تحية الحب الى الصديق العزيز الأستاذ جهاد الخازن: في عمودك الممتع دائماً لفت نظري، في عدد الخميس 17 أيار مايو 2001، المقطع الأخير الذي تمنيتَ فيه ان يتقدم ثري عربي، ويدفع ثمن اعلان يُنشر على صفحة كاملة من جريدة غربية كبرى مثل هيرالد تريبيون. وأرجو ان تسمح لي بإبداء ملاحظتين على أمنيتك الجميلة: 1 - انت تعرف ان الإعلانات الداعمة للأضاليل الإسرائيلية لا يقوم بنشرها، أو يدفع قيمتها ثري يهودي بالذات، وانما هو عمل تؤديه، في شكل دؤوب ومستمر، مؤسسات يهودية مثل إيباك في أميركا التي احترفت بذكاء، في ما احترفت ومنذ عشرات السنين، هذا النشاط الذي يدعمه ويموّله بالطبع يهود الغرب الأثرياء وصهاينة آخرون. والحكاية لا تقتصر عندهم على نشر اعلان يتيم وينتهي الأمر. وانما هي سلسلة لا تتوقف من الإعلانات: فواحد يبرّر المواقف والممارسات الإسرائيلية، وآخر مخصص لترديد اسطوانة "الهولوكوست"، وثالث مكتوب لابتزاز مصارف أو شركات غربية يدّعون ان ليهود "المحرقة" ذمماً لديها تقدر ببلايين الدولارات، ورابع يطالبون فيه بمقعد لإسرائيل في مجلس الأمن. فالحكاية ليست عندهم إذاً حكاية اعلان ينشر مرة أو مرتين، ثم ينامون. وانما هي حركة منظمة دائبة لا تكلّ ولا تملّ لقولبة عقود الناس صباح مساء وجيلاً بعد جيل. لذلك حبذا لو تنادي لإيجاد إيباك عربي يتفرغ له المؤمنون حقاً بقضايا أمتهم ويموّله العرب القادرون دونما تباهٍ ولا ضجيج. 4 - لا يخفى عليك بالطبع ان معظم مصالح الأثرياء العرب وأموالهم هي في الغرب، وأنهم يخشون على هذه المصالح من حملة تُشنّ ضدهم، أو تحاول النيل من سمعتهم كالقول مثلاً ان ثرواتهم هي ذات مصادر مشبوهة، وانها جاءت من طريق الاتجار بالسلاح أو غسيل الأموال... بل قد يصل الأمر بجماعات اسرائيل الى أن تحول دون ان تصل مساهمة ذات رائحة عربية الى أية مؤسسة غربية، سواء كانت ثقافية أو علمية أو سياسية، حتى ولو جاءت تلك المساهمة وفق النظام والقانون المحليين في البلد الغربي. وهناك عشرات الأمثلة التي لا أشك في أنك أدرى الناس بها، ومنها: - محاولة الأميركيين العرب ذات يوم المساهمة في حملة نائب الرئيس والتر مونديل الانتخابية، عام 1980، واضطرار مونديل حينذاك الى أن يرضخ للضغوط اليهودية، ويعيد الشيك الذي أحبّ الأميركيون العرب ان يساهموا به، ولو في شكل متواضع ورمزي، في تمويل حملته الانتخابية، تماماً مثلما فعلتْ مؤسسات أميركية أخرى من دون ان يعترض عليها أحد. وهناك أيضاً مثال مقعد الدراسات الدولية في جامعة جورجتاون بواشنطن الذي رغبت ليبيا، خلال السبعينات، في تمويله، فقامت الدنيا ولم تقعد ضد هذا التمويل. وأذكر ان الكاتب آرت بوكوولد الذي اشتهر، كما تعرف، بأعمدته الضاحكة في الصحف الأميركية نشر حينذاك المقالة الجدية الوحيدة التي كتبها في حياته، والتي كانت ثقيلة الدم حقاً، وتضمنت هجوماً بذيئاً على جامعة جورجتاون وعلى ليبيا جميعاً. فكشف يومها عن صهيونيته ذات السمّ الزعاف. دمشق - الدكتور صباح قباني السفير السوري السابق في واشنطن