز" لعباس كيورستامي. فيلمه الجديد يحمل عنوان "مياه فاترة تحت الجسر". وخارج المسابقة نجد فيلماً يابانياً آخر في العروض الرسمية لمامورا ايشي بعنوان "أفالون" وثلاثة في تظاهرة "نظرة ما" التي أرادها فيرمو أقوى من المعتاد هذا العام: "قصة ه." لنوبيهيرو سووا، "كايرو" ليكوشي كوروساوا "الرجل الذي يمشي على الثلج" لماساهيرو كوباياشي. وهناك فيلم ياباني واحد في "اسبوع النقاد" هو "غير محبوب" لكينوتوشي ماندا. أفلام اميركية وفرنسية الاشتراك الأميركي في المسابقة يتمحور حول أربعة أفلام سبق لمخرجي ثلاثة منها أن أمّوا "كان" أكثر من مرة وهم: شون بن الذي يقدم هذا العام فيلمه "العهد" من بطولة جاك نيكولسون أحد إنتاجات اللبناني ايلي سماحة وجوويل كووين الذي يعرض "الرجل الذي لم يكن هناك" بطولة فرنسيس ماكدورماند وبيلي بوب ثورنتون وديفيد لينش في "مولهولاند درايف". ولا يخفي مدير المهرجان الجديد إعجابه : "لينش عائد كأفضل ما يكون". الفيلم الرابع هو "شْرْك" Shrek وهو رسوم متحركة عن مخلوق بشع غير محبوب أسمه "شرك" يقود حماراً في مغامرة بحثاً عن أميرة خطفها التنين ويقع في حب الأميرة بدوره. ولعله أول فيلم كرتوني يتسابق في المهرجان الفرنسي منذ الفيلم التشيكي "الكوكب الغريب" سنة 1973. الأفلام الفرنسية المتسابقة مؤلفة من دراما تقع أحداثها مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية لفرنسوا دوبيرو بعنوان "غرفة الضباط" ودراما مأخوذة عن حياة واقعية بعنوان "روبرتو سوكو" لسدريك خان ثم "التمارين" لكاثيرين كورسيني. وهناك فيلمان لمخرجين من عصر "الكاييه دي سينما" هما جاك ريفيت الذي يقدم في المسابقة أيضاً فيلمه "للمعرفة" وجان - لوك غودار الذي يعرض فيلمه التجريبي الجديد "مديح الحب" وهو اعتاد أن يحدث ضجة في أعقاب كل فيلم "غامض" يعرضه هنا. ووجود غودار وريفيت منطقيا بإحتفال مجلة "كاييه دي سينما" بمرور خمسين سنة على إنشائها، وهي المجلة التي انطلقا منها ناقدين ثم أصبحا مخرجين أسوة بمجموعة كبيرة من أترابهما مثل اريك رومير وكلود شابرول وفرنسوا تروفو. أحد الأفلام التي لم يخترها المهرجان للمسابقة هو "أميلي مونمارت" للمخرج جان - بيير جونيه. هذا الفيلم كان لقي اعجاباً كبيراً من النقاد الفرنسيين ما دفع شركة ميراماكس الأميركية لشراء حقوق عرضه في اميركا، لكنه أخفق في دخول المسابقة. وبينما غابت السينما الإيطالية في العام الماضي او كادت، نجدها حاضرة هذا العام: ناني موريتي يقدم دراما عائلية قوية تحت عنوان "غرفة الأبناء" والمخرج الفذ إرمانو أولمي يعود بدراما تاريخية تحت عنوان "مهنة السلاح". خارج المسابقة هناك فيلم فرنشيسكا ارتشيبوغي "غدا" في "نظرة ما". على أن الحدث الإيطالي المرتقب قيام المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي بعرض فيلمه الأخير "رحلتي الى ايطاليا": 4 ساعات يقضيها عاشق السينما الولهان بصحبة آراء وتعليقات المخرج الأميركي الشهير ذي الأصل الإيطالي بالطبع في حياة السينما الإيطالية. بقية الأفلام المتسابقة تتألف من "استئجار بيت" للبرتغالي ماويل دي أوليفييرا، وهو مخرج نشط تجاوز الثمانين ربيعاً، و"أرض لا أحد" لدنيس تانوفيتش، مقدم بإسم بوسنيا، وهناك الفيلم النمسوي الجديد لميشيل هانيكه "معلم البيانو". من تايوان فيلم جديد للمخرج المثير هو سياو - سيين "مامبو الألفية" ومن اسبانيا فيلم جديد أيضاً لمارك روشا بعنوان "بو وشقيقه". ومن ايران "الشمس وراء القمر" لمحسن مخملباف إبنته سميرة التي قدمت في المسابقة في العام الماضي "الألواح السوداء" موجودة في لجنة تحكيم الأفلام القصيرة التي يرأسها المخرج الفرنسي إريك زونكا. ألكسندر زوخوروف، أحد أفضل المواهب الروسية في السنوات العشر الأخيرة يعود بفيلم يحمل إسم "توروس" كان المهرجان تردد في قبوله لسبب غير معلوم بعد بينما يقدم المخرج التايواني تساي مينغ - ليانغ فيلماً مشتركاً بين بلاده وفرنسا بعنوان "ما هو الوقت هناك؟". خارج المسابقة في العروض الرسمية، واضافة الى فيلم الإفتتاح، اعادة منقحة ومضاف اليها لتحفة فرنسيس فورد كوبولا "الرؤيا الآن"، وفيلم لإبنه رومان بعنوان "C.Q" وكذلك فيلم اميركي آخر أسمه "طبيعة انسانية" لمايكل غوندري وفيلم فرنسي لكلير دنيس عنوانه "متاعب كل ليلة" وفيلم ياباني لمامورو ايشي عنوانه "أفالون". ويعرض الأميركي، ذو الأصل الصيني، واين وانغ فيلماً مثيراً هو "مركز الأرض" تقوم ببطولته نجمة افلام البورنو أليشا كلاس. أيضاً فيلم "ABC Africa" للايراني عباس كيورستامي إضافة الى فيلم تسجيلي طويل آخر عنوانه "سوبيبور: 14 أكتوبر، 1943 الساعة: 4 بعد الظهر". مخرج الفيلم هو كلود لانزمان الذي يعتبره البعض أفضل من سجل أفلاماً عن الهولوكوست، وهذا الفيلم لن يخرج مطلقاً عن عادته. أفلام المسابقة ستمر بفلتر لجنة تحكيم ترأسها الممثلة والمخرجة النروجية الأصل ليف أولمن. ومن أعضاء لجنة التحكيم المخرجة التونسية مفيدة التلاتلي والممثلة البريطانية جوليا أورموند والمخرج الأميركي تيري جيليام.